حمدي الحسيني
أفريقيا برس – ليبيا. أخيراً، أعلنها رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو صراحة وبلا مواربة عن قرب تحقيق حلم إسرائيل الكبرى، عبر احتلال مساحات من أراضي 6 دول مجاورة من بينها مصر، وهو ملخص ما جاء في حديثه الأخير لقناة «i24» الإسرائيلية عن «الحلم التوراتي» بوصفه «مهمة أجيال» يسلمها جيل إلى جيل، وكيف يشعر بأنه في مهمة «روحية وتاريخية» من أجل تحقيق حلم الشعب اليهودي!
أتصور أن هذا «الحلم اليهودي»، لن يتحقق إلا على حساب محو الهوية الفلسطينية، وإنهاء حلم قيام الدولة الموعودة في القدس الشرقية، وضم الكيان لأراضي دول مجاورة كما أعلن نتنياهو، بدءاً من لبنان وسورية وانتهاءً بمصر، كما أن هذا المشروع التوسعي غير قابل للتحقيق في ظل وجود جيوش وطنية تحمي حدود تلك الدول، ربما ما دفع نتنياهو للإفصاح عن حلمه في هذا التوقيت بعض العوامل، أبرزها؛ نجاح تل أبيب، بدعم أميركي مطلق، في التخلص من أغلب عناصر التهديد التقليدي؛ بداية من إعلان ضم الجولان المحتل إلى الكيان باعتراف أميركي صريح، واحتلال مناطق حدودية سورية جديدة بعد غياب الجيش السوري الذي تبخر مع هروب بشار الأسد وحل سلطته بشكل دراماتيكي لم يكن متوقعاً، ثم جاء اغتيال أغلب قادة المقاومة الفلسطينية، في مقدمتهم يحيى السنوار، وكذلك اغتيال زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله.
كل هذا كان مقدمة طبيعية لانطلاق العربدة الإسرائيلية في كل الاتجاهات من جنوب لبنان حتى اليمن، ثم دفع الغرور هذا الكيان بالتهور وارتكاب حماقة كبرى في العدوان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بعد أن فشلت كل محاولاته لتدمير وتحجيم طموحها النووي.
بالطبع تلقى الاحتلال درساً لن ينساه، بعد أن نجحت صواريخ آيات الله في زلزلة الأرض من تحت أقدام المحتلين، وإدخالهم جميعاً، بمن فيهم أعضاء حكومته الإرهابية، إلى الخنادق لمدة 12 يوماً، جرى خلالها تدمير مؤسساته، حتى أصبح من الصعب التفريق بين الصور القادمة من تل أبيب وتلك الصور القادمة من غزة المحاصرة نتيجة حرب غير متكافئة بين شعب أعزل وجيش مدجج بأحدث الأسلحة الفتاكة.
لقد استفاد ووظَّف المحتل كل تناقضات منطقتنا المنكوبة ببعبع «الإسلاميين والديكتاتوريين»، حيث مارس – آذار حملات ممنهجة للتخويف من الأولى، ونجح في إيجاد تحالف ما مع الثانية، لأسباب يمكن شرحها لاحقاً، لكن الخلاصة أن بعض أو أغلب دول المنطقة رأت في التحالف مع المحتل باباً ملكياً لرضا «واشنطن» باعتبار أن لديها مفاتيح تثبيت حكمهم وعروشهم المهترئة!
إذن، ما العمل أمام مشهد إعلان رئيس وزراء الكيان الصهيوني ـ جهاراً نهاراً ـ عن حلمه الذي ظل الزعماء العرب طوال عقود يسخرون من تحذيرات كبار المفكرين الوطنيين من خطره، ليس على القضية الفلسطينية فحسب؛ بل على أمن واستقرار ووجود الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج؟
في تقديري أننا أصبحنا اليوم وجهاً لوجه مع المشروع الصهيوني، وللتغلب على هذا الخطر وجب تنحية خلافات أكبر ثلاث قوى كبرى في المنطقة جانباً، وأقصد هنا كلًا من مصر وتركيا وإيران، والبدء فوراً في بناء تحالف ثلاثي استراتيجي حقيقي يمكنه التصدي لهذا المشروع الاستعماري «الصهيوأميركي» الذي يشكل تهديدًا للجميع، خاصة أن الدول الثلاث هي المستهدفة بشكل مباشر، والشاهد على ذلك حرب الـ12 يوماً الأخيرة بين إيران والكيان، ثم تحرش تل أبيب بأنقرة بسبب استباحة الأولى الدائمة للأراضي والسيادة السورية وتلويحها باحتلال دمشق، رغم علمها بأن النظام السوري الجديد نشأ برعاية وإشراف تركي مباشر، وأن أي تهديد للأراضي السورية يعد تهديداً لتركيا، أما فيما يتعلق بمصر التي مارست الصبر الاستراتيجي على حرب إبادة أهالي غزة واحتلال ممر فيلادلفيا الفاصل بين فلسطين المحتلة والحدود المصرية، بما يخالف اتفاقيات السلام الموقعة مع الكيان والتهديد المستمر بدفع سكان غزة للتهجير القسري داخل الحدود مع مصر؛ بل وصل تهديد بعض قادة الكيان إلى احتلال سيناء مرة أخرى!
كل ما سبق يدفع حكومات وشعوب الدول الثلاث إلى حتمية التقارب، وضرورة البحث عن طريقة لدرء الخطر، وتحجيم جموح التطرف الإسرائيلي، ليس بالضرورة بالمواجهة العسكرية؛ بل أظن أن تاريخ وعراقة الدول الثلاث، التي خرجت من رحمها حضارات وإمبراطوريات رسمت ملامح الإنسانية عبر العصور، هذه الدول لو خلصت نوايا قادتها ستكون قادرة على احتواء تلك المجموعات الإرهابية اليهودية المتطرفة، الذين فرقتهم جذورهم المشتَّتة، وجمعهم حلم «توراتي» وهمي غير موجود سوى في عقولهم وقلوبهم المريضة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس