أفريقيا برس – ليبيا. قام رئيس أركان القوات البرية بالجيش الليبي الفريق صدام حفتر، بزيارة إلى دولة باكستان، في توقيت دقيق تمر فيه ليبيا بمرحلة إعادة ترتيب للقدرات العسكرية والمؤسسات الأمنية، وسط تحديات داخلية وخارجية متعددة.
وشهدت الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في مجالات التدريب والتأهيل وغيرها، بالإضافة إلى تشكيل لجان تنسيق مشتركة لمتابعة تنفيذ البرامج المتفق عليها، وتعزيز تبادل الخبرات بين البلدين.
اتفاقات مهمة
من جانبه، قال المتخصص في شؤون الأمن القومي فيصل بوالراقية، إن “الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس أركان القوات البرية الليبية إلى باكستان، شهدت توقيع اتفاقيات مهمة شملت التعاون في مجالات التدريب العسكري وتبادل الخبرات ومكافحة الإرهاب، إلى جانب بحث فرص التعاون المستقبلي في الصناعات الدفاعية، وبشكل خاص، في مجال تطوير القدرات القتالية للقوات البرية الليبية”.
وأوضح بوالراقية أن “لجانًا عسكرية مشتركة تم تشكيلها خلال الزيارة، سوف تتولى إعداد برامج تدريبية مستدامة وتنسيق زيارات متبادلة وتدريب كوادر ليبية، وفقا لمعايير احترافية عسكرية عالية، وذلك بإشراف مباشر من قيادات الأركان التي رافقت الوفد الليبي إلى باكستان”.
وأكد أنه “رغم استمرار الانقسام المؤسسي في ليبيا، فإن هذه الزيارة تعد خطوة عملية ومهمة لتطوير القدرات القتالية، لا سيما في المناطق الخاضعة لمجلس النواب في شرق وجنوب البلاد، إذ تمثل القيادة العامة الجيش الوطني الليبي”، مشيرًا إلى أن “هذا التطور يأتي في سياق بناء جيش نظامي محترف يستفيد من التجارب الدولية”.
وأضاف بوالراقية أن “هذه الزيارة تحمل بعدا استراتيجيا مهما، يتمثّل في تنويع الشراكات الدفاعية، إذ تسعى ليبيا إلى عدم الاكتفاء بشركاء تقليديين، بل الانفتاح على قوى إقليمية وعسكرية ذات خبرة واسعة مثل باكستان، التي تُعرف بتجربتها المتميزة في بناء جيش مهني قوي، وخبرتها المعروفة في مكافحة الإرهاب، وتطوير قطاعات الاستخبارات العسكرية والخارجية”.
واعتبر أن “القيادة الليبية تنظر إلى هذا التعاون كفرصة مهمة لتعزيز أمن الدولة، والمساهمة في إعادة بناء المؤسسات العسكرية الليبية على أسس احترافية، بعيدا عن الفوضى والتشكيلات غير النظامية، وبما يتماشى مع جهود تعزيز الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد”.
علاقات إقليمية
في السياق، قال الباحث في الدراسات الاستراتيجية محمد امطيريد، إن “أهم الاتفاقيات التي تم الاتفاق والحديث عنها خلال زيارة رئيس أركان القوات البرية الليبية إلى باكستان، تركزت على تطوير الصناعات العسكرية، خاصة الدفاعات العسكرية والتقنيات الحديثة ومجالات التدريب العسكري”، مشيرًا إلى أن “هذه المجالات تُعد ركائز أساسية لأي جيش يُراد له أن يتطور”.
وأوضح امطيريد أن “باكستان تعد من الدول المتقدمة في المجال العسكري وصناعة الأسلحة المتطورة، ولذلك فإن الاتفاقيات المبرمة معها تعد مهمة للغاية، وتشمل أكثر من محور، منها التعاون الدفاعي والصناعي والتدريبي والتقني، بالإضافة إلى التواصل اللوجستي بين الفصائل العسكرية”. واعتبر أن “هذه الاتفاقات تمثل إضافة نوعية للجيش الليبي، كما تشكّل تطورا مهما في العلاقات الإقليمية للبلاد”.
وأضاف أن “اللجان المشتركة بين الطرفين ستُعنى بتبادل الخبرات الأمنية والعسكرية، والتعاون في مجال تطوير الصناعات الحربية، وتقديم الاستشارات الأكاديمية التقنية العسكرية، إلى جانب البرامج الاستخباراتية، كما تشمل مجالات التعاون أيضا حماية الحدود البحرية وأعماق البحار، وتطوير الأمن البحري، ومكافحة الإرهاب”، مؤكدًا أن “لدى باكستان خبرة كبيرة وناجحة في هذه الملفات، ما يجعل التعاون معها إضافة استراتيجية كبيرة للجيش الليبي”.
واعتبر امطيريد أن “هذه الخطوات ستمنح الجيش الليبي مكانة دولية وإقليمية متقدمة، وتسهم في تعزيز قدراته على مختلف المستويات”.
وفيما يتعلق بالوضع العسكري في ليبيا، شدد امطيريد على أنه لا يرى “وجود انقسام عسكري فعلي”، مؤكدًا أن “الجيش الليبي هو جيش نظامي تم تأسيسه عبر البرلمان الليبي، ويخضع لقيادة واحدة”.
وأردف: “هذا الجيش يتمتع بخبرة واسعة، ويملك عتادا متطورا، وله دفاعات قوية، ويُسيطر على مساحة جغرافية كبيرة تُقدّر بنحو 70% من الأراضي الليبية”.
وأوضح أن “العناصر العسكرية في ليبيا مكتملة، وأن ما يُثار عن وجود انقسام عسكري ليس دقيقا، بل إن هناك تشكيلات مسلحة في غرب البلاد تزعم تبعيتها لوزارة الدفاع، وهي تشكيلات مستقلة لا تخضع فعليًا لتعليمات القيادة العسكرية هناك”.
وأكد أن “الجيش التابع للقيادة العامة هو جيش موحد، يُسيطر على الحدود الرئيسية، ومدن واسعة، إضافة إلى تأمين الثروات النفطية في البلاد، ويتعامل مع مؤسسة عسكرية موحدة ومنظمة”.
وفيما يخص الجانب الباكستاني، أوضح محمد امطيريد، أن “باكستان دولة ذات تجربة عسكرية عميقة، فقد كانت في السابق تابعة استراتيجيا لأمريكا، لكنها اليوم دولة مستقلة ذات تأثير إقليمي واسع، وتعد قوة عسكرية يُحسب لها الحساب في المنطقة، وتمتلك جيشا مدربا وقويا”.
وأكد أن “هذه الزيارة ستثمر استفادة كبيرة للجيش الليبي من خلال الاطلاع على الخبرات العسكرية الباكستانية، وتنظيم المناورات البحرية المشتركة، والتعاون في مجالات الأمن والاستخبارات”، وقال إن “الجيش الليبي أثبت نفسه على كافة المستويات، وهذه الزيارة ستُضيف له زخمًا جديدًا يعزز مكانته واحترافيته”.
وأكد على أن “هذه الزيارات موفقة، وستخلق شراكات استراتيجية وخبرة كبيرة بين البلدين، مما يمثل إضافة كبيرة ومهمة للجيش الليبي في هذه المرحلة الحساسة من تاريخه”.
خطوات مهمة
قال المحلل السياسي الليبي عبد الله الديباني، إن “زيارة رئيس أركان القوات البرية الليبية إلى باكستان، أثمرت عن توقيع مذكرات تفاهم مهمة في مجالات التدريب العسكري، تبادل الخبرات والأمن السيبراني ومكافحة الإرهاب، إضافة إلى فتح آفاق التعاون في الصناعات الدفاعية الخفيفة والمتوسطة”. وأوضح أن “هذه الخطوة تمثل تحوّلًا استراتيجيًا نحو بناء مؤسسة عسكرية مستقلة بعيدًا عن التبعية لأي طرف خارجي”.
وأشار إلى أن “الزيارة أسفرت عن تشكيل لجان عسكرية مشتركة دائمة، ستُعنى بوضع برامج تنفيذية للتدريب، وتنسيق عمليات التوريد والدعم الفني، فضلًا عن تقييم التعاون واستكشاف فرص نقل التكنولوجيا العسكرية الباكستانية إلى ليبيا”.
ورغم الانقسام القائم في المؤسسات العسكرية الليبية، رأى الديباني أن “هذه الزيارة تعبّر عن إرادة واضحة لدى أحد مكونات المؤسسة العسكرية في تحديث قدراته والانفتاح على شراكات مهنية غير منحازة”، مشيرًا إلى أن “باكستان تعد نموذجا ناجحا في بناء جيش قوي رغم ظروفها السياسية المعقدة”.
وأكد أن “الانفتاح على شراكات جنوب – جنوب، من هذا النوع، يعكس توجها وطنيا نحو تجاوز الاستقطاب الدولي، ويؤسس لمسار مهني لتوحيد المؤسسة العسكرية من القاعدة، عبر بناء كوادر مدرّبة ومنضبطة بعيدا عن الولاءات الجهوية”.
وشدد أن “هذه الخطوة تمثل تحركا ناضجا نحو بناء جيش وطني قوي يعزز السيادة، ويعيد الثقة في قدرة الليبيين على تطوير مؤسساتهم”، داعيًا إلى “دعم مثل هذه المبادرات باعتبارها ركيزة أساسية نحو ليبيا موحدة ومستقرة”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس
