ماذا بعد إدانة حفتر كمجرم حرب أمام المحاكم الأمريكية؟

33
ماذا بعد إدانة حفتر كمجرم حرب أمام المحاكم الأمريكية؟

أفريقيا برس – ليبيا. للمرة الأولى وبعد سنوات من التداول والجلسات الغيابية، قابلتها سنوات أخرى من التجاوزات والانتهاكات، تحكم المحاكم الأمريكية بشكل نهائي على المشير خليفة حفتر، لتمنحه لقب مجرم حرب بشكل رسمي، وتلزمه بتعويضات مالية لأسر وأهالي ضحايا جرائمه.

حيث أقرت محكمة فرجينيا في جلسة لها الجمعة بمسؤولية المشير خليفة حفتر في القضية المدنية التي رفعها المدعون عليه والتي تتعلق بجرائم ارتكبت في حق عائلاتهم في حي قنفودة ببنغازي خلال الفترة من 2016 إلى 2017.

وأعلن التحالف الليبي الأمريكي ولأول مرة تحصله على حكم من المحكمة الفدرالية الأمريكية الواقعة في فرجينيا بإدانة خليفة حفتر في كافة القضايا المرفوعة ضده بارتكاب جرائم حرب في ليبيا.

وقال التحالف إن المحكمة الفدرالية في فرجينيا رفضت طلب محامي خليفة حفتر بتجميد القضية المرفوعة ضده وأدانته كمجرم حرب، الأمر الذي اعتبره المتتبعون إدانة كبيرة ستمنع حفتر من خوض أي سباق انتخابي .

وتابع التحالف أن المحكمة الفدرالية في فرجينيا ألزمت حفتر بالتعويضات المترتبة على القضية وأعلنت رسميا عن كونه مجرم حرب، مضيفا أن الدعوة رفعت كدعوى مدنية وأنه قد تم قبولها على هذا الأساس.

وقالت مصادر قضائية، بأن القاضية ستشكل فريقا من المحلفين لتقدير حجم الضرر الناجم عن الجرائم المشار إليها في القضية ومن ثم تقدير قيمة التعويضات لأهالي المتضررين.

وقام أهالي المتضررين برفع الدعوى عقب قيام حفتر بحصار حي قنفودة ببنغازي لأشهر بينما كانت قواته تدعي شنها حملة عسكرية ضد الإرهاب في المدينة، حيث سجلت في الحي مجازر وانتهاكات كبيرة ضد حقوق الإنسان. وطالبت الدعوى المرفوعة في شرق فرجينيا بتعويضات من حفتر، الذي يحمل أيضا الجنسية الأمريكية وسبق وعاش في فرجينيا، وله عدد من الأملاك هناك .

وأكد القاضي الفدرالي في ولاية فرجينيا حيث كان حفتر يقيم قبل عودته إلى ليبيا، إنه لم يتعاون مع القضاء، وبالتالي يمكن أن يحكم عليه “غيابيا” بدفع تعويضات للعائلات صاحبة الدعوى.

ورغم كون القضية قد رفعت على أساس أنها قضية مدنية إلا أن التبعات السياسية والقانونية لها ستكون أكبر بكثير من التعويضات المالية التي سيدفعها خليفة حفتر للمتضررين، حيث أن لقب مجرم الحرب الذي أطلق عليه من محكمة فدرالية أمريكية كفيل بحرمانه من الدخول في أي سباق انتخابي.

كما أن إصدار المحكمة لهذا القرار يثبت ما يحاول حفتر اخفاءه كونه مواطنا أمريكيا ويحمل الجنسية بعد سنوات عاشها في فرجينيا، خاصة مع وجود شرط واضح وصريح يحرم مزدوجي الجنسية من المشاركة في الانتخابات.

الإشارة الأهم هي كون أمريكا قد تخلت عن حفتر منذ زمن، منذ قبولها للدعوى القضائية وحتى إصدارها للحكم ضده، رغم كونه أمريكيا قد يحمل ولاء لها إلا ان سجله الإجرامي كان كفيلا لان تبعد الدول الكبرى أياديها عنه.

رئيس مؤسسة الديمقراطية وحقوق الإنسان عماد الدين المنتصر قال في منشور له إن محامي خليفة حفتر قد استمر في المطالبة والاستنجاد بالإدارة الأمريكية حتى آخر لحظة لعلهم يوافقون على تمتعه بالحصانة، متحججا بأن القضية ستضر الأمن القومي الأمريكي. وتابع المنتصر أنه وحسب تصريح المحامي في المحكمة لم يكن هناك أي رد على مطالباته .

وفي 22 من تموز/يوليو قدم محامي خليفة حفتر أمام المحاكم الأمريكية عريضة للمحكمة الفدرالية لشرق فرجينيا للمطالبة بتجميد المحاكمة القائمة ضده بتهم ارتكابه جرائم حرب؛ في إطار التقدم الملحوظ في التحضير للانتخابات موضحا أن الغرض من هذا الطلب هو منع استخدام القضية كأداة لاعاقة حفتر من الترشح للرئاسة .

وفي نيسان/ابريل الماضي أخطرت محكمة فرجينيا، خليفة حفتر بضرورة مثوله في جلسات الاستماع التي تنطلق في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، للتحقيق في دعاوي مرفوعة ضده تتهمه بارتكاب جرائم قتل.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي تم تعليق القضية مؤقتا بعد أن قضت القاضية الفدرالية ليوني برينكيما بأن القضية “متداخلة بشكل وثيق” مع الانتخابات، التي كان يفترض أن تجرى في الرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر الماضي في ليبيا.

ورحبت جمعية أسر شهداء بركان الغضب بحكم محكمة فرجينيا بإدانة خليفة حفتر في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وهنّأت أهالي الضحايا بهذا الحكم العادل وبما وصفته بـ “الانتصار التاريخي” في قضيتهم التي تمس كل إنسان؛ مثنية على جهود أعضاء التحالف الليبي-الأمريكي التي عجزت عنها مؤسسات ليبية مكلفة بحكم القانون، حسب قولها.

وأبدت استغرابها من موقف القضاء الليبي الذي “وقف متفرجاً” أمام أبشع جرائم العصر التي ارتكبت على الأراضي الليبية وفي حق أبناء الشعب الليبي؛ بينما أدانها القضاء الأمريكي عن بعد آلاف الأميال ولمجرد توافر عنصر الجنسية، حسب وصفها.

وناشدت الجمعية أعضاء القضاء الليبي أن يسموا فوق أي اعتبار سياسي أو عسكري أو اجتماعي، وأن يترفعوا عن أي مبرر حال بينهم وبين الإنصاف، وأن يحتكموا إلى ضمائرهم قبل أن يحاكمهم التاريخ والإنسانية، حسب قولها.

وقال المدير التنفيذي للتحالف الليبي الأمريكي مصدق حبرارة إن الحكم الصادر ضد حفتر، “نهائي وبات” وإنه جرى إدانته في كل القضايا المرفوعة ضده من قبل عائلات الضحايا، مشددا على أن الحكم بمثابة “رسالة إلى كل المجرمين في ليبيا أن القضاء يأخذ وقتا لكن الحق ينتصر أخيرا”.

وأوضح أن هناك “طرفا آخر” يعمل على فتح تحقيقات جديدة مع حفتر، من قبل مع مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي، بخصوص الجرائم التي ارتكبها، معتقدا أن هذا التحقيق سيسبب مشكلة حقيقية لحفتر فيما يتعلق بمستقبله السياسي مستبعدا أن يقدم القضاء الليبي على خطوة مماثلة، يدين من خلالها حفتر بجرائم حرب.

وقال حبرارة أن القضية تتعلق بعائلات كانت تقطن في حي قتفودة ببنغازي وأخرى تضررت من عدوان حفتر على العاصمة طرابلس موضحا أنهم اعتمدوا في دفاعهم على القوانين الأمريكية المتعلقة بالحماية ضد التعذيب.

ورفعت سبع عائلات ليبية قضايا ضد حفتر في محكمة بفرجينيا الأمريكية، تتهمه فيها بارتكاب التعذيب وجرائم حرب خلال الفترة من 2016 إلى 2017 وفقا لحبرارة.

التداعيات السياسية والقانونية للحكم

ويتوقع مراقبون أن يهز الحكم صورة حفتر التي حاول ويحاول حلفاؤه تصديرها للعالم، على أنه محارب للإرهاب، وأن حروبه التي قادها في بنغازي ضد خصومه كانت كذلك، خصوصاً أن القضايا المرفوعة ضده تتعلق بوقائع حدثت في عامي 2016 و2017 في حي قنفودة ببنغازي، قُتل خلالها العشرات جراء حصار مليشياته الحي عدة أشهر، وقصفها بالبراميل المتفجرة والمدفعية.

لكن الباحث في الشأن السياسي والدستوري محمد محفوظ استبعد أن يصل صدى الحكم إلى الانتخابات الليبية، وقال: “الانتخابات تعتمد على التشريعات الانتخابية المحلية التي ستحدّد رفض ترشح أصحاب القضايا أو السماح لهم بذلك، ولا أعتقد أن هذا الأمر سيكون له تأثير من الناحية القانونية على ترشح حفتر، وفي الواقع، هناك موانع أخرى في وجه حفتر، منها امتلاكه جنسية دولة أخرى، إضافة لكونه عسكرياً”.

