مصريون عالقون في طرابلس يستغيثون للعودة إلى وطنهم

1
مصريون عالقون في طرابلس يستغيثون للعودة إلى وطنهم
مصريون عالقون في طرابلس يستغيثون للعودة إلى وطنهم

أفريقيا برس – ليبيا. يواجه المصريون العالقون في ليبيا الموت جراء طلقات النيران الطائشة المتبادلة بين الأفرقاء الليبيين ولحظات انتظار وصول طائرات إغاثة تقلّهم إلى القاهرة. “مش عايزين غير نرجع.. مش طالبين أكتر من كده”، بهذه الكلمات اختصر أحد المصريين العالقين في العاصمة الليبية طرابلس معاناة مئات غيره، تقطعت بهم السبل منذ اندلاع الاشتباكات الأخيرة، في وقت يبدو فيه الوطن بعيدًا، وصوت الرصاص أقرب من أي وعد بالإجلاء.

وتعيش طرابلس منذ أيام على وقع اشتباكات عنيفة بين جهاز الردع واللواء 444 قتال، خلفت قتلى وجرحى، وشلّت الحياة في العاصمة الليبية. وتوقفت الدراسة، وأُغلقت الطرق، وعلّقت حركة الطيران، تاركة مئات العائلات والمقيمين في قبضة العنف والعجز. ومن بين هؤلاء، مواطنون مصريون دخلوا إلى ليبيا بعقود عمل أو زيارات مؤقتة، فإذا بهم عالقون في بلد على حافة الانفجار.

ورغم صدور بيانات رسمية من وزارة الخارجية المصرية تحذر رعاياها وتطالبهم بـ”التزام منازلهم وتوخي الحذر”، إلا أن نبرة الاستغاثة القادمة من طرابلس تجاوزت التحذير، ووصلت إلى مناشدة عاجلة لإجلاء جماعي، كما حدث من قبل مع نجوم الرياضة المصريين. ففي خضم اشتباكات سابقة، تدخّلت السلطات المصرية لإعادة عدد من الرياضيين المصريين العاملين في الأندية الليبية، بينهم المدير الفني حسام البدري، واللاعب محمود عبد المنعم “كهربا”، عبر ترتيبات دبلوماسية عاجلة بالتنسيق مع وزارة الخارجية ووزارة الشباب. ورغم الترحيب بخطوة إنقاذ الرياضيين، إلا أن هذه السابقة فجرت شعورًا بالتمييز لدى المواطنين العاديين الذين ما زالوا ينتظرون رحلة العودة.

يتحدث أحد العالقين، قائلًا: “ننام على دوي الاشتباكات ونصحو على أخبار مطارات مغلقة. لا وسيلة اتصال بسفارة أو قنصلية. لا طائرات ولا وعود. أشعر كأننا عالقون في بقعة منسية من الخريطة”. وتضيف سيدة أخرى: “معي أطفالي، لا دواء ولا طعام كافٍ، نعيش على ما تبقى من مؤونة، ولا نعرف متى تنتهي هذه الأزمة، أو هل سنخرج منها أحياء”.

وتأتي هذه التطورات في ظل تصعيد سياسي وأمني خطير في ليبيا. فالصراع بين الأجهزة الأمنية الموازية في طرابلس لم يعد صراعًا على النفوذ فقط، بل بات تهديدًا مباشرًا لحياة المدنيين، وسببًا في زعزعة الاستقرار الهش الذي حاولت حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة الحفاظ عليه. تفجّر الوضع مع قرار الدبيبة بحل “جهاز الردع”، القوة ذات النفوذ العسكري الكبير، ما دفع الأخيرة إلى رد عسكري فوري أدى إلى اشتباكات أوقعت قتلى بينهم مدنيون.

وتحاول حكومة الوحدة إعادة فرض سيطرتها عبر الدفع بـ”قوة مكافحة الإرهاب” لتأمين الأحياء وإعادة الهدوء، بينما دعت وزارة الدفاع الليبية إلى وقف فوري لإطلاق النار. لكن تدهور الأوضاع انعكس فورًا على المطارات والمنافذ، وقطع أي أمل لدى العالقين بمغادرة المدينة في الوقت القريب.

