سياسيون ينتقدون غياب الرؤية في معالجة أزمة ليبيا الاقتصادية

سياسيون ينتقدون غياب الرؤية في معالجة أزمة ليبيا الاقتصادية
سياسيون ينتقدون غياب الرؤية في معالجة أزمة ليبيا الاقتصادية

أفريقيا برس – ليبيا. أثارت تحذيرات أطلقها محافظ المصرف المركزي الليبي، ناجي عيسى، من «احتمال تعذر صرف الرواتب الحكومية إذا ما تراجعت أسعار النفط وألقت بظلالها على البلاد»، انتقادات؛ بسبب «غياب الرؤية الواضحة لمعالجة الأزمة الاقتصادية».

وجاءت تحذيرات عيسى، خلال مشاركته في مؤتمر «الاستثمار المصرفي»، الأسبوع الماضي في طرابلس، بحضور رئيس حكومة الوحدة الوطنية «المؤقتة»، عبد الحميد الدبيبة، الذي أشار بدوره إلى ارتفاع الدين العام إلى نحو 300 مليار دينار (الدولار يساوي 5.46 دينار).

وقوبلت تصريحات الدبيبة وعيسى بموجة «واسعة من الرفض» من سياسيين واقتصاديين، ونشطاء على منصات التواصل، في ظل ما وُصفت بـ«محاولة كل طرف إلقاء المسؤولية على الآخر، أو على خصومه السياسيين»، مقابل غياب حلول عملية للأزمة.

وانتقد عضو المجلس الأعلى للدولة، صفوان المسوري، ما وصفه بـ«رسم المحافظ صورة قاتمة للوضع المالي بعد فترة طويلة من الصمت». وقال: «كانت هناك تحذيرات سابقة من تداعيات الإنفاق الموسع وأزمات أخرى، غير أن الشارع كان ينتظر من إدارة المصرف المركزي مبادرات وحلولاً، أو على الأقل المسارعة بالتحذير مجدداً مع تفاقم الأرقام».

وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى حكومة «الوحدة» التي تتخذ من العاصمة طرابلس (غرب) مقراً لها، والثانية برئاسة أسامة حماد، وهي مكلفة من البرلمان ومدعومة من قائد «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب.

وكشف عيسى، خلال الندوة، عن أن إنفاق الحكومتين بلغ 3 مليارات دولار شهرياً، بينما لا تتجاوز الإيرادات النفطية 1.5 مليار، محذراً من أن انخفاض أسعار النفط – الذي تُمثل عوائده المصدر الرئيسي لدخل البلاد – دون 55 دولاراً، قد يؤدي إلى عجز عن دفع رواتب العاملين في الدولة، الذين يُقدّر عددهم بأكثر من مليونَي موظف، بحسب تقرير هيئة الرقابة الإدارية.

وعدّ المسوري أن أداء المصرف المركزي بهذا الشكل «يمثل تقصيراً»، داعياً إلى تحرك مجلسَي النواب و«الأعلى للدولة» والمجلس الرئاسي، بالتنسيق مع البعثة الأممية، لاستبدال كفاءات اقتصادية أخرى بقيادته الراهنة.

ووفق بيان المصرف المركزي، الصادر في أبريل (نيسان) الماضي، فقد بلغ حجم الإنفاق العام المزدوج خلال عام 2024 نحو 224 مليار دينار، منها 123 ملياراً لحكومة الدبيبة، و59 ملياراً لحكومة حماد، و42 ملياراً لمبادلات النفط، مقابل إيرادات بلغت 136 مليار دينار.

بدوره، انتقد النائب سعيد أمغيب ما وصفه بـ«عجز المسؤولين عن تقديم حلول»، وكتب في إدراج له: «بدلاً من طرح حلول للأزمات، خرج كل من الدبيبة وعيسى يشتكيان من الظروف المالية، وكأنهما خارج دائرة القرار».

أما أستاذ الاقتصاد الليبي بجامعة درنة، صقر الشيباني، فعدّ أن المؤتمر تحوَّل إلى منبر لتبادل الاتهامات بين المحافظ ورئيس الحكومة.

وقال الشيباني لـ«الشرق الأوسط» إن تصريحات الدبيبة وعيسى انعكست سريعاً على سعر صرف الدولار في السوق الموازية، حيث ارتفع من 7.5 إلى نحو 7.75 دينار وربما أكثر، بعد أن استغل المضاربون تلك الرسائل السلبية على حد وصفه. ولفت إلى أن الفارق في سعر الصرف ليس بسيطاً في بلد يستورد كثيراً من احتياجاته.

ووفقاً لرؤية الشيباني، فإن المواطن كان ينتظر إجراءات ملموسة، تنهي أزمات السيولة والتضخم وتأخر صرف الرواتب، لكنه «استقبل مع الأسف رسائل محبطة عن الدين العام، وتضخم فاتورة المرتبات واحتمالية تعثرها؛ مما أثار قلق قطاع واسع من الليبيين».

ورغم تأكيده صواب حديث المحافظ عن «خطورة الإنفاق الموسّع من الحكومتين»، فإن الشيباني رأى أن واقع الانقسام كان يتطلب «مبادرات عملية للتعاطي معه لا التذرع به؛ أو محاولة أي طرف توظيفه سياسياً»، مذكّراً المحافظ بأنه وعد في ظل هذا الانقسام بحل أزمة السيولة، وتحسين سعر الدينار «لكنه لم يفِ بذلك».

وكان الدبيبة قد حمّل ما سمّاه «الإنفاق الموازي»، في إشارة إلى الحكومة المنافسة له التي يرأسها أسامة حماد، المسؤوليةَ عن ارتفاع الدين العام، كما اتهم المصرف المركزي بالعجز عن إدارة المصارف التجارية التي تذهب 80 في المائة من العملة الأجنبية إليها، وتُدار من قبل تجار ومتنفذين.

من جهته، رأى نائب رئيس «حزب الأمة» الليبي، أحمد دوغة، أن تعليقات المواطنين على منصات التواصل الاجتماعي «تضمّنت حلولاً أكثر واقعية للأزمات الاقتصادية من صنّاع القرار أنفسهم»، مثل خفض رواتب وامتيازات أعضاء البرلمان، والمجلس الأعلى للدولة والحكومتين، وتقليص السفارات في الخارج، ومحاربة مافيا الاعتمادات.

ووصف دوغة التحذير بالمساس بمعيشة الشريحة الأوسع في البلاد، أي العاملين في الدولة، بأنه «استفزاز غير مقبول»، موضحاً أنه «لحين إيجاد حلول عملية ومنصفة لملف ازدياد عدد العاملين بالدولة، والذي يحذِّر منه الجميع، ربما كان من الأفضل عدم إثارة المخاوف كون ذلك مسألة مصيرية».

وانتهى دوغة إلى أن «الحل الغائب عن أذهان أفرقاء الأزمة لتحسين معيشة الليبيين هو تقديمهم تنازلات، تفتح الطريق لإجراء الانتخابات، وتشكيل حكومة موحدة بميزانية ورقابة، بدلاً من استمرار سجالهم حول الصلاحيات في أي قضية».

ويرى مراقبون مقربون من «الجيش الوطني» أن تصريحات الدبيبة تستهدف مشروعات «صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا»، الذي يرأسه بالقاسم حفتر، بينما عدّ مؤيدو حكومة «الوحدة» أن ما ذكره الدبيبة محاولة لكشف مصير الأموال الليبية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here