وتابع: “هناك أحكام ومذكرات جلب حتى من محكمة الجنايات الدولية، وهي أعلى من المحاكم الفدرالية الأميركية، وكان ذلك بحق سياسيين ورؤساء دول، مثل ما حدث سابقاً مع الرئيس السوداني السابق عمر البشير، الذي واصل عمله رئيساً للدولة إلى أن أزاله الشعب السوداني، ولذلك، هذه الأحكام لن يكون لها تأثير ما دام حفتر في موطنه، لكنها ستقيد من حركاته ومن مواقفه السياسية والدول التي تدعمه بين الحين والآخر”.

ويتوقع محفوظ أن يتعامل حفتر مع الحكم كأنه لم يصدر، قائلاً: “لا أعتقد أننا سنسمع منه تعليقات واضحة، لأنه في اعتقادي يدرك أن الأمر لن يشكل مشكلة كبيرة بالنسبة له في قانونية الترشح، وأنا هنا أتحدث عن أن هذا الحكم له تأثيرات سياسية لدى النخبة ولدى صناع القرار في الولايات المتحدة ومدى تعاملهم مع حفتر، ولكن من الناحية القانونية، ليس هناك تأثير”.

ويسود منذ العام الماضي خلاف بين الفرقاء الليبيين حول شروط الترشح لرئاسة الدولة، حيث يصرّ المجلس الأعلى للدولة على رفض ترشح كل مطلوب على ذمة قضية، أو من صدر بحقه حكم قضائي، بينما يرفض مجلس النواب هذا الأمر، ويصرّ على إعطاء فرصة الترشح للجميع، معللاً ذلك بأن ليبيا تمرّ بمرحلة انتقالية.

وكان رئيس مجلس النواب عقيلة صالح قد صادق العام الماضي على قوانين انتخابية تسمح للمترشح بخوض السباق الانتخابي، إلا “إذا صدر بحقه حكم نهائي بات”، الأمر الذي سمح في ذلك الوقت لخليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي بالترشح، بحكم عدم صدور أحكام قضائية نهائية بحقهما.

وفي مقابل رأي محفوظ، اعتبر الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي الدوكالي الهاين أن الحكم سيهز صورة حفتر، خصوصاً أنه جاء في وقت تعيش فيه قاعدة حفتر حالة من التفتت، ليس على الصعيد المحلي فحسب، بل على الصعيدين الإقليمي والدولي أيضاً، وقال: “من المسؤول الذي يمكنه التعامل مع حفتر، الأمر سيكون محرجاً بالنسبة لأي مسؤول”، معتبراً أن المقارنة بين وضع حفتر ووضع مطلوبين دوليين لمحاكم دولية يختلف.

وأوضح الهاين، أنه “على الأقل، المطلوبون لمحاكم دولية لم تصدر بحقهم أحكام، والحكم ضد حفتر على الرغم من أنه مدني، إلا أنه يحمل إثباتاً أن حفتر مارس – آذار القتل والتعذيب ضد مدنيين، ووضع حروبه ضد الإرهاب التي يدعيها في دائرة الشكوك”. وقال “نعم، سيحاول حفتر التعامل مع الحكم كأنه لم يكن، لكن لا ننسى أن الساحة مليئة بمعارضيه وسيشجعهم الحكم على فرض الشروط المتعلقة بمنع المتحصلين على أحكام قضائية من الترشح للانتخابات”، معتبراً أن أقل تداعيات الحكم أن القوانين الانتخابية ستدخل حالة جديدة من الجدل.

وعلى الصعيد السياسي، أكد الهاين أن حفتر سيتمسك بوجوده وحقه في البقاء في المشهد السياسي، “وبالتالي، فالمشهد السياسي مقبل على حالة أشد من الانسداد السياسي، فحفتر سيستخدم كل الوسائل التي تبقيه فاعلاً في المشهد”. وعبّر الهاين عن مخاوفه من أن يلجأ حفتر إلى قرار وصفه بـ”الانتحاري”، ويترتب عليه دخول ليبيا في حالة التصعيد الدولي. وقال: “ربما يلجأ حفتر لإعلان تحالفه مع روسيا بوضوح، إذ إن الحكم الأميركي يمكن أن يشعره بتخلي الغرب عنه، وبالتالي، ستدخل البلاد في موجة من الشد والجذب الدولية، حيث ستجد موسكو فرصة في ليبيا من خلال موقف حفتر لتخفيف الأعباء عليها بفتح ساحة جديدة للصراع مع خصومها، وسيكون التحول عندها نذيراً لا يبشر بخير لمستقبل البلاد”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here