تقرير ديوان المحاسبة 2023.. أزمات مالية وفساد يعصف بمستقبل البلاد

29
تقرير ديوان المحاسبة 2023 أزمات مالية وفساد يعصف بمستقبل البلاد
تقرير ديوان المحاسبة 2023 أزمات مالية وفساد يعصف بمستقبل البلاد

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. في وقت تتزايد فيه الأزمات الاقتصادية في ليبيا، ومع استمرار الانقسامات السياسية والصراعات المسلحة، يأتي تقرير ديوان المحاسبة الأخير والمتأخر لعام 2023، ليكشف النقاب عن سلسلة من المخالفات المالية والإدارية التي تعمق الأزمة وتزيد من معاناة الشعب الليبي.

التقرير، الذي تضمن تقييماً شاملاً لوضع المال العام، أشار إلى تزايد حالات الفساد وإهدار المال العام وبشكل غير مسبوق، وهو ما يثير القلق على استقرار البلاد الاقتصادي والأمني.

في هذا السياق، قدم الخبيران الاقتصاديان، أبوبكر طور وسامح الكانوني لـ”أفريقيا برس”، تحليلات نقدية حادة لما ورد في التقرير، مع التأكيد على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لمحاسبة المسؤولين عن هذه المخالفات.

المخالفات المالية والإدارية

خلال اطلاعه على تقرير ديوان المحاسبة لعام 2023، أشار الخبير الاقتصادي أبوبكر طور إلى أبرز المخالفات التي تم رصدها، والتي تُظهر حجم الفساد في مؤسسات الدولة الليبية. من بين هذه المخالفات، أشار طور إلى التكليفات المباشرة التي منحت لجهات وأفراد دون طرح أي مناقصات شفافة، ما أسهم في إهدار المال العام بشكل واضح. وتأتي هذه الممارسات في وقت يعاني فيه الاقتصاد الليبي من تدهور حاد، مما يضاعف من حجم التحديات المالية.

كما أشار طور على الإفراط في تخصيص وشراء وسائل النقل لكافة الجهات الحكومية، وهو ما وصفه بأنه خارج الحاجة وبعيد عن آليات المناقصات، مما أدى إلى زيادة المصروفات على الخزينة العامة دون تحقيق عوائد ملموسة. وأكد أن هذه المخالفات وغيرها في هذا التقرير ترقى إلى مستوى الجرائم الاقتصادية، والتي يعاقب عليها القانون الليبي.

وأشار طور بضرورة عدم الاكتفاء بتقرير ديوان المحاسبة السنوي، بل يجب تحويل هذه التقارير إلى النيابة العامة لفتح محاضر التحقيق، وملاحقة كل من له يد في هذا الإهدار والفساد.

وأضاف أن التنفيذ الفعلي للأحكام القانونية قد يواجه تحديات أمنية، خاصة إذا كان المتورطون في هذه الجرائم ينتمون إلى جهات نافذة في السلطة شرقا وغربا، وهو ما يعقد المسار القضائي في ليبيا.

التحديات الاقتصادية والمالية

اعتبر الخبير المالي سامح الكانوني أن المخالفات المالية التي كشف عنها تقرير ديوان المحاسبة هي جزء من الأزمة الاقتصادية التي تواجهها ليبيا.

أبرز هذه المخالفات، وفقًا للكانوني، هو استبدال النفط الخام بالبنزين والديزل عبر ما يُعرف بنظام المقايضة، وهو ما يضر بالاقتصاد الوطني ويؤدي إلى خسائر مالية ضخمة. واعتبر الكانوني أن هذا النظام يجب أن يتوقف فورًا، مع ضرورة إيجاد حلول بديلة لتوفير الوقود بطريقة تحافظ على الاقتصاد الليبي.

كما سلط الكانوني الضوء على تراجع العائدات من الاستثمارات الليبية الخارجية، خصوصًا من خلال المؤسسة الليبية للاستثمار الخارجي، التي شهدت انخفاضًا حادًا وغير مسبوق في أرباحها. ورأى أن هذا التراجع يمثل مؤشراً خطيرًا على انهيار هذه المؤسسة، التي كانت في السابق أحد أهم روافد الاقتصاد الليبي. وأشار إلى أن هناك تخبطًا واضحًا في إدارة هذه المؤسسة، مما يتطلب تحقيقًا عاجلًا، مع ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذا الفساد المالي.

التحديات التشريعية والقضائية

من ناحية أخرى، أكد الكانوني على ضرورة مراجعة وتعديل القوانين المالية والإدارية في ليبيا، لضمان حماية المال العام من الإهدار والسرقة المقننة.

وأكد على أهمية وضع تشريعات تسهل عمل الجهات القضائية والضبطية، بما يضمن سرعة الإجراءات وتحقيق العدالة. وأضاف أنه يجب دعم جهود النيابة العامة والسلطات القضائية لضمان محاسبة مرتكبي هذه الجرائم.

الآفاق المستقبلية

يعتبر كل من طور والكانوني أن الوضع المالي في ليبيا يتطلب تدخلًا سريعًا من النيابة العامة والجهات القضائية لمحاسبة الفاسدين، وتطبيق الإصلاحات المالية الضرورية من الجهات المختصة.

وفي ظل تدهور الوضع الاقتصادي، وعدم وجود رؤية واضحة لإصلاح النظام المالي، فإن استمرار هذا الفساد المالي سيؤدي إلى عواقب وخيمة على الاستقرار المالي والاقتصادي وحتى الأمني في البلاد.

ويظل من الضروري أن تتحمل الجهات التشريعية في ليبيا مسؤوليتها في إصلاح القوانين المالية والإدارية، مع ضمان استقلالية الجهات الرقابية. وبالرغم من الصعوبات التي قد تواجهها النيابة العامة والقضاء في ظل الانقسامات السياسية والأمنية، إلا أن تطبيق القانون وتفعيل آليات المحاسبة يعتبر السبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع المأساوي.

إن تقرير ديوان المحاسبة لعام 2023 يبرز بوضوح زيادة حجم الإنفاق وتفشي الفساد والإهدار في المال العام، وهو ما يستدعي تحركًا سريعًا وفعالًا من جميع الأطراف المعنية، سواء كانت حكومية أو قضائية.

فإن محاسبة الفاسدين ومراجعة القوانين المالية تمثل خطوة أساسية نحو استعادة الثقة في المؤسسات الليبية وتحقيق الاستقرار المالي.

ولكن في ظل الظروف الراهنة من انقسام سياسي وأمني، فإن تنفيذ هذه الإصلاحات يتطلب تضافر الجهود على جميع الأصعدة لضمان مستقبل ليبيا الاقتصادي.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here