عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. تظل المبادرات المطروحة للمصالحة الوطنية في ليبيا، قضية محورية في إطار السعي لتحقيق الإستقرار السياسي والإجتماعي بعد سنوات من الصراع والإنقسامات.
ورغم التحديات العميقة التي تواجهها، تتزايد الدعوات لإيجاد حلول سياسية تضمن الإنتقال السلمي إلى مرحلة جديدة من الحكم والإنتخابات.
في هذا الصدد تتباين الآراء حول دوافع وتوجهات هذه المبادرات، ومدى قدرتها على تحقيق التوافق الوطني في ظل واقع سياسي معقد على المستويين المحلي أو الدولي.
المصالحة الوطنية والتوقيت
تتعدد العوامل التي دفعت إلى تزايد الدعوات للمصالحة الوطنية في ليبيا، إذ أن هذه الدعوات لا تنبع فقط من دوافع سياسية محلية، بل أيضًا من ضغوط دولية ومحلية وأقليمية تتقاطع لتحقيق الإستقرار.
وفي هذا الصدد تقول فوزية الشريف رئيس المجلس القومي للمرأة الليبية، لـ”أفريقيا برس”، أن دعوات المصالحة الوطنية في ليبيا تأتي نتيجة لتشابك عدة عوامل سياسية واجتماعية ودولية، التي تشمل بالأساس.
تعب المجتمع الليبي بعد سنوات من الصراع والانقسامات العميقة، أصبح السلام والاستقرار مطلبًا ملحًا. فالأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الشعب الليبي جعلت من الضروري إيجاد حلول لإعادة البناء، مما جعل المصالحة أكثر إلحاحًا.
الضغوط الدولية
لا يخفى على أحد أن المجتمع الدولي يُدرك أن استمرار النزاع في ليبيا يؤثر بشكل مباشر على الأمن الإقليمي والعالمي. لذلك، تسعى القوى الكبرى إلى دعم المصالحة لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وهذا يتجسد في مواقف دولية داعمة للعملية السياسية، بما في ذلك المبادرات التي تقودها الأمم المتحدة ودول غربية.
الانقسام المؤسساتي
أحد الأبعاد الرئيسية التي تعرقل إعادة بناء الدولة الليبية هو الانقسام المؤسساتي بين حكومة الوفاق الوطني والحكومة المؤقتة، بالإضافة إلى انقسامات أخرى بين المؤسسات السياسية. هذا الانقسام يعيق الاستثمار في الموارد الاقتصادية، ويؤثر سلبًا على القدرة على توفير الخدمات الأساسية. إن المصالحة الوطنية، كما ترى فوزية الشريف، تعد فرصة لتوحيد هذه المؤسسات وتعزيز الاقتصاد الوطني.
التحضير للانتخابات
تؤكد فوزية الشريف على أن المصالحة تشكل شرطًا أساسيًا لتحقيق استقرار العملية الانتخابية. فالمصالحة ضرورية لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وضمان قبول نتائجها من جميع الأطراف، ما يجعلها خطوة أساسية في بناء مستقبل ديمقراطي في ليبيا.
وآخر هذه العوامل التنافس الإقليمي والمتغيرات الدولية في ظل التحديات الإقليمية والمتغيرات الدولية، بدأت الأطراف الإقليمية تدرك أن استمرار النزاع في ليبيا لا يخدم مصالحها. لذا، شجعت هذه الأطراف على التوصل إلى حلول مستدامة، بما في ذلك دعم المصالحة الوطنية لتحقيق استقرار طويل الأمد.
وهذا كان واضحا في اهتمام الإتحاد الإفريقي بملف المصالحة وحواره مع كل الأطراف السياسية شرقا وغربا للخروج بمبادرة موحدة و مدعومة داخليا وأقليميا.
التباينات بين المبادرات
على الرغم من إجماع مختلف الأطراف الليبية والدولية على أهمية المصالحة الوطنية، إلا أن هناك تباينًا واضحًا في المنهجيات والأهداف التي تسعى لتحقيقها هذه المبادرات. يقول المحلل السياسي حازم الرايس لـ”أفريقيا برس”، أن الاختلافات بين الأطراف الليبية لا تتعلق بالأهداف أو المنهجية بقدر ما ترتبط بـ التجاذبات السياسية وغياب الثقة المتبادلة بين الأطراف المتنازعة. وقد أشار إلى أن التحدي الأكبر يكمن في ضعف الثقة بين كل الأطراف وغياب رؤية وطنية شاملة للمصالحة تُجمع عليها جميع الأطراف.
