“حوض غدامس” المغاربي.. كنز مائي ينتظر الاستغلال الأمثل

5
"حوض غدامس" المغاربي.. كنز مائي ينتظر الاستغلال الأمثل

أفريقيا برس – ليبيا. في 24 أبريل/ نيسان الماضي، وقّعت الجزائر وتونس وليبيا اتفاقية لإنشاء “آلية تشاور حول إدارة المياه الجوفية المشتركة بالصحراء الشمالية”، يكون مقرها الجزائر.

وجاء ذلك بعد يومين من قمة بتونس طُرح فيها الموضوع، وجمعت الرئيسين التونسي قيس سعيد والجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي.

وسبق أن طرحت الدول المغاربية الثلاث، في قمة المناخ بمصر عام 2022، فكرة التشاور بشأن الاستفادة من المياه الجوفية في الحوض المشترك.

ووفق خبراء فإنه حان وقت الاستثمار الأمثل لنحو 50 مليار متر مكعب من المياه الجوفية المشتركة في ما يُطلق عليه “حوض غدامس”.

ويشكل هذا الحوض خزانا كبيرا للماء يمتد على أكثر من مليون متر مربع، حسب تقديرات جزائرية، هي 700 ألف كيلومتر مربع في الجزائر، و260 ألفا بليبيا، و60 ألفا في بتونس.

تونس.. كلفة عالية وعشوائية

عن هذا الحوض، قال خبير المياه والمسؤول السابق بوزارة الفلاحة التونسية محمد صالح قلايد: “أولا المياه العابرة للقارات والعابرة للحدود تخضع لاتفاقيات دولية واتفاقيات بين الأطراف للاستغلال المشترك”.

وأضاف: “ثانيا من حق الجزائر وليبيا استغلال هذا الحوض الذي يمتد قليل منه في تونس، التي تستغل بالفعل المياه العميقة في الجنوب، خاصة بولاية قبلي”.

واستطرد: “هناك تجربة في ولاية تطاوين لزراعة الحبوب بالمياه العميقة، ويبدو أنها أعطت نتائج إيجابية، وستتواصل التجربة”.

و”بالنسبة إلى تونس فإن تكلفة استخراج هذه المياه مرتفعة بحكم العجز في الطاقة، ولا يمكن مقارنة الوضع بليبيا والجزائر فهما تمتلكان مصادر طاقة كبيرة، وإذا لم تعتمد تونس على الطاقات البديلة فلن تكون له مردودية”، كما أردف قلايد.

وزاد أنه “على مستوى ولاية قبلي (جنوب غربي تونس) فإن الآبار العشوائية التي تتجاوز 10 آلاف بئر عميقة غير مرخصة، تستغل المياه بصفة غير قانونية”.

وبخصوص آلية التشاور الثلاثية بخصوص المياه الجوفية المشتركة، قال قلايد: “هناك اتفاقية قديمة تعود لنحو 20 سنة بشأن تبادل المعلومات حول استغلالها (المياه) فقط، ولكن يبدو أنها غير مفعلة”.

وأكد أن “تبادل المعلومات بين الجزائر وليبيا وتونس بشأن المياه ضروري، ولكن بالآبار العشوائية لا يمكن أن تعرف ما يتم سحبه، وأتصور أن ليبيا والجزائر لا تعرفان السحوبات إلا في الأمور الرسمية”.

وبيَّن أن “الحوض خزان كبير، لكن استغلاله غير واضح، وهناك تحفظات وتستر عن المعلومات من كل دولة، وإذا أعطوا المعلومات الصحيحة، فستطالب كل دولة رسميا بحقها حتى عبر المنظمات الدولية”.

مخاطر التغيرات المناخية

وعن الحاجة إلى هذه المياه جراء التغيرات المناخية والجفاف مع تراجع الأمطار بالدول المغاربية منذ سنوات، قال قلايد: “عند وجود الأمطار والمياه السطحية لا توجد حاجة كبيرة للمياه الجوفية، ولكن الآن هناك انحسار مائي كبير في تونس واهتمام كبير وربما نلجأ للمياه الجوفية في قادم السنوات”.

وأضاف أن “طرح الموضوع على مستوى رؤساء الدول والحكومات يدل على الأهمية الكبيرة لهذا الحوض المشترك”.

و”ربما يتم توقيع اتفاقيات بشأن الخطوط العريضة ونصيب تونس ليس كبيرا، مع أن هناك مناطق من هذه المائدة (الحوض المائي) فيها ملوحة عالية، خاصة القريبة من مدنين وقابس وتوزر وقفصة (جنوب)، فنوعية المياه غير جيدة”، وفق قلايد.

وذكر أن “ليبيا استخدمت مياه النهر الصناعي لتزويد شمال البلاد بالمياه، وهو مشروع فيه استثمارات كبيرة، ولكن لم يكتمل إنجازه منذ 2011 (الثورة الليبية)”.

وتابع أن “جزءا من النهر الصناعي يستعمل مياه حوض غدامس، وأغلب مياهه من وسط ليبيا وشرقها على الحدود مع مصر التي تفكر في استغلال جزء مهم من المائدة من منطقة الحدود مع ليبيا، نظرا لانحسار كميات سد النهضة (الإثيوبي)، وهذا يخضع لتفاهمات”.

وتوقع أنه “بحكم التغيرات المناخية ونقص كميات الأمطار بين 25 و30 بالمئة سنويا، وارتفاع طلبات مياه الشرب، ستلجأ الدول إلى مصادر مياه غير تقليدية، مثل تحلية مياه البحر بتونس والجزائر، لكن تكلفتها كبيرة لتونس، ما يجعلها تعوّل على المياه الباطنية أكثر”.

قلايد أشار إلى أن “تحلية المياه الجوفية أقل كلفة من تحلية مياه البحر، ومعمول بها في ولايتي توزر وقبلي (جنوب غرب) من جانب شركة المياه لتزويد المواطنين بمياه الشرب”.

الجزائر.. لا خوف من استنزاف

أما مدير عام شركة التنقيب عن المياه في الجزائر عصام المقراني، فبدا أقل تخوفا بشأن المياه الجوفية المشتركة بين تونس والجزائر وليبيا.

وقال إن “الأحواض المائية في الجزائر موجودة بالصحراء، وهي منطقة مشتركة مع تونس وليبيا، وفيها نحو 50 مليار متر مكعب من المياه الجوفية، ولا يوجد استنزاف حاليا”.

وأضاف المقراني أن “المنطقة المشتركة بين تونس والجزائر وليبيا هي الأقل كثافة سكانية، وفي الجزائر يوجد في هذه المنطقة نشاط بترولي، وليس إنسانيا”.

وتابع: “الفلاحة الآن بدأ نشاطها في الجنوب الجزائري بالنمط الواسع، ليس في شرق الصحراء بل في وسط الجزائر وغربها في غرداية وورقلة والمنيعة وأدرار، وليس في حاسي مسعود وتوغرت والوادي، والمساحة المستغلة ليست كبيرة لاستنزاف 50 مليار متر مكعب”.

المقراني اعتبر أن “التحدي المطروح الآن هو كيف نستطيع استهلاك هذه الطبقة المائية بطريقة علمية، بحيث تستفيد منها شعوب المنطقة في الشرب والري، خاصة وأن البنك الدولي يصنف منطقتنا من بين أضعف البلدان في استهلاك المياه، والفرد المغاربي يستهلك أقل من 1000 متر مكعب سنويا”.

كيفية الاستغلال الأمثل

متفقا مع قلايد بخصوص عدم شفافية استغلال هذه المياه الجوفية، قال المقراني: “إلى الآن ليس لنا فكرة عن الكميات المستغلة، لأن معظم الناس الذين يحفرون الآبار لا يعطون معلومات للدولة”.

وتابع: “لذلك تمّ اللجوء من قبل الدول الثلاث إلى آلية التشاور، حتى يزود كل بلد هذه الآلية بمعلومات عن الاستهلاك”.

و”نلجأ إلى الآلية لنعرف ماذا استهلكنا في النشاط البترولي والزراعي حتى نرصد توقعات لـ50 سنة، لأن 50 مليار متر مكعب لا يمكن أن تستهلك في سنة واحدة”، كما زاد المقراني.

وأردف أن “السلطات تعمل على سيناريوهات لـ100 سنة ضمن استراتيجية بعيدة المدى”.

واعتبر أن “المشكل هو كيفية الاستغلال الأمثل للمياه، فمن ناحية تطبيقية 70 بالمئة من استهلاك المياه الصحراوية هو استهلاك زراعي، والدولة تحتاج أن تعطي جزءا من هذا الماء للنمو الديمغرافي المتسارع في الشمال”.

المقراني استطرد: “كذلك هناك نشاط بترولي، لأن معظم الشركات المتواجدة في حوض غدامس هي شركات بترولية، ومع كل بئر بترول لا بد من بئر ماء، وهناك على الأقل 1000 بئر بترول في المنطقة، ما يعني 1000 بئر ماء يعمل يوميا”.

ورأى أن “الإشكال ليس في الإمكانات المتوفرة، بل في كيفية استغلالها استغلالا أمثل وتعميم الاستهلاك في الجانب الفلاحي والصناعي والطاقي”.

وبشأن مخاطر تملح المياه، قال المقراني: “في الجانب الجزائري والليبي مسألة الملوحة ليست مطروحة في نوعية المياه، فمياه الجزائر من أحسن المياه جودة في العالم”.

وأوضح أن “الملوحة تكون بعد السقي، عندما تُخرِج الماء من البئر وتسقي مساحات كبيرة مع درجات الحرارة المرتفعة والجفاف، فهذا يترك الأملاح فوق الأرض، فملوحة الماء بسبب التبخر”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here