رفع دعم المحروقات في ليبيا: بين الاقتصاد والمخاطر الاجتماعية

26
رفع دعم المحروقات في ليبيا: بين الاقتصاد والمخاطر الاجتماعية
رفع دعم المحروقات في ليبيا: بين الاقتصاد والمخاطر الاجتماعية

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة التي تواجهها ليبيا، أطلقت الحكومة الليبية في بنغازي برئاسة أسامة حماد مقترحًا لرفع الدعم عن الوقود والمحروقات والموافقة عليه وبحضور نائب مصرف ليبيا المركزي مرعي البرعصي، وهو القرار الذي أثار جدلاً واسعًا في مختلف الأوساط السياسية والاقتصادية. ورافق هذا القرار العديد من التصريحات والتحليلات من قبل خبراء وقانونيين ورجال أعمال، الذين تناولوا الآثار المحتملة لهذا القرار على المواطنين وعلى الأقتصاد الليبي بشكل عام.

وفي تصريح خاص لموقع “أفريقيا برس”، أكد أستاذ القانون العام في الأكاديمية الليبية للدراسات العليا مجدي الشبعاني أن قرار رفع الدعم عن المحروقات الذي طرحته حكومة أسامة حماد في بنغازي لا يعدو كونه محاولة لجذب الانتباه، مشيرًا إلى أن مثل هذه القرارات يجب أن تصدر عن حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليًا.

وأضاف الشبعاني أن هذا المقترح يفتقر إلى الصيغة القانونية السليمة، حيث أن ملف المحروقات في ليبيا يخص شركتي “البريقة” و”المؤسسة الوطنية للنفط”، وهاتين المؤسستين تخضعان مباشرة للحكومة المعترف بها دوليًا.

وأشار إلى أنه في حال تم تطبيق القرار في مناطق سيطرة حكومة حماد وكأمر واقع، فإن ذلك قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة مثل انتشار ظاهرة التهريب الداخلي، خاصة إذا تباينت أسعار المحروقات بين المنطقة الغربية المدعومة والشرق أو الجنوب غير المدعوم. وقال: “هذا سيتسبب في خلق سوقين للمحروقات في البلاد، وهو ما سيكون من الصعب السيطرة عليه أو معالجته”.

وأكد الشبعاني أن هذا القرار من شأنه أن يثير المزيد من الجدل، نظرًا لعدم توافقه مع الأطر القانونية السائدة، فضلاً عن تداعياته المحتملة على السوق المحلي. وأضاف أنه في ظل الوضع الراهن والانقسام السياسي القائم بين الحكومات في الشرق والغرب، فإن تطبيق هذا القرار سيكون محفوفًا بالمخاطر، إذ أنه قد يؤدي إلى مزيد من الانقسام في البلاد. وبالتالي، يرى الشبعاني أن رفع الدعم عن المحروقات يجب أن يكون جزءًا من خطة شاملة توافقية، تستند إلى التنسيق بين مختلف الجهات الحكومية، مع ضرورة أن تكون الحكومة المعترف بها دوليًا هي الجهة المسؤولة عن اتخاذ مثل هذه القرارات الحساسة.

ومن جانبه أكد الخبير الاقتصادي أبوبكر طور في تصريح خاص لـ”أفريقيا برس”، أن رفع الدعم عن المحروقات في ليبيا في ظل الانقسام السياسي الحالي بين الحكومة في الشرق والغرب لا يبدو قابلاً للتنفيذ.
وأشار طور إلى أن هذه الخطوة ستكون صعبة للغاية، خاصة وأنه لا يوجد فصل فعلي بين المناطق التي تحت سيطرة الحكومة في الشرق والمناطق التي تسيطر عليها حكومة الوحدة الوطنية في الغرب.

وفي ظل هذا الوضع، من غير الممكن تطبيق قرار رفع الدعم في جزء من الدولة، بينما يبقى الدعم قائمًا في جزء آخر.

ورأى طور أن هذا المقترح يبدو وكأنه “جس نبض” سياسي أكثر منه قرارًا فعليًا، مشيرًا إلى أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية قد أقر في وقت سابق أنه لا يمكن اتخاذ مثل هذا القرار في غياب توافق شعبي حول رفع الدعم، لأنه يمس حياة المواطن بشكل مباشر.

وأوضح أن التوقيت غير مناسب، حيث أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجه حكومة أسامة حماد، والتي تحتاج إلى أموال خاصة لتغطية بما يسمى بمشاريع الإعمار في الشرق والالتزامات المالية الكبيرة، قد تكون هي الدافع وراء هذا المقترح.
وأضاف أنه في ظل الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها البلاد، لا يبدو أن الحكومة في الشرق مهتمة كثيرًا بالأوضاع الاقتصادية المتدهورة في المنطقة الشرقية والجنوبية من وجهة نظره.

وأكد طور على أهمية دراسة كل الأضرار المحتملة لرفع الدعم عن المحروقات، والعمل على إيجاد حلول لكافة السيناريوهات المحتملة لهذا القرار. ورغم اعترافه بأن دعم المحروقات يمثل عبئًا كبيرًا على خزينة الدولة ويعيق التنمية، إلا أنه شدد على ضرورة أن يتم اتخاذ هذا القرار بشكل مدروس وشامل، يراعي تأثيراته الاجتماعية والاقتصادية على المواطنين.
واعتبر أنه من الأفضل تأجيل اتخاذ هذا القرار إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لكي يكون القرار تحت مسؤولية أولئك الذين منحهم الشعب صوته في صناديق الاقتراع.

من جهته رفض رجل الأعمال الليبي “حسني بي”، رفع الدعم عن المحروقات دون استبدال نقدي في تصريح له لصحيفة صدى الاقتصادية, مؤكدًا أن هذا القرار يجب أن يُقترن بتعويضات مالية للمواطنين لضمان العدالة الاجتماعية.

وأوضح بأن رفع الدعم دون تعويض نقدي سيؤدي إلى زيادة الضغوط الاقتصادية على المواطنين، لا سيما في ظل الأوضاع المالية الصعبة التي تمر بها البلاد.

ولفت إلى أن الدعم الحكومي يستهلك نسبة كبيرة من إيرادات النفط الليبي، مما يعرقل التنمية والتطوير في البلاد.

كما اعتبر بي أن الوضع الراهن يشبه “سرقة مشرعنة” للدعم، مطالبًا بضرورة تنفيذ آلية استبدال نقدي لضمان التوزيع العادل للموارد.

كما أعرب القانوني أحمد موسى عن قلقه من قرار رفع الدعم في هذه الفترة، حيث يرى أن هذا القرار سيشكل عبئًا إضافيًا على المواطن الليبي ذو الدخل المحدود. من خلال صفحته على”الفيس بوك”، أكد موسى أن المواطن الليبي يعاني بالفعل من صعوبات اقتصادية جمة، ويعيش في ظل غياب راتب ثابت من الدولة. وأضاف أن رفع الدعم سيؤدي إلى زيادة تكاليف المعيشة، ما يضر بالقدرة الشرائية للأسر ويزيد من الضغط النفسي والاقتصادي على المواطنين.

وأشار إلى ضرورة أن تقوم الحكومة بإيجاد حلول لحماية المواطنين من تداعيات رفع الدعم، مثل دعم برامج اجتماعية أو تقديم مساعدات مالية للأسر المحتاجة.

ردود أفعال

وقد لقي هذا المقترح ردود أفعال واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث عبر العديد من النشطاء السياسيين عن رفضهم لهذه الخطوة، معتبرين أن رفع الدعم في ظل الوضع السياسي والاقتصادي الحالي سيؤدي إلى تدهور الوضع المعيشي للطبقة الوسطى في ليبيا.

ورأى بعضهم أن هذا القرار ما هو إلا “بالون اختبار” للجماهير في ظل الأزمة السياسية الحالية. بينما دعا البعض الآخر إلى الخروج في تظاهرات واسعة في الشوارع رفضًا لهذا القرار، مؤكدين أن أي قرار يتعلق برفع الدعم يجب أن يكون مصحوبًا بتعويضات حقيقية للمواطنين أوبدائل ملموسة

إجمالًا، يظل مقترح رفع الدعم عن المحروقات في ليبيا موضوعًا حساسًا ومعقدًا، حيث تتداخل فيه الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

وعلى الرغم من أهمية هذا القرار في تحسين الوضع المالي للدولة، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة في تنفيذه في ظل الانقسام السياسي القائم والأوضاع الاقتصادية المتعثرة.

يبقى الأمل في أن تأخذ الحكومات بعين الاعتبار كافة الجوانب القانونية والاجتماعية والاقتصادية قبل اتخاذ أي خطوة في هذا الاتجاه، مع ضرورة ضمان وجود آليات حماية للمواطنين الذين سيعانون بشكل مباشر من تبعات هذا القرار.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here