إضافة إلى ذلك، يرى الرايس أن غياب التوافق السياسي بين الفاعلين السياسيين في ليبيا يعوق التقدم في تنفيذ المبادرات. فبعض الأطراف، حسب قوله، تحاول استغلال الملف السياسي لتحقيق مكاسب شخصية أو حزبية، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد.
من جهتها، تقول انتصار بن عاشور رئيس حزب الميثاق الوطني لـ”أفريقيا برس”، أن هناك بالفعل تباينًا واضحًا في المبادرات المطروحة. فبعض الأطراف السياسية ترى أن المصالحة يمكن أن تكون وسيلة لكسب التأييد الشعبي، بينما ترى أطراف أخرى أن المصالحة قد تكون عقبة أمام الانتخابات، بحيث يشترطون العدالة الانتقالية قبل الشروع في الانتخابات. ومع ذلك، تعتقد بن عاشور أن إقرار المصالحة هو واجب وطني، وأنه يمكن تعديل نصوص وأهداف المصالحة لتخدم المصلحة العامة.
وفي السياق نفسه، توضح فوزية الشريف أن المبادرات الدولية والمحلية تختلف في منهجيتها وأهدافها.
منهجية المبادرات الدولية
تركز المبادرات الدولية على الوساطة بين النخب السياسية، من خلال مؤتمرات وقرارات أممية تهدف إلى استعادة الاستقرار بسرعة، مما يساهم في ضمان استقرار المؤسسات وتوحيدها.
ومن أبرز تلك المبادرات هو التركيز على مكافحة الإرهاب، توحيد المؤسسات، وضمان تدفق النفط.
منهجية المبادرات المحلية في المقابل، تركز المبادرات المحلية على الحلول المجتمعية، من خلال الحوار القبلي والمجتمعي، بهدف معالجة النزاعات الجذرية وتضميد الجراح العميقة التي خلفها الصراع. وتدور أهداف المبادرات المحلية حول العدالة الانتقالية، جبر الضرر، ودمج الفصائل المسلحة.
شمولية المبادرات
في هذا السياق، تقول فوزية الشريف إن المصالحة الوطنية في ليبيا يجب أن لا تقتصر على التفاهم بين السياسيين من هم على الساحة فقط، بل يحب أن تشمل أيضًا القبائل والمجتمع المدني وكل أصحاب التوجهات منذ 2011، بهدف التوصل إلى حل شامل ومستدام وميثاق وطني يضمن إعادة بناء الثقة بين جميع الأطراف.
وتعتقد الشريف أن الإجماع الحالي على المصالحة قد يمثل بداية مرحلة جديدة من المشهد السياسي الليبي، خاصة إذا توافرت الإرادة السياسية في تنفيذ هذه المبادرات.
مع ذلك، يبقى التنفيذ الفعلي للمصالحة مرهونًا بإرادة الأطراف السياسية وقدرتها على تقديم تنازلات من أجل المصلحة الوطنية.
أما انتصار بن عاشور، فترى أن الخلافات السياسية هي جوهر الأزمة الليبية، وأن التصالح بين الساسة وحكام الأمر الواقع يمكن أن يؤدي إلى إيجاد صيغة للتعايش السلمي، مما يعني زوال عقبة رئيسية في المشهد السياسي الليبي، بما يسهل الوصول إلى الاستقرار السياسي.
دور المرأة في المصالحة الوطنية
في ليبيا، تلعب المرأة دورًا حاسمًا في عملية المصالحة الوطنية. وفقًا لفوزية الشريف، المرأة تعد جزءًا أساسيًا من المجتمع الليبي، وهي تتحمل عبء الصراعات بشكل كبير. وبالتالي، يمكن أن تكون جسرًا للتواصل بين القبائل والمجتمعات المختلفة.
بالإضافة إلى ذلك، تشارك المرأة في العمليات السياسية وتساهم في ضمان تمثيل جميع فئات المجتمع، مما يعزز من مصداقية العملية السياسية.
كما يمكن للمرأة أن تساهم في المصالحة المجتمعية من خلال مبادراتها في جبر الضرر وتعزيز التفاهم بين الأطياف المختلفة، وهذا يساهم في بناء أسس شاملة للاستقرار في ليبيا.
تعتبر المصالحة الوطنية في ليبيا خيارًا استراتيجيًا لا غنى عنه لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي.
ورغم التباين في المبادرات المطروحة، تبقى الإرادة السياسية للأطراف الداخلية والدولية هي العامل الحاسم في نجاح هذه المبادرات. كما أن دور المجتمع المدني، القبائل، والمرأة في العملية هو عنصر أساسي في ضمان أن تكون المصالحة شاملة ومستدامة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس