الأزمة في ليبيا تزداد تعقيدا

11

 

تعاني ليبيا، منذ العام 2011،غياب سلطة سياسية موحدة وصراعات متجددة على أكثر من جبهة أثرت بشكل كبير على أمن وإقتصاد البلاد.وعلى مدار أكثر من سبع سنوات،ظلت الأزمة الحالكة التي تعانيها الدولة الليبية تراوح مكانها بالرغم من التحركات المحلية والدولية لفك رموزها ومحاولة إنهائها.

وتزداد التعقيدات في المشهد الليبي يوما بعد يوم،فمع إعلان رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج، عن تعديل وزاري مفاجئ،تصاعدت حدة التوتر بين الأطراف الليبية،ما ينذر بتعميق الانقسامات الداخلية ويفاقم من الأزمة المستعرة، في ظل توترات تشهدها البلاد بسبب الميليشيات المتصارعة،في وقت تنتظر البلاد تحركات تخرجها من وضعها المتأزم.

** جدل التعيينات

وأعلن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية فائز السراج،الأحد 7 أكتوبر 2018، عن تعديل وزاري في حكومة الوفاق الوطني، شمل وزارات الداخلية والمالية والاقتصاد والهيئة العامة للشباب والرياضة.وتمّ تسمية على عبدالعزيز العيساوي وزيراً للاقتصاد والصناعة بدلاً من فضل الله الدرسي، وفتحي علي باشاغا وزيرا للداخلية بدلا من عبدالسلام عاشور.كما أسندت حقيبة المالية لفرج عبدالرحمن عمر بومطاري بدلا من أسامة حماد.

وأثارت التعيينات الجديدة جدلا واسعا في الأوساط الليبية،حيث أعربت لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب عن استنكارها لقيام المجلس الرئاسي بتعيين علي العيساوي وزيرا للاقتصاد.وقال رئيس لجنة الدفاع بالبرلمان طلال الميهوب، في بيان له أن العيساوي، مدرج في قوائم الإرهاب الصادرة عن لجنة الدفاع والامن القومي بمجلس النواب كما انه متهم باغتيال اللواء عبد الفتاح يونس العبيدي ولم تتم تبرئته حتى الآن.وأشار البيان إلى أن تعيين العيساوي يعد تصرفا “غير مقبول يعمق الانقسام في البلاد ويهدد وحدتها.

واعتبرت عدة أطراف أن هذه الخطوة تهدف لإعادة تثبيت حكومة السراج بدعم من الجماعات المتشددة المسيطرة على العاصمة.وفي بيان لهم،عقب إجتماعهم مساء الأحد بمدينة الزاوية،طالب 40 عضواً من نواب المنطقة الغربية،المجلس الرئاسي باحترام الاتفاق السياسي الذي أتى به لسدة الحكم، معتبرين ما يقوم به حاليا من خطوات لإعادة تكليف حكومة جديدة خارج الاتفاق السياسي هي مناورة سياسية لا مبرر لها ولا طائل إيجابي من وراءها ، ولن تزيد الوضع بالبلاد إلا تأزماً واستمراراً لحالة الانقسام القائم.

في المقابل، رأى عبد السلام نصية، رئيس لجنة الحوار بمجلس النواب مع “المجلس الأعلى للدولة”، أن “المشكلة في هذه المرحلة الصعبة ليست في الوزراء والكفاءات، ولكنها في أن تكون حكومة كل الليبيين، وتبسط سيطرتها على كل البلاد”. واعتبر نصية في تغريدة له عبر موقع “تويتر”، أن “أي حكومة على رقعة جغرافية معينة، هي استمرار لتكريس الانقسام، ومحاولة لقطع الطريق على إيجاد سلطة تنفيذية موحدة”.

ويخشى مراقبون أن تؤثر هذه التعيينات الجديدة على مسار الإصلاحات الاقتصادية والترتيبات الأمنية الذي تقوده الأمم المتحدة ويهدف بالأساس إلى كبح جماح الميليشيات المسلحة والحد من سيطرتها على المؤسسات الحيوية كمصرف ليبيا المركزي والشركة الوطنية للنفط ومؤسسة الاستثمار.

لكن بعثة الأمم المتحدة رحبت بالتعديل الذي أجري على الحكومة. وقالت في صفحتها على موقع تويتر “تتمنى بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا النجاح للوزراء الجدد في حكومة الوفاق وتعبر عن كامل استعدادها لدعمهم لتنفيذ الترتيبات الأمنية الجديدة في العاصمة طرابلس والسير قدما في الإصلاحات الاقتصادية، والسعي لتوحيد المؤسسات الوطنية الليبية”.

** إنتقادات

وفي الأثناء، كشف رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح،الأربعاء، عن أسباب عدم منحه الثقة لحكومة فايز السراج التي يعترف بها المجتمع الدولي في ظرف يعد فيه مجلس النواب طرفا في الخلاف الليبي.وقال رئيس البرلمان الليبي في حواره مع مركز الأداء الاستراتيجي في مدريد بإسبانيا، إنه “عندما قُدمت حكومة الوفاق بقيادة فائز السراج كنت من ضمن من رفضوا هذه الحكومة باعتبار أنني أرى أنها ضعيفة ولا يمكنها قيادة ليبيا في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد”.

وأضاف: “وهذا ما حدث بالفعل، الحكومة لها ما يقارب عن عامين ولم تتمكن من انجاز استحقاق مهم وهو بسط الأمن وتوحيد المؤسسات الدولة”.

وعن أحداث طرابلس الأخيرة، أجاب صالح، بأن “هذه الاحداث والاشتباكات الدامية يتحملها بالدرجة الأولى المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني كونه أعطى وشرعن تلك المجموعات المسلحة واحتمى بها داخل العاصمة ولم يعمل على تفكيكها وإنهائها وهذا أيضا ينصب في مجمل المواقف التي تبنيناها من حكومة الوفاق الوطني.

وأشار إلى أن البرلمان قد أصدر ومنذ توليه مهامه التشريعية في عام 2014 قرارا بحل تلك التشكيلات المسلحة وصنف جزءا منها كتشكيلات إرهابية نتيجة الانتماءات الايديولوجية المتطرفة.وأوضح أنه “طالب بإنهاء تلك المجموعات المتطرفة والمسلحة وإنهاء تواجدها بالعاصمة التي وللأسف اخذت طابعا شرعيا نظرا لسياسات سيئة وارتجالية اعتمدتها حكومة الوفاق الوطني.

واندلعت نهاية أغسطس الماضي اشتباكات بين ميليشيات طرابلس وأخرى قادمة من مدينة ترهونة رافعة شعار “تحرير العاصمة من دواعش المال العام”، في إشارة إلى ميليشيات طرابلس التي تتهم بالتحكم في مؤسسات الدولة.وقد أسفرت الإشتباكات عن خسائر بشرية ومادية كبيرة ولاقت تنديدا محليا ودوليا واسعا.

وتدخلت الأمم المتحدة لفض الاشتباكات بين الميليشيات،وكان من بين نتائج اتفاق الزاوية لوقف إطلاق النار استحداث لجنة جديدة لتنفيذ الترتيبات الأمنية بدلا للجنة التي سبق أن تم تشكيلها عقب أيام من توقيع اتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015.وحثت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، السبت، المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، على المصادقة على الخطة المقدمة من لجنة الترتيبات الأمنية لتأمين العاصمة طرابلس لبدء تنفيذها، معربة عن تشجيعها للخطة التي تنص على انسحاب المجموعات المسلحة من المؤسسات السيادية واستبدالها بقوات نظامية.

** إنتهاكات الميليشيات

وفي غضون ذلك،قالت اللجنة المشكلة من المنظمة العربية لحقوق الإنسان واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، في بيان أصدرته الخميس، إن الاشتباكات التي وقعت في طرابلس في آب/ أغسطس الماضي، “شهدت أخطر أنماط انتهاكات القانون الدولي الإنساني”.وأضافت أن “أبرز تلك الانتهاكات تتمثل في عمليات القصف العشوائي للمدنيين، وجرائم القتل على الهوية، واستخدام الأسلحة الثقيلة داخل الأحياء المكتظة بالمدنيين، والتحصن بها وتحويلها إلى مناطق عمليات عسكرية، وفرض حالة النزوح الجماعي والقسري”.

وأكدت اللجنة أن “تلك الانتهاكات تقع جميعها ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”.وأوصت اللجنة، بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، بـ”العمل على تعيين مقرر خاص لحقوق الإنسان في مجمل هذه الانتهاكات، والمضي قدمًا في الترتيبات الأمنية داخل العاصمة الليبية، وتعزيز سيادة القانون وإنهاء حالة الإفلات من العقاب”.

كماما حثت اللجنة السلطات الليبية على “فتح تحقيق في الانتهاكات المحتملة، وإدماج صكوك القانون الدولي لحقوق الإنسان في النظام القانوني المحلي في ليبيا”.وذكرت اللجنة أن “ضحايا معارك جنوب طرابلس بلغوا 115 قتيلًا و 450 جريحًا إضافة إلى 18 مفقودًا، وتشريد 4 آلاف أسرة”.

واختتمت اللجنة بيانها بالتأكيد على أن “هذه الأدلة على الانتهاكات تتطلب إجراء تحقيقات فعالة، وفي حال لزم الأمر تجب ملاحقة المسؤولين عن ارتكابها قضائيًا”.وأضافت أن “الالتزام الأساسي بإجراء تحقيقات فعالة يقع على عاتق السلطات الليبية، لكن في حال ثبت أن السلطات الليبية غير مستعدة أو غير قادرة على إجراء التحقيقات والملاحقات القضائية اللازمة، حينها تتطلب مصلحة العدالة أن يتم اللجوء إلى آليات العدالة الدولية”.

وتعاني المدن الليبية، وخاصة العاصمة طرابلس من سيطرة الميليشيات المسلحة التي تشكل خطرا كبيرا على حياة المدنيين خاصة في ظل احتدام الصراعات بينها حول النفوذ. وتتصاعد الانتقادات لحكومة الوفاق بسبب عجزها عن بسط سيطرتها تعوّيلها على الميليشيات التي أعلنت ولاءها لها،والتي مازالت في مرمى الاتهامات والشكوك

وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا غسان سلامة،قد كشف عن وجود أكثر من 200 ألف مقاتل ضمن التشكيلات المسلحة، لافتا إلى أن هؤلاء يتقاضون رواتب من الدولة ويأخذون أوامرهم من زعماء المليشيات.وقال سلامة في حوار مع صحيفة “الحياة” اللندنية في هذا الشأن: “هناك ما يتجاوز 200 ألف مقاتل في التشكيلات العسكرية قدمت لهم الدولة الليبية منذ خمس سنوات، نوعاً من الغطاء، فيأخذون رواتب من الدولة، ولكن يأخذون أوامرهم من زعماء المليشيات”.

وعن مصادر تمويل التشكيلات المسلحة، قال المبعوث الأممي إن الليبيين وقعوا في فخ أكبر مما حصل في لبنان، موضحا أن “معظم المال ليبي يتم بابتزاز المصارف والمؤسسات السيادية أو بالسيطرة على موانئ أو مؤسسات حيوية، أو من تهريب البشر والنفط والمواد المدعومة إلى دول الجوار. وأقول أحياناً لأصدقائي الليبيين: اللبنانيون قاموا بحربهم الأهلية بأموال غيرهم، وأنتم وقعتم في فخٍ أكبر لأنكم تقومون بحرب بأموالكم الذاتية”.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here