عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. في خطوةٍ أثارت جدلاً واسعاً في الشارع الليبي، قرر رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، اعتبار مدينتي تاورغاء وزمزم فرعين بلديين يتبعان بلدية مصراتة. هذا القرار جاء في وقتٍ حساس، حيث يواجه المجتمع الليبي تحديات كبيرة في تحقيق المصالحة الوطنية وإعادة بناء الدولة بعد سنوات من النزاع. وبينما يرى البعض في القرار خطوة نحو توحيد الإدارات المحلية وتسهيل تقديم الخدمات، يرى آخرون أن له تداعيات قد تهدد استقلالية المدينتين وحقوق سكانهما.
الأسباب الحقيقية للقرار
وفي حديث خاص لـ”أفريقيا برس” مع ميلاد خميس، المحلل السياسي و المهتم بالشأن العام، أكد أن “الأسباب الحقيقية لهذا القرار هي أسباب توسعية لصالح من يدعمه في بلدية مصراتة، وهذه الأسباب من شأنها أن تعزز المصالح المادية لعمادة بلدية مصراتة”.
وأضاف خميس قائلاً: “يبدو أن هذا القرار هو مكافأة من الحكومة لعميد بلدية مصراتة الجديد، الذي يُحسب على تيار الدبيبة في المدينة، وهو ما يعكس الأبعاد المصلحية والسياسية لهذا القرار”.
التداعيات القانونية والاجتماعية
من الناحية القانونية، يرى ميلاد خميس أن التداعيات القانونية لهذا القرار تشكل أحد أكبر المخاوف لدى أهالي تاورغاء، حيث يمكن أن يُستخدم القانون ضد ممتلكاتهم، مما يزيد من التهميش والإقصاء لهذه المدينة”.
ولفت إلى أن هذا القرار قد يؤدي إلى صعوبة في اتخاذ أي إجراءات لصالح مدينة تاورغاء، التي تعاني من نقص كبير في الخدمات الأساسية.
أما من الناحية الاجتماعية، فقد أشار خميس إلى أن “هناك علاقات تاريخية وطيدة بين مصراتة وتاورغاء وزمزم، بحكم الجغرافيا والتاريخ، لكن ما حدث في 2011 كان الجميع فيه ضحية لصراعات خارج إرادتهم”.
وقال منذ عودة الأهالي وبدء المصالحة، تحسنت العلاقات بشكل ملحوظ بين المنطقتين، لكن رفض سكان تاورغاء وزمزم لهذا القرار ينبع من الخوف من الإقصاء والتهميش لبلدية تاورغاء”.
وأضاف خميس تاورغاء تفتقر لأبسط مقومات المدينة وتحتاج إلى العديد من الخدمات الأساسية، وهو ما دفع الأهالي للمطالبة بالاستقلالية عن البلديات الأخرى، بهدف تحسين مستوى الخدمات وتلبية احتياجات السكان بشكل أفضل.
الأبعاد السياسية للقرار
وحول الأبعاد السياسية لهذا القرار، أشار ميلاد خميس إلى أن القرار قد يكون له بعض الأبعاد السياسية المرتبطة بالموقف من أحداث فبراير، حيث كانت تاورغاء من المناطق التي دعمت النظام السابق، بينما كانت مصراتة من أبرز الداعمين للثوار في ذلك الوقت”. ومع ذلك، أكد خميس أن هذا القرار ليس له أبعاد سياسية حقيقية بقدر ما هو أبعاد مادية، تتعلق بالمصلحة والنفوذ داخل مدينة مصراتة.
وأضاف المجتمع في مصراتة وتاورغاء لا يعاني من أي إشكال اجتماعي أو قبلي بعد المصالحة، وما حدث في فبراير كان نتيجة لقيادات غير حكيمة ساهمت في تأجيج الصراعات.
فرص التسوية ومستقبل القرار
وفيما يتعلق بإمكانية حدوث تسوية لهذا الملف، أكد ميلاد خميس أن التسوية لن تكون ممكنة إذا سلّم أهالي تاورغاء بالأمر الواقع.
وأضاف إذا تمسك الأهالي بالرفض لهذا القرار وأبدوا اعتراضهم بوسائل سلمية، سيكون هناك ضغط كبير على الحكومة، مما قد يدفعها للتراجع عن القرار أو تقديم ضمانات حول حقوق سكان تاورغاء وزمزم في الحصول على خدمات أساسية تساوي تلك التي تحصل عليها المدن الأخرى.
وأوضح خميس الحكومة قد تتجاهل مطالب أهالي تاورغاء بسبب وجود قلة مؤيدة لقرار الدمج، ولكن في حال استمر رفض الأهالي، سيكون من الممكن الضغط على الحكومة لتقديم بدائل تحقق العدالة وتوازن المصالح.
ورغم ذلك، أشار خميس إلى أن الحكومة قد تجد صعوبة في التراجع عن القرار بسبب حساسية الموقف، وأكد أن هناك ضغطاً على المجتمع داخل تاورغاء للانصياع لهذا القرار.
هل هو قرار إداري أم نظرة إلى الخلف؟
مدينة تاورغاء، الواقعة في غرب ليبيا، عانت لسنواتٍ من النزاع المسلح الذي اندلع في عام 2011، حيث كانت من أبرز المدن التي شهدت توترات بسبب ولاء بعض سكانها للنظام السابق. وتسببت هذه التوترات في تهجير سكانها إلى مناطق أخرى، بما في ذلك مدينة مصراتة.
ورغم محاولات الحكومة الليبية في السنوات الأخيرة إعادة سكانها إلى ديارهم و نجحت في ذلك، لكن ظل الوضع السياسي والاجتماعي في المدينة غير مستقر.
أما بالنسبة لمدينة زمزم، فهي واحدة من المناطق التي استقبلت العديد من العائلات النازحة من مختلف المدن، بما في ذلك تاورغاء.
ومع عودة الأهالي إلى مدنهم في السنوات الأخيرة، كانت تسود حالة من التوتر الاجتماعي نتيجة للأحداث التي مرّت بها ليبيا في السنوات الماضية.
ومع ذلك، بدأت العلاقات بين سكان مصراتة وسكان تاورغاء تتحسن تدريجيًا بعد المصالحة التي جرت بين الطرفين.
إن قرار دمج تاورغاء وزمزم ضمن بلدية مصراتة يحمل في طياته تحديات سياسية، اجتماعية وقانونية معقدة.
وبينما تسعى حكومة الوحدة الوطنية إلى تحقيق وحدة إدارية تسهم في تحسين تقديم الخدمات، يبقى الأثر الاجتماعي لهذا القرار هاجساً كبيراً بالنسبة لسكان المدينتين.
في ظل تزايد الرفض الشعبي في تاورغاء وزمزم، يبقى مصير هذا القرار رهناً بتفاعل الحكومة مع مطالب الأهالي وإيجاد حلول توازن بين التوسع الإداري وضمان حقوق هذه المدن في الحصول على خدمات محلية تلبي احتياجاتها الأساسية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس