موائد الرحمن في ليبيا.. تكافل اجتماعي للنازحين والمهاجرين

69

تقام موائد الرحمن طوال شهر رمضان المبارك في مختلف أنحاء البلاد عبر مبادرات اجتماعية، لكن الجديد هذا العام هو تخصيص معظم الموائد والسلات الغدائية للأسر النازحة من الحرب على العاصمة طرابلس، أوالمهاجرين غير الشرعيين في بعض مدن البلاد.

وتستقبل الموائد ضيوفها في المساجد أو بجوار الفنادق والعقارات والمحال التجارية أو في مناطق فضاء واسعة، حيث يتولى القائمون عليها إعداد وجبات غذائية جاهزة إضافة إلى توفير كميات كبيرة من العصائر في انتظار من يتناولها عند آذان المغرب موعد الإفطار في شهر رمضان.

ويتسابق على إعداد موائد الرحمن مختلف مكونات المجتمع سعيًا منهم للعمل الحسن، وتتكون الوجبة من التمر والحليب والعصائر والمشروبات والمرطبات إضافة إلى وجبة العشاء مثل الشوربة مع إحدى الأكلات الشعبية الليبية، ويحرص القائمون على تنظيمها على توفير كل العناصر الغذائية من اللحوم والمشروبات والحلويات تحديدًا في أماكن إيواء النازحين من جنوب طرابلس.

ويقول الطاهي محمد أبو القاسم إنه يتفرغ بشكل كامل لطهي الطعام عبر منزل له في منطقة ميزران لإعداد الوجبات للصائمين، وتوزيع الطعام إلى المساجد وأماكن إيواء النازحين.

ويوضح أن هناك تنسيقًا مع مجموعة من المواطنين لتوفير السلع الغدائية وهو يقوم بدوره بعمليات طهي الطعام وتوزيعه عبر فريق من المتطوعين لنحو 1000 وجبة يومياً على مدار شهر رمضان، لكنه رفض الإفصاح عن أسماء منظمات المجتمع المدني التي تدعمه.

ومع استمرار حرب العاصمة تتفاقم أزمة النازحين من مناطق الاشتباكات، وأطلق مواطنون ومنظمات مجتمع مدني مبادرات تطوعية لتوفير سلع غذائية للفقراء والأسر النازحة عبر سلة رمضانية، وهناك من يقدم مبالغ مالية للجمعيات الأهلية والفقراء، ومع تواصل الحرب يستمر النزوح والتشتت والدمار، لكن يبقى الاحتضان الشعبي لافتاً.

وأسفرت الاشتباكات العنيفة منذ الرابع من أبريل عن سقوط أكثر من 520 قتيلًا وألفي جريح وأدت إلى تهجير نحو 70 ألف شخص بحسب وكالات الأمم المتحدة. فيما يتجاهل الجانبان نداءات الأسرة الدولية للحوار والتوصل إلى هدنة، بالرغم من أن خطوط الجبهة بعد ستة أسابيع من المعارك لم تتغير عند مداخل طرابلس.

أوضاع إنسانية صعبة

ويعيش النازح الليبي وضعاً إنسانياً صعباً للغاية، ويقول عبدالسلام حسن (نازح من خلة الفرجان): إن «الأوضاع المعيشية تزداد سوءًا بالنسبة لنا»، لكنه يقول «المبادرات الاجتماعية مثل موائد الرحمن تخفف علينا أعباء المعيشة خلال الشهر الفضيل» مؤكدًا أن «التسامح والتآخي يُعرف به المجتمع الليبي في الأزمات فما بالك خلال شهر رمضان».

ويقر الشيخ خيري الترهوني، أحد القائمين على واحدة من موائد الرحمن، أن هناك ارتفاعًا في أعداد النازحين من الحرب مع شهر رمضان لذلك خصص معظم السلات الغدائية للأسر النازحة بالدرجة الأولى، مشيرًا إلى أن هذه الموائد وسيلة تراحم وتكافل من أهل الخير للمحتاجين من الفقراء والمساكين بالدرجة الأولى.

وتشير تقديرات رسمية إلى أن أعداد الأسر النازحة خارج مراكز الإيواء بلغ 13 ألف أسرة، ويقول مدير إدارة الإعلام بوزارة الشؤون الاجتماعية خالد مسعود إن «حكومة الوفاق وزعت 2000 سلة غدائية للأسر النازحة خلال اليومين الماضين».

وأكد عبدالرووف ضو رئيس جمعية منار الإسلام للأعمال الخيرية المشرفة على الخيمة الرمضانية بمنطقة بني وليد أن الهدف من هذه المبادرة هو إفطار الصائمين، ورسم البسمة على وجوه المحتاجين والمسافرين والمارين ومساعدة الفقراء منهم..

مديرة إحدى الجمعيات الخيرية: لا نتعاون مع أية جهة سياسية قد تستغلنا في أغراض دعائية

وتشمل موائد الرحمن هذا العام أنحاء متفرقة من البلاد، إذ تقام خيام الموائد الرمضانية في مداخل المدن ومخارجها لمختلف المناطق مع نصب خيام مكتوب عليها إفطار الصائم.

ويقول عزالدين عمار أحد المتطوعين لـ«الوسط»: إن الخيام الرمضانية تقام سنويًا في مدينة مسلاتة، بل أن المواطنين يغلقون الطرقات أمام المسافرين لإجبارهم على الإفطار يومياً.

بني وليد: رسالة إنسانية

وعلى بعد 180 كيلومترًا من العاصمة طرابلس، وتحديدًا في مدينة بني وليد، تعد موائد الرحمن من أهم مظاهر الشهر الكريم، لنشر ثقافة الكرم والجود والترابط الاجتماعي بين أهالي المدينة وكافة المسلمين والمغتربين الموجودين في المدينة.

ومع حلول أول يوم في شهر رمضان الكريم تبادر المؤسسات الخيرية وأهالي المدينة بنصب الخيم الرمضانية وإعداد وجبات الطعام والإفطار لرواد هذه الخيم من عابري السبيل والعمالة من الجنسيات الأفريقية والنازحين الموجودين في المدينة .

هيثم بن لامة ، عضو بجمعية السلام ببني وليد ، أحد المشرفين على الخيام الرمضانية يقول: إن «موائد الرحمن لا تقدم الطعام أو الشراب فحسب، بل رسالة إنسانية نشعر من خلالها بأخواننا المحتاجين، وتعميم المودة والمحبة وزيادة التعارف والتقارب الاجتماعي».

وفي بني وليد كما في العديد من المدن الليبية، فإن أبرز ما يقدم في الخيم الرمضانية «العصائر، والحليب، والتمور، والحلويات، وبعض الأكلات الليبية الشعبية مثل الشوربة الليبية، وبعض الأكلات الخفيفة مثل «الطاجين، والمبطن، والبراك، والعصبان» وغيرها..

عبدالرؤوف ضي ، أحد المشرفين على الخيمة الرمضانية بمنطقة الحي الصناعي ببني وليد ، يقول: إن «موائد الرحمن عادة رمضانية ترجع لعدة سنوات، إذ تعد النساء وجبات الإفطار والعشاء وتغلفها وترسلنها إلى الخيم الرمضانية لتوزيعها على الصائمين بتعاون شباب المنطقة».

من جهته أعرب محمد زايد، أحد المواطنين في بني وليد ، عن أمله في أن تستمر مثل هذه المساعدات والخيم الرمضانية لرفع المعاناة عن عائلات الأسر النازحة .

بنغازي: نقص السيولة

وفي شرق البلاد، وفي ظل نقص السيولة والأوضاع المعيشية الصعبة، بدأت موائد الرحمن تتقلص خاصة في بنغازي ، وبعضها لم تكمل منتصف الشهر حتى أزالت الخيمة من مكانها.

ففي أحد الأحياء السكنية ببنغازي، تقام مائدة الرحمن للعام الخامس على التوالي بعد أن استغرق تجهيزها شهرًا كاملًا، ويتواصل القائمون عليها مع فاعلي الخير، بالإضافة إلى تبرعات أهل المنطقة، ولا يمكن تقدير أعداد الضيوف على هذه الموائد .

ويقول الشخص القائم على هذه المائدة، طالبًا عدم ذكر اسمه، «نعطي وجبات جاهزة للراغبين في الإفطار في بيوتهم»، لكنه يبدي أسفه من تناقص أعداد الموائد.

جالو: للمسافرين نصيب

أما في جنوب شرق البلاد، تعتبر مائدة الرّحمن من أهم الأعمال التّطوعية والضرورية التي يقوم بها المواطنون خلال أيام شهر رمضان المبارك. لكنها تقدّم في مدينة جالو لمن لا يسعفه الطريق في الوصول إلى بيته بسبب العمل أو للمسافرين، والجاليات العربية المقيمة داخل المدينة.

ونظمت المدينة 4 موائد تستقطب بين 250 إلى 200 شخص، حيثُ لمسَ التنسيق الواضح بين هذه الموائد من مشرفي موائد الرحمن لدعم بعضهم البعض في حال تأخر وجبات العشاء على المائدة يتم إمدادها من الأخرى.

وفي ذات السّياق قال، امقرّب جابر، منسّق موائد الرّحمن في مدينة جالو،«نبدأ تركيب الخيمة المخصصة لمائدة الرحمن وتجهيز المكان المناسب لها وذلك قرب بداية شهر رمضان.

ويتمّ التنسيق مع الجمعيات النسائية والعائلات المتبرعة بالمدينة وذلك لتجهيز وجبات العشاء المتنوعة كالأرز والشوربة والمكرونة وغيرها للمغتربين وعابري السبيل، الذين يترددون على مائدة الرحمن بوسط مدينة جالو طول فتــرة شهر رمضان المبارك.

ويقول جابر، لـ «الوسط»، «الجمعيات المتعاونة تجهز الوجبات سنويًا في صحون صغيرة فردية أو مقاعد رباعية حسب وجبة العشاء المعدة للمائدة، فيما تتراوح أعداد ضيوف المائدة بين 70 و 80 شخصًا جلهم من العمالة الوافدة وقليل من المارين على طريق».

سبها: سباق دولي

أما في جنوب البلاد، وتحديدًا في مدينة سبها، فقد تسابقت جهات محلية ودولية–من بينها منظمة الهجرة الدولية–على تنظيم وجبات على إفطار للمهاجرين غير الشرعيين.

ويقول مدير الدعم النفسي في سبها أحمد قليوان إن « هذا البرنامج الممول من الاتحاد الأوروبي، والمنظمة الدولية للهجرة ليس له هدف سياسي ويشمل أحياء القرضة والمنشية والثانوية». ومن المقرر إقامة وجبات إفطار الأيام المقبلة فى حي الطيوري و حجارة ومنطقة عبدالكافي.وأقام نادي القرضابية الرياضي بسبها مأدبة إفطار لقدامى الرياضيين بهدف جمعهم واسترجاع الذكريات القديمة.

في الوقت نفسه، تكفلت جمعية كافل اليتيم بسبها بعدد من الموائد منذ 2012، وتقام لهم وجبة إفطار فى كل شهر رمضان إلى جانب توزيع سلة غدائية، وتكفلت معلمات مدرسة المهدية بإعداد وجبة الإفطار والعشاء لقرابة 70 طفلًا يتيمًا. وتقول عضو الجمعية مبروكة عبدالسلام الطاهر «ما نقوم به بعيدًا عن دعم أي جهة سياسية قد تستغل برامج الجمعية للدعاية أوغــيرها».

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here