ورغم أن القاهرة أعلنت “القلق البالغ” إزاء تطورات طرابلس، فإن الموقف المصري لم يتجاوز بيانات التحذير حتى اللحظة، ما يثير تساؤلات عن مدى قدرة الدولة على حماية رعاياها في أوقات الأزمات، خصوصًا في ظل علاقات معقدة مع الأفرقاء الليبيين، وتراجع تأثيرها المباشر في طرابلس بعد فتور علاقتها مع حكومة الدبيبة.

وفي وقت تتزايد فيه الدعوات إلى إنقاذ المواطنين العالقين، يجد المصريون أنفسهم ضحية لعوامل تتجاوزهم من سياسة متقلبة، واشتباكات لا تنتهي، ومطارات مغلقة أمام رحلات العودة.

ومن طرابلس إلى القاهرة، يرتفع الصوت ذاته: “نريد العودة”. صوت يعلو فوق الرصاص، وينفذ من الجدران المغلقة، في انتظار استجابة قد تأتي، أو قد لا تأتي. لكن ما هو مؤكد، أن مئات الأرواح الآن مرهونة بسرعة التحرك، قبل أن يتحول النداء إلى نعي، وتصبح طرابلس محطة أخيرة لا طريق منها إلى الوطن.

في شهادات مؤلمة تعكس حجم المعاناة، روى عدد من المصريين العالقين في العاصمة الليبية طرابلس تفاصيل أوضاعهم في ظل تصاعد الاشتباكات المسلحة، وغياب أي تحرك فعلي من جانب السلطات المصرية لإجلائهم أو توفير بدائل في حال تفاقم الأوضاع الأمنية.

اتصالات شبه معدومة من الجهات الرسمية المصرية

وقال محمد مكي، أحد العالقين، إن الاتصالات مع الجهات الرسمية المصرية شبه معدومة، موضحًا: “مافيش أي تواصل من السفارة المصرية معانا، وحتى رقم الهاتف الساخن اللي معلن عنه على صفحة وزارة الخارجية مش بيرد، ولو ردوا بياخدوا بياناتنا ويكتفوا بإعطاء إرشادات عامة”. وأضاف: “إحنا محتاجين خطة بديلة واضحة لو الأمور اتأزمت أكتر في الفترة الجاية. هنروح فين ونعمل إيه لو الاشتباكات زادت في العاصمة؟ بصراحة، إحنا مش عارفين نتصرف إزاي”.

من جهته، عبّر يوسف جمال عن القلق الذي يعيشه المصريون هناك يوميًا، قائلاً: “كل مرة بتحصل فيها اشتباكات، بحس إن الموت ممكن ييجي في أي لحظة، الضرب بيبقى عنيف ومن كل الاتجاهات. إحنا مش عايزين نخسر حياتنا، وفي نفس الوقت مش عايزين نخسر شغلنا وأرزاقنا اللي جينا عشانها”. وتابع: “إن شاء الله الأزمة تتحل قريب، لكن بنأمل إن مصر تكون مستعدة لإجلاءنا بسرعة لو الوضع خرج عن السيطرة”.

أما علي جمعة، فقد وصف الأوضاع النفسية بأنها لا تقل خطورة عن الوضع الأمني، وقال: “إحنا عايشين في ظروف نفسية صعبة جدًا بسبب غياب الإحساس بالأمان. التوقعات كلها رايحة للأسوأ، والشائعات اللي بتنتشر حوالينا زادت خوفنا. بقينا محبوسين في بيوتنا مش قادرين نخرج”. وأردف: “بنأمل إن السفارة المصرية تقوم بدورها وتتحرك علشان تحمينا وتحافظ على حياتنا وتساعدنا نعدي الأزمة دي بسلام”.

وتكشف هذه الشهادات حجم القلق الذي ينتاب المصريين في طرابلس، في ظل غياب خطة طوارئ واضحة من الجانب المصري، وتدهور الوضع الأمني في العاصمة الليبية مع استمرار الاشتباكات وغياب أي ضمانات بوقف قريب لإطلاق النار.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here