بقلم : إدريس إحميد
أفريقيا برس – ليبيا. تمثل ليبيا أهمية استراتيجية في الضفة الجنوبية للبحر المتوسط بشاطئها الممتد على مسافة ألفي كيلومتر مربع ، وتعد نقطة التقاء بين أوروبا والوطن العربي وأفريقيا مما جعل التنافس المحموم عليها عقب الحرب العالمية الثانية ولكن منحها الاستقلال في عام 1951 حال دون استفراد الدول المتصارعة بها .
وتعد الولايات المتحدة الامريكية من أهم الدول ترتبط مع ليبيا بميراث طويل من العلاقات التي شابها التوتر والصراع المسلح منذ عهد القرمانليين وتدمير السفينة فيلاديلفيا 1805 واجبارها على دفع الاتاوات عليها .
في عام 1952 اتفقت حكومة المملكة الليبية والحكومة الأمريكية على منحها قواعد بمقابل مالي ، حتى تاريخ اجلاءها في 11 يونيو 1970 في عهد الجمهورية العربية الليبية .
وقد شهدت العلاقات الليبية الأمريكية في عهد معمر القذافي مراحل توتر ابتداء من تأميم قطاع النفط في عام 1973 وفرض الحظر على النفط الليبي في 1982 المعدات الفنية والعسكرية وقطع العلاقات الدبلوماسية ، وفي 1986 زادت أمريكا الحظر وجمدت الارصدة الليبية في البنوك الامريكية، وشنت غارات على طرابلس وبنغازي في 13و14 أبريل 1986 بعد اتهام ليبيا بتفجير قنبلة في ملهي برلين ومقتل جنود أمريكيين.
وجاءت قضية لوكيربي الاسكتلندية في عام 1988 والتي اتهمت الولايات المتحدة الامريكية، ليبيا بالضلوع في تفجير طائرة “بان أمريكان” ومقتل 270 كانوا على متنها. وفي عام 1992 أصدر مجلس الامن القرار رقم 748 ويدعو لفرض حظرعسكري وجوي على ليبيا ، وفرض عقوبات اقتصادية جديدة في عام 1993.
وشهدت العلاقات الليبية الأمريكية ابتداء من عام 1998 اجراء مباحثات ولقاءات أهمها قبول ليبيا بالمسؤولية القانونية في قضية لوكيربي، واجراء المحاكمة للمتهمين الليبيين في هولندا ، وقبول ليبيا دفع تعويضات لعائلات الضحايا ورفعت العقوبات على ليبيا، وتحسنت العلاقات الدبلوماسية بين ليبيا وامريكا والدول الاوربية ، تم رفع العقوبات الامريكية على ليبيا .
الدور الأمريكي في أحداث 17 فبراير 2011
تبنت وزيرة الخارجية السابقة “كوندوليزا رايس ” مفهوم الفوضى الخلاقة والذّي سوف تنشره الولايات المتحدة الامريكية في الشرق الاوسط من أجل نقل الدول العربية من الدكتاتورية الى الديمقراطية.
جاء التدخل الأمريكي في ليبيا ابان عهد ادارة بارك اوباما بطريقة القيادة من الخلف، من خلال اعطاء الدور للناتو بزعامة فرنسا وبريطانيا ، في اطار استراتيجيتها الجديدة بعدم ارسال قوات او دفع تكاليف الحروب ، بعد تدخلها في افغانستان والعراق.
ولكن الدور الأمريكي غاب عن المشهد الليبي ومواكبة الأحداث التي مرت بها ، واكتفت بالتصريحات حتي عندما اغتيل السفير كويستوفر في سبتمبر 2012 خلال الهجوم على البعثة الأمريكية في بنغازي ، ردت بالقبض على المشتبه به في عملية اقتحام السفارة الأمريكية ” أحمد أبو ختالة” في يوليو 2014 في بنغازي ، و في أكتوبر 2013 اعتقلت عبدالحميد الرقيعي “أبو أنس” المتهم في تفجير سفارات أمريكية في شرق أفريقيا عام 1998، قامت بإخلاء سفارتها في العاصمة طرابلس في 26 يوليو 2014 بعدما اندلع قتال بين الجماعات المسلحة في طرابلس.
وجاءت مشاركة قوات أفريكوم في عهد الرئيس باراك أوباما التي تواجدت في ليبيا وشاركت بطائراتها في محاربة داعش في مدينة سرت في عام 2016.
ومن المعروف بأن السياسة الامريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب تغيرت من الإهتمام بالقضايا الخارجية الى التركيز على الشؤون الداخلية .
وجاء اتصال الرئيس الأمريكي ترامب مع المشير خليفة حفتر وناقش معه جهود مكافحة الارهاب والحاجة الى تحقيق الاستقرار في ليبيا، ودعمه في التوجه للعاصمة طرابلس في 4 أبريل 2019 ، وقد عارضت الولايات المتحدة وروسيا مساعي بريطانيا في مجلس الامن للمطالبة بوقف اطلاق النار وتكرر ذلك في عدة مرات .
وهنا نلاحظ السياسية الأمريكية في عهد باراك أوباما شاركت في التدخل عام 2011 بقيادة حلف الناتو بشكل غير مباشر ولم تتدخل وتمارس ضغوطات على الاطراف المتصارعة .
