ليبيا بين الجمود السياسي والتدهور الأمني في إحاطة ستيفاني

19
ليبيا بين الجمود السياسي والتدهور الأمني في إحاطة ستيفاني
ليبيا بين الجمود السياسي والتدهور الأمني في إحاطة ستيفاني

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. في آخر إحاطة لها أمام مجلس الأمن، قدمت الأمريكية ستيفاني خوري، نائبة الممثل الخاص للأمين العام للشؤون السياسية، القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، تحليلاً للتوترات العسكرية والسياسية والاقتصادية التي تهدد استقرار البلاد.

وبالرغم من الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي دائم، فإن التحركات أحادية الجانب من القوات المسلحة في الشرق والحكومة في الغرب تزيد من تعقيد المشهد السياسي والأمني في ليبيا.

التوترات العسكرية خطر يهدد العملية السياسية

تشير خوري إلى أن التوترات المتزايدة بين القوات المسلحة في الشرق والغرب تخلق بيئة غير مستقرة.

وتأتي هذه التحذيرات في وقت تتزايد فيه المخاوف من احتمال حدوث صدامات عسكرية كبرى تؤدي إلى تفاقم الأزمة الليبية.

ويُخشى أن تؤدي هذه التوترات إلى إجهاض الجهود المبذولة لاستئناف العملية السياسية في البلاد، مما يترك ليبيا في حالة من الجمود السياسي لفترة أطول.

ويرى المحلل السياسي محمود إسماعيل في حديثه مع “أفريقيا برس”، إن التحركات العسكرية التي انتهجتها قوات حفتر مؤخرا هي التي سببت توترا بالفعل، وتواجد قوات فاغنر هي أيضا مثيرة للقلق ومحاولة إعادة تشكيلها وتحويلها إلى فيلق روسي وهذا أمر خطير ومقلق ويؤثر على العملية السياسية والأمنية.

من جهة أخرى يرى مراقبون أن تواجد قوات أجنبية في البلاد ومرتزقة في شرق البلاد وغربها وإعطائهم الصفة القانونية والدفع لهم من أموال الدولة، هي جريمة لاتغتفر، وإن هذه الجرائم يقوم بها النافذون والمتربعون على عروش السلطة من أجل استمرار مصالحهم الشخصية.

كما يشير العديد من الأطراف والمراقبين السياسيين إلى أن الاستقواء بالأجنبي وبالقوات الأجنبية قد أجهض الإرادة الوطنية وأنتج حالة من الاتكالية السياسية لدى الجميع.

والتي تمثلت في انتظار حل للنزاع الليبي ينسج خيوطه المجتمع الدولي ويقدمه عن طريق الأمم المتحدة.

عواقب الجريمة المنظمة والتطرف

في إحاطتها أمام مجلس الأمن، أشارت ستيفاني خوري إلى أن التنظيمات المتطرفة والجريمة المنظمة تستغل حالة الفوضى وعدم الاستقرار في ليبيا لتعزيز وجودها.

وأوضحت أن هذه الجماعات تستفيد من غياب السلطة المركزية وانعدام القانون في مناطق عديدة من البلاد، مما يسمح لها بتوسيع نطاق نشاطها، سواء من خلال الاتجار بالبشر أو تهريب الأسلحة والمخدرات.

تحدثت خوري عن خطورة هذه الظواهر على ليبيا ودول الجوار، مشيرة إلى أن انتشار التنظيمات المتطرفة والجريمة المنظمة يزيد من تعقيد الوضع الأمني ويخلق بيئة خصبة لتنامي العنف والصراعات المسلحة.

كما حذرت من أن هذه الأنشطة غير القانونية يمكن أن تؤدي إلى تهديد استقرار المنطقة بأسرها، مما يجعل مكافحة هذه الظواهر جزءًا أساسيًا من أي جهود لتحقيق الاستقرار في البلاد.

وفي هذا الصدد علق المحلل السياسي محمود إسماعيل على أن ليبيا أكتوت بنار هذه الجماعات المتطرفة حيث قاتل الليبيون تنظيم داعش في سرت في 2016 وتمكنوا من إنهائه، ودفع الليبيون مقابل هذا دماءهم وفلذات أكبادهم وساعد هذا أن ليبيا ليست بيئة حاضنة للإرهاب وهذا الفكر دخيل على المجتمع الليبي.

وما ساعد تلك الجماعات الإرهابية هو غياب الدولة والفوضى السياسية في البلاد.

وحل الأزمة الليبية وإنهاء الصراع والتأسيس لدولة ذات سيادة وقانون يسهم في حماية البلد والإقليم من هكذا اختراقات أمنية.

الأمريكية ستيفاني خوري، نائبة الممثل الخاص للأمين العام للشؤون السياسية، القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا،

المصالحة الوطنية

أكدت خوري في إحاطتها أن المصالحة الوطنية يجب أن تكون على رأس الأولويات لإعادة الاستقرار إلى ليبيا.

ولكن يشير المحلل السياسي محمود إسماعيل، إلى أن المصالحة الوطنية في ليبيا مصطلح فضفاض.

ويرى أن الليبيين أثبتوا عدم وجود إشكاليات فيما بينهم، كما حدث في استجابتهم لفيضان درنة، إلا أن المشكلة الرئيسية تكمن بين الأجسام السياسية المتصارعة، التي تستمر في التمسك بالسلطة رغم فشلها في تلبية احتياجات الشعب.

والمجتمع الدولي هو من أسهم في بقاء وإعادة تدوير هذه الأجسام. ومازال الليبيون يدفعون ثمن ذلك على كل الأصعدة وهنا نقول تشكيل اللجان بما يسمى بلجان وهيئات المصالحة وتويلدها هي إهدار للمال والوقت، وإن العمل الحقيقي هو إجبار الأطراف المتصارعة على الجلوس لطاولة الحوار والخروج بحل سياسي ديموقراطي يقول فيه الشعب كلمته.

لجنة 5+5 وتوحيد المؤسسة العسكرية

فيما يتعلق بالاجتماعات الأخيرة للجنة 5+5، التي تركز على توحيد المؤسسة العسكرية، أشارت خوري إلى التحديات الكبيرة التي تواجه اللجنة في هذا الصدد.

ورغم حضور سفراء دول كبرى مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا، إلا أن التقدم في هذا الملف لا يزال محدودًا.

يعتقد إسماعيل أن التحديات الرئيسية تكمن في ضعف الثقة بين الأطراف المتصارعة وعدم وجود رؤية واضحة لكيفية توحيد المؤسسة العسكرية، التي تعتبر حاسمة لاستقرار ليبيا على المدى الطويل.

وأخوف مايخاف منه بعض الأطراف هو تسليم هذا الملف لطرف وتغليبه على الآخر بحكم الأمر الواقع وتقاطع المصالح

الملف الأمني: معركة ليست كأي معركة

يشير إسماعيل إلى أن الملف الأمني والمؤسسة العسكرية ليسا مجرد ملفات يمكن فك شفرتها بسهولة، على عكس ملف المصرف المركزي الذي تم حله بسرعة نسبية، نظرًا لتداخل المصالح الاقتصادية. ويعتقد أن الملفات الأمنية تتطلب توافقًا أوسع وتعاونًا دوليًا أكبر.

كما يرى العديد من المراقبيين أن الأمم المتحدة سريعة في حلولها فيما يتعلق بالجوانب المالية وأزمات الحقول النفطية وبطيئة جدا في الحلول السياسية على أسس دستورية وقانونية.

القيود المستمرة على الفضاء المدني

وفيما يتعلق بحقوق الإنسان واحترام سيادة القانون، فإن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وفي إحاطة ستيفاني ذكرت أنها تعمل مع كافة الأطراف المعنية في عموم ليبيا، ومع الجهات الحكومية والمجتمع المدني، لتقديم المساعدة الفنية لتعزيز القدرات الوطنية من أجل احترام وتعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون، فإن التحديات جمة.

ولا تزال التقارير تشير إلى استمرار القيود المفروضة على الفضاء المدني، واستمرار الاعتقالات التعسفية، بما في ذلك اعتقال النساء والأطفال، والاختطاف، والاختفاء القسري، والتعذيب، والوفيات أثناء الاحتجاز.

وفي هذا الجانب وبالفعل ازدادت مخاوف الليبيين من التضييق على الحريات والتعبيير عن الرأي، وازداد حجم التضييق على النشطاء والحقوقيين وحتى أصحاب الرأي السياسي في كافة أنحاء البلاد وهذا ما أكده لنا العديد من الحقوقيين والنشطاء في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة ومنهم رفض الحديث خوفا من أي عواقب، مما يدل دلالة واضحة على حجم هذه الانتهاكات، وأصبحت في العلن تحركها أطراف معروفة وجهات تلبس رداء الدولة في كل أنحاء البلاد.

وفي الخلاصة، تظل الأزمة الليبية معقدة، تتشابك فيها العوامل المحلية والإقليمية والدولية. ومع استمرار التوترات بين القوات المسلحة في الشرق والغرب، والجماعات المسلحة الخارجة عن القانون، يبقى تحقيق الاستقرار بعيد المنال، إلا إذا تم التوصل إلى حل سياسي يضع مصلحة الشعب الليبي فوق كل الاعتبارات.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here