عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. أثار قرار مصرف ليبيا المركزي بتخفيض سعر صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية جدلاً واسعاً في الأوساط الشعبية والسياسية، حيث اعتُبر خطوة مثيرة للجدل في ظل الظروف الاقتصادية الحالية في البلاد. هذه الخطوة التي تسببت في مخاوف من انهيار الوضع الاقتصادي، جاءت في وقت يعاني فيه المواطن الليبي من أعباء اقتصادية متزايدة، وسط تزايد الاصطفافات السياسية والانقسامات بين الأطراف المختلفة في البلاد. قرار المصرف المركزي لم يكن إلا قمة جبل الجليد من مشهد اقتصادي مضطرب يحتاج إلى حلول جذرية ومراجعات شاملة.
القرار وتبريراته
قررت إدارة المصرف المركزي الليبي تخفيض قيمة الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية، وذلك في محاولة للحد من الصرف الموازي الذي يُدير الاقتصاد خارج الأطر الرسمية، بالإضافة إلى التحديات الناتجة عن وجود حكومتين متنازعتين في الشرق والغرب، وعدم وجود ميزانية موحدة للبلاد. حسب تصريح المصرف المركزي، فإن هذه الخطوة هي ضرورية لضبط الوضع المالي المترنح، لكن الكثير من المراقبين رأوا فيها إقرارًا بفشل السياسات الاقتصادية المتبعة وعدم الجدية في الإصلاحات.
التفاعل السياسي والشعبي
على إثر هذا القرار، أصبح الوضع السياسي أكثر توتراً، حيث قرر مجلس النواب استدعاء محافظ المصرف المركزي ومجلس الإدارة لجلسة استجواب. العديد من أعضاء مجلس النواب أكدوا أن الوضع المالي في البلاد يتجه نحو الأسوأ، مؤكدين أن مثل هذه القرارات تضع عبئًا إضافيًا على المواطن الليبي، الذي يعاني أصلاً من تداعيات الفساد وسوء الإدارة. من بين أبرز التصريحات التي جاءت على لسان السياسيين، أكد رئيس الحكومة الليبية السابق فتحي باشاغا أن هذه القرارات تضر بالمواطن، وتؤكد الفشل المستمر في الأداء الحكومي.
ومن جهته، أعلن رئيس حزب “صوت الشعب” فتحي الشبلي عن خطورة الوضع، قائلاً إن الإنفاق الحكومي المفرط كان لا بد أن يؤدي إلى هذه الأزمة، مشيراً إلى ضرورة إجراء إصلاحات جذرية تشمل إعادة هيكلة المصرف المركزي وتحديد ميزانية موحدة للبلاد. جاءت تصريحاته لصحيفة الشرق الأوسط السعودية.
أما عضو مجلس الدولة الاستشاري سعد بن شرادة، في تصريحات صحفية دعا إلى توحيد السلطة التنفيذية ووضع خطة اقتصادية واضحة للبلاد لمواجهة الأزمة.
الاحتجاجات الشعبية والمطالبة بالتغيير
في الجهة الشعبية، انتشرت دعوات للاحتجاجات والمظاهرات للتعبير عن السخط والغضب من الوضع الاقتصادي المتدهور، حيث دعا عدد من أهالي مصراتة إلى تنظيم اعتصام ضد الفساد وسوء إدارة موارد البلاد. واعتبروا أن هذا القرار هو جزء من سلسلة من السياسات التي “أرهقت الشعب الليبي وأثقلت ظهره”. ورغم تصاعد الغضب الشعبي، فإن البعض عبر عن إحباطه من عدم تحقيق نتائج ملموسة من الجلسات البرلمانية، مشيرين إلى أن البرلمان تحكمه عوامل جغرافية وأيديولوجية تجعل من غير الممكن التوصل إلى حلول عملية.
الاقتصاد الليبي في خطر
من جهة أخرى، ومن خلال تصريحات صحفية حذر عضو مجلس النواب، علي التكبالي، من عواقب تدهور الأوضاع الاقتصادية، مشيراً إلى أن ليبيا قد تواجه أزمة مالية خانقة في حال استمر انخفاض أسعار النفط، المصدر الرئيسي للإيرادات. واعتبر التكبالي أن الأداء المتراخي للمصرف المركزي لا يؤدي إلى أي حلول ملموسة، بل يكرر نفس الأخطاء التي ارتكبتها الإدارات السابقة تحت لافتة الإصلاح. وركز على أهمية إجراء إصلاحات شاملة، محذراً من أن استمرار الوضع الراهن قد يقود البلاد إلى مزيد من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي.
كما صرح الخبير الإستراتيجي الإيطالي دانييلي روفينيتي لصحيفة صدى الاقتصادية أن تخفيض قيمة الدينار سيؤدي إلى زيادة تكلفة الواردات مما قد يؤثر بشكل كبير على الأسر الليبية وذلك لإعتماد البلاد بشكل كبير على السلع المستوردة.
وأكد روفينيتي قد يرتفع التضخم وهو مصدر قلق بشكل أكبر مما يقلل من القدرة الشرائية للمواطنين الذين يعانون من عدم الاستقرار الاقتصادي منذ عام 2011 يثير توقيت القرار تساؤلات: لماذا الآن؟
وتابع بالقول لقد كان الاقتصاد الليبي هشًا لسنوات مثقلًا بالانقسامات السياسية والديون العامة التي تشير التقارير إلى أنها بلغت 330 مليار دينار وقد تشير هذه الخطوة إلى تحديات مالية أعمق أو تكون استجابةً لتناقص الاحتياطيات على الرغم من إصرار المصرف المركزي على أن هدفه هو الحفاظ على الاستقرار
وأشار روفينيتي إلى أن في النهاية يبدو هذا بمثابة حل مؤقت للمشاكل الاقتصادية الهيكلية في ليبيا إن اعتماد البلاد المفرط على النفط إلى جانب المشهد السياسي المجزأ يحد من فعالية السياسة النقدية وبدون إصلاحات أوسع نطاقًا مثل توحيد فروع المصرف المركزي التي لا تزال منقسمة أو معالجة الفساد قد يؤدي هذا التخفيض في قيمة العملة إلى تأخير معالجة المشاكل الأعمق وفقا لقوله.
التحديات الاقتصادية والحوارات البرلمانية
لم يقتصر الجدل على المصرف المركزي فقط، بل تعداه إلى الحكومة، حيث اعتبر عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي أن رفع سعر الصرف أصبح ضرورة ملحة، نظراً للإنفاق غير المنضبط من قبل حكومة الوحدة الوطنية. وفي وقت يواجه فيه البرلمان تحديات في اتخاذ قرارات حاسمة، أبدى العرفي استعداد مجلس النواب للتعاون مع المصرف المركزي شريطة أن يقدم الأخير مبررات واضحة للسياسات النقدية المتبعة حيث جاءت تصريحات العرفي لتلفزيون المسار.
في الختام، إن الوضع الاقتصادي في ليبيا يمر بمرحلة حرجة، تتطلب تحركًا سريعًا ومراجعات شاملة للسياسات المالية والنقدية. قرار تخفيض قيمة الدينار يكشف عن عمق الأزمة ويجسد التحديات الاقتصادية المستمرة في ظل الانقسام السياسي وغياب التنسيق بين المؤسسات المختلفة. في هذا السياق، يبدو أن الحلول المؤقتة لا تكفي، وأن ليبيا بحاجة إلى إصلاحات شاملة، تبدأ بتوحيد السلطة التنفيذية وتحديد ميزانية موحدة، وصولاً إلى معالجة جذور الفساد الذي أرهق الشعب الليبي وهدد استقرار البلاد على المدى الطويل.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس