ليبيا، لماذا تأخرت دولة الحريّات المنشودة؟

20

بعد مرور ثماني سنين على سقوط نظام حكم العقيد الراحل معمر القذافي، لا تزال ليبيا تعيش مآسي وأزمات متتالية، أبرزها تأثيرات ومضاعفات الانقسام السياسي الذي أفرز معارك وحروباً وصلت إلى حد محاولة محاصرة العاصمة طرابلس، واقتحامها عسكرياً من قبل اللواء المتقاعد خليفة حفتر، تلتها تغيرات في المواقف وصلت لحد التناقض.

فبعد أشهر من انقلاب حفتر الواضح على مسارات الحل السياسي، وسط صمت مريب من المجتمع الدولي، عاد الأخير للحديث مجدداً عن الحل السياسي كـ”حل وحيد للأزمة في ليبيا”، لكن أساس المشكلة يبدو أنه لا يزال بعيداً عن تشخيص المجتمع الدولي لحقيقة الأزمة، بحسب المحلل السياسي الليبي مروان ذويب.

الخطاب الذي وجهه رئيس مجلس النواب المنعقد بطبرق، عقيلة صالح، للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، وصادف الإعلان عنه اليوم الذكرى الثامنة لإعلان تحرير ليبيا، والذي طالبه فيه بإعادة النظر في “شرعية حكومة الوفاق”، يكشف حجم الأزمة ويكشف أيضاً أساسها، بحسب ذويب.

وطالب صالح، غوتيريس، بإعادة النظر في استمرار المجلس الرئاسي برئاسة فائز السراج، معتبراً أنه “جسم غير شرعي حتى الآن”، بسبب “انتهاء المدة المقررة له في الاتفاق السياسي والإعلان الدستوري المقر في ديسمبر 2015”.

ولفت صالح إلى أن رئيس المجلس الرئاسي “فائز السراج يصدر قرارات ويتخذ إجراءات منفردًا مخالفًا للاتفاق السياسي الذي نص على أن قرارات المجلس الرئاسي بالإجماع”، مشيراً إلى أن “المجلس كان يضم تسعة أعضاء استقال منهم أربعة أعضاء، كما حكمت المحاكم الليبية القضائية ببطلان قرارات وإجراءات المجلس الرئاسي، لأنه غير دستوري وقانوني”.

بل دعا صالح “مجلس الأمن لإعادة النظر في استمرار رئاسة فائز السراج لحكومة الوفاق الوطني غير الشرعية، بعد انتهاء المدة المقررة في الاتفاق السياسي، والفشل في إدارة البلاد بتفرده بالسلطة”.

ويقول ذويب، إن “ما تعانيه ليبيا حالياً هو فوضى الشرعيات في البلاد، فالأدلة التي ساقها صالح تنطبق تماماً على مجلس النواب”، موضحاً أن” مدة ولايته بحسب الإعلان الدستوري انتهت بنهاية عام 2015 نفسه، لكنه استمر في عمله على رأس السلطة التشريعية بموجب الاتفاق السياسي”.

وتساءل المحلل السياسي الليبي “كيف لصالح أن يحتج بالاتفاق السياسي الذي لم يعترف به أصلاً حتى الآن”، مضيفاً “إذا كانت حجة صالح استقالات أعضاء المجلس الرئاسي، فماذا عن قرارات صالح منفرداً عن أعضاء مجلس النواب المنقسم على نفسه والعاجز منذ ثلاث سنين عن عقد جلسة مكتملة النصاب”؟ متسائلاً أيضاً عن “قانونية قرار صالح الذي شرعن فيه هجوم حفتر على العاصمة بقوة السلاح”.

ويتفق مع ذلك أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الليبية خليفة الحداد، إذ يرى أن كل الأجسام السياسية في ليبيا فقدت شرعيتها، وتحافظ على مواقعها مستندة إلى شرعية الاتفاق السياسي ضمن مواقع الصراع بينها، لكنه اعتبر من جانب آخر أن “خطاب صالح في توقيته الحالي على علاقة بمساعي مجلس النواب عقد جلسة في إحدى المدن الليبية قريباً لتشكيل حكومة وحدة وطنية”، وقال “الخطاب محاولة لإيجاد شرعية لتلك الحكومة الجديدة”.

ويقر الحداد بأن “أزمة ليبيا داخلية، فما يحدث في الكواليس والذي تبرزه تصريحات الأطراف ضد بعضها هو محاولة تزوير لتاريخ الصلاحية”، متسائلاً “كيف يمكن للعالم أن يساعد أطرافاً تصر على البقاء في مقاعدها والتحكم في المشهد وتزج بأبنائها في أتون الحروب المتلاحقة”، مشيراً إلى تلاحق ثمانية مبعوثين أمميين في ليبيا دون أن يتمكنوا من صياغة حل، والسبب برأيه “تمسك الأطراف ذاتها والوجوه نفسها بكراسيها ومناصبها”.

وفي ما يتفق المتحدثان المذكوران على أن فشل ليبيا في الانتقال من الثورة إلى الدولة سببه الإرث السياسي الشمولي الذي خلفه نظام القذافي، الذي كرس غياب المؤسسات وتنفّذ العامل القبلي وغياب الأحزاب السياسية، ما ساعد بشكل واضح في نجاح حفتر بإقناع حلفائه المحليين بجدوى مشروعه العسكري الاستبدادي، لكن ذويب يشير إلى أن ثقافة الانفراد والإقصاء تسيطر أيضاً على الأطراف الليبية الأخرى، وتوجّه أهدافها، والنتيجة هي إفساح المجال للأطراف الخارجية للتنفذ والتأثير في الملف الليبي.

ويشير ذويب الى أن تعدد الشرعيات وإصرار الجالسين على كراسيهم على البقاء هو من صنع التدخلات الخارجية، والتي انتهت إلى التحكم في المشهد بشكل عام من خلال مبادرات رعتها جهاراً نهاراً عدة عواصم في فرنسا وإيطاليا والإمارات، ما جعل المبعوث الأممي السابق مارتن كوبلر يصف الوضع بقوله “تعدد الطهاة يفسد الطبخة”.

لكن الحداد يعتبر أن المشهد يسير في اتجاه التشظي، فـ”المبعوث الأممي الحالي غسان سلامة كان أكثر صراحة عندما وصف الصراع في ليبيا بالحرب بالوكالة”، مستشهداً بتصريحات سلامة لصحيفة “لوموند” الفرنسية، في أغسطس/آب الماضي، عندما قال “هناك عشرات الدول التي تدعم أحد الفصائل المسلحة، فلا يوجد معسكران متعارضان كما يعتقد الكثيرون”.

ويلفت الحداد، من جانبه، إلى “وجود أطياف محلية بدأت في الخروج من حالة الصمت ضمنياً برفضها دعم حفتر بالمزيد من المقاتلين من أبنائها، ما اضطره للاستعانة بالمرتزقة”، وقال “هناك وعي محلي متزايد حتى لدى المحليين الداعمين لحفتر بسبب خطورة زيادة الوجود الأجنبي العسكري داخل صفوف قواته”، مشيراً إلى تأكيد البعثة الأممية أكثر من مرة بأن “الحل لدى الليبيين وبإدارة الشعب”.

وأكد أستاذ العلوم السياسية أن لا حل يمكن أن يُنتظر من لقاء برلين، وقال “سيكون كغيره من اللقاءات السابقة، وإذا أدرك المجتمع الدولي حقيقة الوضع ووصل إلى قناعة بأن قادة الأطراف الحاليين هم سبب أزمة البلاد، فبالإمكان أن يساعد ذلك في الوصول إلى حل عبر مؤسسات سياسية جديدة بعيداً عن تلك التي فقدت شرعيتها وتحاول تزوير تاريخ صلاحيتها للبقاء”.​

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here