ومارست ادارة دونالد ترامب سياسة عدم التدخل على الرغم من مطالبة رئيس الحكومة الايطالية “باولو جينتلوني” أمريكا بدور أكبر ، فكان رد ترامب بأنه لا يرى دورا لأمريكا في ليبيا ” وأنها دعمت المشير حفتر في الذهاب لطرابلس ، ثم دعمت تركيا في التدخل لدعم حكومة الوفاق .
الموقف الأمريكي من التدخل التركي والروسي
بعد تغلغل قوات الكرامة، داخل العاصمة وجدت حكومة الوفاق نفسها في مأزق ميداني خطير، فقامت بتوقيع اتفاقيتين أحدهما أمنية والأخرى ترسيم للحدود البحرية ، وبدأت في تقديم الدعم العسكري لقوات الوفاق وجلب مستشارين وقوات من المقاتلين السوريين ، في مقابل الطرف الآخر الذي يحارب معه مقاتلي الفاغنر.
ولا ننسى تدخل دول أخرى في الصراع وفي مقدمتها فرنسا التي تشهد علاقاتها تؤثر مع تركيا في عدة ملفات ، والامارات ومصر التي تدعم قوات الكرامة وتمارس دور دبلوماسيا بين الاطراف الليبية وقطر التي تدعم حكومة الوفاق.
وبالتركيز على الموقف الامريكي من تركيا العضو الفاعل في حلف الناتو والذي شابه التوتر في عهد إدارة ترامب بسبب التقارب مع روسيا ، والتعاون العسكري والاستخباراتي ومما زاد في تعقيد الامور هو شراء تركيا منظومة ” اس 400 ” الروسية واخراج تركيا من برنامج الطائرة ” اف 35 ” .
ومن ناحية تؤيد التدخل التركي في ليبيا لمواجهة التدخل الروسي فقد عبر الولايات المتحدة على لسان مساعد وزير الخارجية الامريكية لشؤون الشرق الاوسط والأدنى “ديفيد شينكر ” ، الذي رفض الحملة العسكرية على العاصمة طرابلس والدعوة لحل الازمة بالطرق السلمية مشيرا الى ان التدخل التركي أسهم في خلق توازن الكفة في ليبيا ، مما يفسر القلق الأمريكي من تزايد النفوذ الروسي في ليبيا .
خطوة أمريكية تجاه ليبيا
توقع بعض المحللون بأن ادارة الرئيس الامريكي “جو بايدن ” سوف تدعم ايجاد حل سلمي توافقي من خلال المساعي الدبلوماسية والذي ترجم في الدور الحيوي الذي قامت به السفيرة والمبعوثة الاممية “ستيفاني ويليامز ” في جمع الاطراف الليبية في مباحثات ملتقى الحوار السياسي في تونس وجنيف ومؤتمر برلين 2 .
في 10 مايو 2021 أعلنت وزراة الخارجية الامريكية عن تعيين المستشار السياسي المخضرم والسفير لدى ليبيا “ريتشارد نورلاند ” مبعوثا خاصا للولايات المتحدة الى ليبيا ، وتؤكد هذا الخطوة للمراقبين والمتتبعين بأن أمريكا ترغب في مزيد من الانخراط في الازمة الليبية.
في ظل الحوار الليبي تم تعيين السلوفاكي “يان كوبيتش” مبعوثا خاصا للأمم المتحدة في ليبيا وهو السابع ، والذي أثار تحفظ البعض واستغرابهم و الذين فضلوا استمرار المبعوثة “ستيفاني ويليامز ” التي استطاعت جمع الاطراف الليبية على مادة الحوار في تونس وجنيف بما يعرف بلجنة ال75، واشرافها على الاتفاق السياسي الذي اختار المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية .
وبعد جولات لملتقى الحوار السياسي لاقرار القاعدة الدستورية فشلوا في التوافق على قاعدة دستورية للانتخابات ، على الرغم من ضغوطات المبعوث الاممي “يان كوبيتش” على المشاركين بالتركيز على الجدول الزمني.
ويعتقد بأن ضعف الادارة وتغيب المبعوث الاممي بسبب اصابته بفيروس كورونا ، وعدم معرفته بالشأن الليبي بعكس “ستيفاني ويليامز ” فتح المجال لمناقشات وطرح قضايا جديدة بعيدة عن أجندة الملتقى كالحديث عن الاستفتاء على الدستور واجراء انتخابات برلمانية وتأجيل الانتخابات الرئاسية ومحاولات افشال اجتماعات ملتقى الحوار.
وقد طلبت الولايات المتحدة من تركيا وروسيا السحب الفوري للمقاتلين الأجانب واحترام سيادة ليبيا في عدة مناسبات وعلى لسان دبلوماسيها، وقد انقضت مهلة الثلاث أشهر التي نص عليها الاتفاق السياسي، وصدرت دعوات وبيانات من مجلس الأمن بل قدمت تحذيرات للمعرقلين للعملية السياسية .
ولازال المشهد الليبي يواجه صعوبات وأهمها عدم قدرة الحكومة المدعومة دوليا من تنفيذ تعهداتها بناء على الإتفاق السياسي ، مما يؤكد غموض الموقف الأمريكي الفاعل والذي سبب احباط لشعب الليبي واعادة التساؤل عن الوعود السابقة ، بعودة الاستقرار وبناء ليبيا الجديدة.