مدينة صبراتة التاريخية، كنز الآثار في ليبيا

585

مدينة صبراتة التاريخية تقع على بعد 67 كم غرب العاصمة الليبية طرابلس، على ساحل البحر المتوسط. يعود إنشاء المدينة إلى مطلع الألف الاولى قبل الميلاد، في الفترة التي تلت اقامة المستوطنات الفينيقية الاولى في الشمال الافريقي والتي على رأسها مدينتا قرطاجنة وعتيقة (اوتيكا) في تونس.

وصبراتة واحدة من المدن الثلاث التي ضمت اليها قديما أراضي الجزء الغربي الشمالي من ليبيا، والذي أطلق عليه قدماء اليونان اسم (تريبوليس) أى اقليم المدن الثلاث كما أطلقوا عليه اسم (ايمبوريا) أى المراكز التجارية حيث كانت بقيت هذه المدن الثلاث المشار اليها من أنشط الأسواق والموانئ التجارية الليبية الفينيقية (البونيقية) وذلك حتى انهيار الحكم القرطاجي وقيام الدولة النوميدية وتمكن الرومان من بسط نفوذهم الذى واجه مقاومة عنيفة من الليبيين النوميديين اسوة باستبسال البونيقيين.

وعلى اثر الحرب الأهلية الرومانية التي امتدت آثارها إلى الشمال الافريقي وانتصار يوليوس قيصر على خصمه بومبي في موقعة (تايسوس) أسست الولاية الافريقية التي ضمت اليها أراضي لامبوريا وذلك سنة 46ق.م.

وترجع أطلال المدينة الحالية في معظمها إلى القرنيين الأول والثاني من تأسيس الامبراطورية الرومانية، حيث تم تجديد بناء المعابد البونيقية السابقة والمحيطة بساحة السوق (الفورم) والايوان القضائي (البازيليكا) والمجلس البلدي (الكوريا) في القرن الرابع الميلادي.

وازدهرت المدينة خلال فترة حكم الامبراطوريين انطونيوس بيوس وماركوس اوريليوس (138-180م) للنشاط التجاري فيها وليس بسبب الأعمال الزراعية فأرض الضواحي المحيطة بها تعد أقل خصوبة .

يؤكد ذلك مقر وكلاء تجار صبراتة، الذي تم العثور عليه في مرفأ (أوستيا) القديم على الساحل القريب من مدينة روما، حيث تزدان قائمة المقر المذكور بفسيفساء.. صور الفيل.. وقد استنتج من هذا أن تجارة صبراتة الرئيسية كانت تقوم على تصدير العاج والمنتجات ذات السمعة الافريقية الاخرى وذلك عن طريق فزان وغدامس.

وظل البلد مزدهرا طوال القرن الثالث الميلادي إلى عهد الأباطرة السويريين في أواسط القرن الرابع الميلادي حتى وقع زلزال، فضلا عن غزوات السلب والنهب والتخريب التي قامت بها بعض قبائل الاوستوريين.

وتسترد المدينة مكانتها السابقة في فترات لاحقة وذلك حتى مجئ قبائل الوندال التي اجتاحت الشمال الافريقي واستهدفت صبراتة تخريبا واحتلالا سنة (455م) شأنها شأن بقية المدن الافريقية في تلك الحقبة، وظلت المدينة مهملة إلى أن احتلها الجيش البيزنطي ثانية سنة (533 م).

وفي عهد الامبراطور جستينان الذي استمر في حكم إلى سنة 565م، أعيد تحصين القسم الأقدم من المدينة المجاور للميناء وذلك بانشأء واقامة سور بأبراج، كذلك شيدت فيها كنيسة غطيت أرضية بهوها بالفسيفساء ( نقلت الأرضية الفسيفسائية إلى طرابلس عام 1931م وهي محفوظة الآن بقائمة خاصة بالمتحف الجماهيري).

وتم في هذه الفترة أيضا بناء مساكن جديدة وعبدت الطرق التي تتخللها على أنقاض المباني السالف ذكرها بمستوى يعلو 3-4 اقدام فوق المستوى القديم كما يلاحظ من قطاع التنقيب الواقع داخل الباب البيزنطي في الجهة اليمنى منه مباشرة.

وفي عام 1923م، شرع بأعمال التنقيب والحفر في مدينة صبراتة ولأول مرة واستمرت هذه الأشغال حتى عام 1936م، حيث تم خلال هذه المدة الكشف عن نصف مساحة المدينة القديمة تقريبا بما في ذلك المباني العامة وعدد من المساكن و الشوارع ، ومن بين المنشآت المهمة التي تم العثور عليها في تلك الآونة مسرح صبراتة.

وفي الخمسينيات، استؤنفت أعمال الحفر والتنقيب واتسع نطاقها فشمل القسم الغربي من المدينة والكائن جنوب السور البيزنطي، حيث اكتشف حي سكني يرجع للفترة الاولى من تأسيس الامبراطورية الرومانية ويتميز هذا الأثر المعماري البونيقي بطابعه الليبي الواضح.

 

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here