أفريقيا برس – ليبيا. خلاف جديد تتضح معالمه يوما بعد آخر بين مجلس النواب والأعلى للدولة. الجسمان المقترنان بالاتفاق السياسي الليبي والمناط بهما انجاز استحقاقات عديدة على رأسها القوانين الانتخابية والمناصب السيادية .
ففي الوقت الذي توافق فيه الطرفان على إنجاز قاعدة دستورية لتسيير الانتخابات التي من المتوقع أن تجري نهاية العام الجاري، غير مجلس النواب رأيه متخليا عن القاعدة الدستورية مصدرا تعديلا دستوريا جديدا أثار جدلا واسعا ورفضا شرسا .
ولم يتوقف مجلس النواب الليبي عند هذا الحد بل مارس سياسة الأمر الواقع مع نظيره مجلس الدولة من خلال نشره للتعديل في الجريدة الرسمية ليعتبر نافدا وفقا للقانون، بعد أن شعر بوجود رفض واسع لهذا التعديل من قبل عدد كبير من أعضاء مجلس الدولة.
وللحديث عن هذه الأحداث المتعاقبة ومناقشة التعديل الدستوري وتفاصيل تفاهمات المجلسين السابقة والحالية بشكل موسع حاورت “القدس العربي” عضو المجلس الأعلى للدولة نعيمة الحامي وهنا نص الحوار.
بعد أن توافق مجلس الدولة والنواب على المضي في طريق إصدار قاعدة دستورية، لماذا اتجه مجلس النواب إلى اعتماد تعديل دستوري بدلا عنها؟
نحن كأعضاء في المجلس الأعلى للدولة تفاجأنا جدا بالتعديل الدستوري الثالث عشر لأننا كنا نناقش ونسير في مسألة القاعدة الدستورية حسب الاتفاق في القاهرة بين اللجنتين، وكان موضع الخلاف يتركز في نقطتين فقط وهما ترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين للانتخابات، وتمت إحالة النقطتين للرئاسة وقد اتفقت الرئاستان على إحالتهما للقوانين الانتخابية، ولكن تفاجأنا بتعديل دستوري والمفاجأة الأكبر كانت بتصريح الناطق باسم مجلس النواب بمشاركة مجلس الدولة في هذا التعديل وقمنا بمواجهة رئيس المجلس الأعلى للدولة وقد اعترف بإرساله لشخصين وهما النائب الثاني عمر بوشاح والدكتور عادل كرموس، وقد شارك العضوان دون معرفة باقي الأعضاء والمقرر والنائب الأول، ولم يتم استشارتنا أو اشراكنا في الأمر.
بعد أن صوت مجلس النواب على التعديل الدستوري في جلسته تم تعديل بعض البنود بدون تصويت وإرساله لمجلس الدولة، وتعلقت بعض هذه البنود بشروط الترشح ما وجهة نظركم كمجلس دولة حيال هذا التعدي؟
بالفعل أساسا السبب الذي دعا أعضاء مجلس الدولة إلى معارضة هذا التعديل هي نصوص القوانين الموجودة وبالأخص في ما يتعلق بترشح الرئيس واختصاصاته واختصاصات مجلس الشيوخ وإقرار الميزانية ومن يختار الحكومة ولمن توكل هذه المهمة، ولم يمنع هذا التعديل ترشح متعددي الجنسية وهذا الأمر غريب ومريب، وهذه المواد تسببت في استياء أعضاء مجلس الدولة.
هل تستطيع مفوضية الانتخابات العمل بهذا التعديل وتنفيذ الانتخابات؟
لا للأسف المفوضية تنتظر قانونا للانتخابات ولا تنتظر قاعدة دستورية، التعديل الدستوري يمكن أن يصبح قاعدة دستورية ومنها ينطلق القانون، إذا المفوضية تنتظر في الوصول لمرحلة القانون.
وهناك اشكالية هي أن هذا القانون يستند على القاعدة الدستورية، الاشكالية الأكبر هي كيف سيصاغ هذا القانون؟ المفوضية من الممكن ان تعمل بأي قانون يأتيها ولكن نحن في مجلس الدولة ومن منطلق حرصنا على الدولة وعلى أهداف فبراير لن نقبل بأن نخرج دكتاتورا جديدا، وهذا التعديل لن ينتج إلا نظاما دكتاتوريا جديدا.
ما صحة وجود خلافات حادة بين أعضاء المجلس الأعلى للدولة حول التعديل الدستوري؟ وما الذي حدث يوم الخميس في الجلسة التي كان من المفترض أن يتم فيها التصويت عليه؟
ينقسم الأعضاء في مجلس الدولة إلى عدد من التيارات، هناك تيار رافض رفضا مطلقا لهذا التعديل، ويرى أننا قد ناقشنا القاعدة الدستورية وانتهينا من إعدادها وأن هذا التعديل مفخخ ويشددون على وجوب الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن، هناك تيار آخر يرى بأنه يمكن الاطلاع على هذا التعديل ومناقشته وتعديله وإبداء الملاحظات بدون رفضه بشكل مطلق، ومن يرى بضرورة مناقشة هذا التعديل وابداء الملاحظات عليه هي المجموعة المؤيدة والداعمة لرئيس مجلس الدولة خالد المشري، لأن الرئيس راض على التعديل وموافق عليه والدليل هو ارساله لأعضاء لحضور الجلسة.
ما حدث يوم الخميس هو أن الكتلة الرافضة للتعديل الدستوري رفض البعض منهم التوقيع لعدم إعطاء فرصة لقيام هذه الجلسة ولكي لا يتحقق النصاب، يعني لو وصلنا للنصاب الخميس وطرح الرئيس التعديل الدستوري كان من الممكن أن يمر هذا التعديل لأن الكتلة الداعمة للرئيس كبيرة، ولذلك رأت الكتلة الرافضة بأفضلية عدم انعقاد الجلسة حتى تتضح رؤية باتيلي بعد اجتماع مجموعة الاتصال الدولية حول ليبيا الذي عقد الخميس، ونجحت هذه الكتلة بالفعل في إفشال الجلسة.
وكان هناك معتصمون أمام مقر المجلس ولكنهم لم يعرقلوا عملنا ولم يمنعوا الأعضاء من الدخول بل على العكس فقد تناقشنا معهم ودخلنا للمجلس في ظل تواجدهم في الخارج وهم معتصمون سلميون وحق الاعتصام كفله القانون، وسبب تأجيل الجلسة هو عدم الوصول للنصاب.
هل نشر التعديل الدستوري على الجريدة الرسمية يعني أنه أصبح نافذا؟ وهل في ذلك إشارة لتخطي النواب لمجلس الدولة؟
مجلس النواب قام سابقا باتخاذ قرار يقضي بإحالة الجريدة الرسمية من وزارة العدل إلى مجلس النواب في التبعية، وقد تم الطعن في هذا القرار أمام المحكمة الدستورية وما زال الطعن قيد النظر ولم يأخد حكم حتى هذه اللحظة وقد تم نشر هذا التعديل منذ يوم الثلاثاء في الجريدة، وهذا عدم احترام للاتفاق السياسي، لان الأمور الدستورية حسب الاتفاق السياسي تتم بالتوافق بين المجلسين، النواب يعلمون بأننا سنعقد جلسة للتصويت ورغم ذلك قاموا بخطوة أحادية الجانب .
الآن يرى بعض الأعضاء ان لا فائدة من مناقشة التعديل الدستوري وعرضه بعد خطوة النواب بنشره على الجريدة الرسمية، وأساسا هذا التعديل غير قابل للتنفيذ، فمكان التنفيذ أين سيكون؟ بالطبع على التراب الليبي ومجلس النواب لا يملك سلطة على الغرب الليبي ومع رفض مجلس الدولة لهذا التعديل فلن يكون غير حبر على ورق .
ما فعله مجلس النواب يعتبر مخالفة ومجلس النواب لديه سوابق معنا في تعيين محافظ مصرف جديد، فعندما قام بالتصويت على ذلك واعتماده رسميا ورفض مجلس الدولة ذلك لم ينفذ ولم يعمل المحافظ رسميا لأن الخطوة تمت بمخالفة الاتفاق السياسي لذلك فهذا التعديل لن يرى النور.
أكد مجلس النواب والدولة في وقت سابق انهم سيعلنون عن خريطة طريق بتواريخ زمنية واضحة. ما متطلبات تنفيذ هذا المطلب، وهل تم المضي فعلا في طريقه؟
التقى المشري وعقيلة صالح سابقا في القاهرة وتم التوافق على تحديد خريطة طريق واضحة ولكن لماذا التقيا؟ التقيا بسبب عجز اللجان عن التفاهم في النقاط الخلافية في القاعدة الدستورية واتفقا على ان تحال هذه النقاط إلى القوانين الانتخابية أولا، ثانيا ضرورة استكمال مسار المناصب السيادية وقد سرنا بالفعل في هذا الإطار، وثالثا التوافق على سلطة تنفيذية جديدة لتقوم بتهيئة الدولة للانتخابات، ولكن عقب ذلك تفاجأنا بتصريحات لعقيلة صالح يقول فيها أن هذا كلام شفوي والاتفاق لم يكن رسميا، وثم أقر خالد المشري بذلك وقال بالفعل قدم لنا الاتفاق في ورقة مكتوبة ورفض عقيلة صالح التوقيع عليها، وهذه مشكلتنا الأزلية مع عقيلة صالح منذ سنوات ومن عهد نوري ابو سهمين وعبد الرحمن السويحلي، يلتقي معنا ونتوافق تم يتراجع عن كلامه.
