ليبيا: الاحتلال الأجنبي والعجز الداخلي في تصريحات الكوني

2
ليبيا: الاحتلال الأجنبي والعجز الداخلي في تصريحات الكوني
ليبيا: الاحتلال الأجنبي والعجز الداخلي في تصريحات الكوني

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. منذ 2011، حين أسقط الليبيون النظام السابق على أمل بناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة، لم تعرف ليبيا طريق الاستقرار. بل تحولت إلى ساحة مفتوحة للصراعات الدولية والإقليمية، وأضحت مرتعًا للقوى الأجنبية التي تقاسمت النفوذ تحت شعارات متضاربة، بينما ظلت النخب المحلية تتصارع على سلطة وهمية. ومع غياب المشروع الوطني الجامع، وظهور مراكز قوى مسلحة موازية، وتعدد الحكومات، أصبح الوطن غنيمة تتقاسمها الأجندات الخارجية والمصالح الذاتية.

في هذا السياق، جاءت تصريحات موسى الكوني، نائب رئيس المجلس الرئاسي، في مؤتمر دولي بالعاصمة الأميركية واشنطن، لتدق ناقوس الخطر، وتثير جدلًا سياسيًا واسعًا، خصوصًا وأنها لم تصدر عن معارض أو محلل، بل عن مسؤول رفيع في أحد أعلى الأجسام التنفيذية بالدولة الليبية.

رغم أن موسى الكوني يشغل موقع نائب رئيس المجلس الرئاسي، وهو من المفترض أن يكون أحد رموز السلطة، إلا أن تصريحاته تعكس حالة من العجز السياسي والمؤسسي داخل جسم الحكم، وتضع علامات استفهام حول جدوى استمرار مجلس رئاسي “شكلي”، على حد وصفه، في ظل غياب أي قدرة فعلية على ممارسة السيادة.

نص تصريحات موسى الكوني

قال الكوني في كلمته أمام المؤتمر إن ليبيا في الوقت الراهن «دولة محتلة بمعنى الكلمة»، مشيراً في هذا السياق إلى منع طائرته لدى عودته من الطيران فوق قاعدة براك الجوية، التي تسيطر عليها قوات روسية

وأضاف الكوني أن «القوات المحتلة الروسية تمنع رئيس الدولة الليبية من الطيران فوق أحد مطارات ليبيا، وليس لدينا سيادة على أراضينا، ولا نستطيع إصدار أوامر لهم»، موضحاً أن «هناك قواعد عسكرية عديدة في ليبيا، منها الخادم والجفرة وبراك والقرضابية، وتمنهنت والسارة، وفيها قوات روسية لا أحد يعلم ما الذي تقوم به أو ماذا تفعل… كما أن هناك قوات تركية في قاعدتي الخمس والوطية في الغرب الليبي».

وخلص الكوني إلى أن سلطة المجلس الرئاسي «شكلية فقط»، وأن القوى العسكرية «هي من تحكم في الواقع»، مدللاً على ذلك بأن صدام، نجل المشير خليفة حفتر، يحكم في العاصمة طرابلس أكثر مما يحكم عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة المؤقتة، على حد تعبيره.

عدنان النجار، ناشط سياسي ليبي

وفي تصريح خاص لـ”أفريقيا برس” من الناشط السياسي عدنان النجار حيث أقر بواقع الاحتلال والهيمنة، لكنه انتقد بشدة أسلوب الطرح الذي يرى أنه يكرّس حالة الإحباط والعجز بدلًا من الدفع باتجاه الفعل المؤسسي. النجار لم يكتف بتوصيف المشهد، بل حمّل المسؤولين مسؤولية عدم ترجمة تصريحاتهم إلى مبادرات فاعلة.

وأوضح بأن تصريحات موسى الكوني حول “الاحتلال” الروسي والتركي للأراضي الليبية تحمل بلا شك توصيفاً جريئاً للواقع، خاصة استخدام مصطلح “الاحتلال”. في حين أن وجود قوات أجنبية وتأثيرها على المشهد الليبي أمر لا يمكن إنكاره، فإن استخدام مصطلح “الاحتلال” يحمل دلالات قانونية وسياسية قوية، ولا يخفي أبعاداً سياسية تتعلق بالصراع الداخلي على السلطة، مع وجوب التذكير بأن الوجود التركي، أو ما يُسمى بالاحتلال التركي، جاء لردع العدوان والاحتلال والتمدد الروسي داخل الأراضي الليبية. وأضم صوتي إلى كل الأصوات الوطنية الحرة المطالبة بإنهاء كافة مظاهر الاحتلال الأجنبي على اختلاف جنسياتها وتموقعها.

وأضاف النجار بأن تصريحات الكوني حول هشاشة سلطة المجلس الرئاسي، وإن كانت تعكس جانباً من الحقيقة، إلا أنها تُساهم في تعزيز مناخ الإحباط وانعدام الثقة السائد في المؤسسات الرسمية. ورغم أن البعض قد يراها تعبيراً عن شفافية وواقعية، إلا أنها في الحقيقة اعتراف ضمني بالعجز، وهو ما يُعمق الشعور بانعدام الأمن السياسي. وكان لزاماً على الكوني أن يُصاحب هذه التصريحات بخطوات عملية نحو تعزيز سلطة الدولة ومؤسساتها، لأنه بهذا الأسلوب الاستعراضي أصبح مُجرد عامل يزيد من الانقسام السياسي ويُضعف دعوات الإصلاح ويُزعزع تماماً إجراءات بناء الثقة.

وشدد أن في ظل وجود قواعد عسكرية أجنبية وتضارب الولاءات، فإن دور المؤسسات السيادية والتشريعية في ليبيا يبقى محدوداً ومقيداً، وفعلياً السيادة الوطنية تتآكل يوماً بعد يوم بسبب التدخلات الخارجية. أما بخصوص الآليات الحقيقية للمساءلة والمطالبة بالسيادة الوطنية فهي تتطلب في المقام الأول إرادة سياسية موحدة من الليبيين أنفسهم، ورفضاً قاطعاً للتدخلات والإملاءات الخارجية. كما يتطلب الأمر بناء مؤسسات قوية وفاعلة، قادرة على فرض سيادة القانون وحماية المصالح الوطنية.

ونوّه بأن تزامن تصريحات الكوني مع مؤتمر واشنطن يُشير إلى محاولة لجذب الدعم الدولي للضغط على الأطراف الداخلية. ومن الواضح أن الكوني يُحاول استغلال هذه المنصة الدولية لتحقيق مكاسب سياسية أو لتعزيز موقفه في المشهد الليبي.

هذا التوجه يعكس بوضوح الاعتماد على الخارج في حل الأزمة الليبية، بدلًا من البحث عن حلول داخلية توافقية. وهذا أمر خطير يُضعف من السيادة الوطنية ويُرسخ صورة سلبية عن الفاعلين السياسيين الليبيين.

صلاح البكوش: تصريحات الكوني تعكس تناقضات نخبوية

من جهة أخرى، جاء موقف المستشار السياسي السابق بمجلس الدولة صلاح البكوش ليكشف الغضب العارم من داخل الطبقة السياسية تجاه تصريحات الكوني، حيث رأى فيها نوعًا من التناقض والنفاق السياسي، متسائلًا كيف لمسؤول رفيع أن يتحدث عن الاحتلال وهو جزء من منظومة الحكم ويتقاضى رواتبها ويتمتع بامتيازاتها؟ كما أشار البكوش إلى فشل الأحزاب والنخب في تحريك الشارع وقيادة أي فعل سياسي حقيقي.

ولفت إن تصريحات عضو المجلس الرئاسي موسى الكوني تعكس “إفلاسه الفكري والسياسي”، مؤكدًا أن هذه التصريحات لا تعبّر عن المجلس الرئاسي ككل.

وفي المداخلة على قناة “ليبيا الأحرار”، أوضح البكوش أن الكوني “لا يعي ما يقول”، متسائلًا عن مدى انسجام موقفه من وصف ليبيا بأنها تحت الاحتلال، مع استمراره في تقاضي الامتيازات والرواتب وتمثيل الدولة رسميًا.

فشل النخب والأحزاب في قيادة الحراك

وأكد البكوش أن الشعب لا يتحرك من تلقاء نفسه بل تقوده النخب، مشيرًا إلى فشل النخب الليبية في التحرك الجاد منذ أكثر من عشر سنوات، مستشهدًا بحراك “لا للتمديد” كحالة نادرة نجحت في تحريك الشارع.

وأشار إلى وجود نحو 80 حزبًا في ليبيا، لكل منها اسم وشعار وختم وصفحة فيسبوك، ورغم ذلك لم تنظم هذه الكيانات أي مظاهرة حتى عند صدور قانون انتخابات لا يعترف بالأحزاب.

انتقاد لغياب رد الفعل بعد إلغاء الانتخابات

أشار البكوش إلى أن نحو 5 آلاف مرشح لانتخابات 24 ديسمبر 2021 حصلوا على تزكيات، ومع ذلك لم يحتج أي منهم على إلغاء الانتخابات بتنظيم مظاهرة شعبية، ما يعكس – برأيه – غياب الوعي الجماعي والتنظيم السياسي الجاد.

احتكار القوة لا يعني العنف

وأوضح أن الدولة تحتكر استخدام القوة من خلال مؤسساتها، كالجيش والشرطة، رافضًا الربط بين فكرة الدولة واستعمال العنف، ومؤكدًا أن الدولة وحدها تمتلك حق تنفيذ القانون.

في الختام السيادة لا تُسترد بالكلمات وحدها

تصريحات موسى الكوني كشفت حجم التآكل في كل مؤسسات الدولة، وعمق الاختراق الأجنبي، لكنها في الوقت ذاته سلّطت الضوء على مأزق أكبر: غياب الرؤية، وانعدام الإرادة، وتشرذم القيادة. ليبيا لا تعاني فقط من الاحتلال الخارجي أو نقص في السيادة، بل من عجز داخلي خانق، ونخب سياسية متكلسة، تفتقر إلى المبادرة والجرأة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here