لماذا مصر تحديدا ونحن نعلم توجه مصر من الأزمة الليبية وميلها الواضح لمعسكر الشرق؟
إجابة هذا السؤال واضحة، الجميع يعلم ان ليبيا منقسمة بين مصر وتركيا، مصر تسيطر على الشرق وسياسة عقيلة صالح تتماشى معها، ومجلس الدولة يبحث عن حل أو مخرج والمكان غير مهم بالنسبة لنا، نحن نريد حلا، ومشكلتنا مع عقيلة صالح، نوايانا صادقة نريد الوصول لحل، وحاولنا الانضمام لكافة المبادرات، ولكن عقيلة دائما يتراجع بعد التوافقات ولا يريد الوصول لحل منطقي.
القاهرة متدخلة كليا في الشأن الليبي، المشري أرسل نائبين للقاهرة قبل طرح التعديل الدستوري وعند النظر لصياغته سنجد أن هناك مفردات لا علاقة لها بمصطلحات القانون الليبي وهي مفردات مصرية، والتعديل تمت صياغته بالكامل في القاهرة.
رغم رفض مجلس النواب والدولة المشاركة في مبادرة الرئاسي جمع لقاء عقيلة صالح ومحمد المنفي بعد الإعلان عن رفض المبادرة بقليل في مصر، ما التفسير لذلك، إذا كان هناك توافق ما المانع في المشاركة؟
في ما يخص المنفي يجب أن نعود لملتقى الحوار واختصاصات المجلس الرئاسي، المنفي أول ما قام به عقب استلامه مهامه هو توجهه للقبة واجتماعه مع حفتر، يعني انه لا يتحرك إلا بتعليمات من حفتر، وهو أتى للعمل على المصالحة والعدالة الانتقالية التي ستمهد للانتخابات وهو تجاهل هذه القضايا نهائيا وخرج بمقترح ومبادرة بشكل فجائي وهذا خارج اختصاصاته لذلك رأينا أن هذا غير مناسب ويجب ان يعمل كل وفق اختصاصاته، وعندما حاول المنفي عقد مؤتمر للمصالحة رجوعا للعمل ضمن اختصاصاته رأينا جميعا من كان متواجدا من الأطراف السياسية، ومن طغى في هذا المؤتمر عن باقي الفئات، ولا أرغب في الخوض في هذا الموضوع، لذلك فالمنفي تأخر جدا في أداء مهامه وحاول ان يثبت وجوده بمبادرات لا علاقة لها بصلب تخصصه.
المشري وعقيلة أكدا سابقا على وجود توافق حول تشكيل حكومة جديدة للسير في إطار تحقيق الانتخابات، كيف تم قياس هذا التوافق، هل تم القيام بتصويت داخل قاعة المجلس؟
نحن صوتنا بالفعل وهذه هي خريطة الطريق التي التقى بها المشري وعقيلة في القاهرة، وقد طرح المشري هذه الخريطة بالتفصيل بما فيها البند الثالث وهو بند السلطة التنفيذية وتم التصويت في القاعة على السير في هذه المسارات بالتوازي وليس بالتوالي وقد تم طرح الخيارين.
يعني تم طرح المسارات الثلاثة القاعدة الدستورية، المناصب السيادية، والسلطة التنفيذية وانا قمت بالتصويت على السير في هذه المسارات بالتوالي. التوالي يعني اتمام كل مسار على حدة ثم البدء في الآخر، التوازي يعني السير في كل المسارات مع بعضها البعض. وتم اختيار التوازي وقد سعت كتلة كبيرة في المجلس للوصول لذلك، وهم يرون ان الانتخابات لن تتم بوجود حكومتين في الشرق والغرب وان البلاد تحتاج لحكومة واحدة تبسط سيطرتها على كافة المناطق بليبيا دون استثناء.
إذا تم تشكيل سلطة تنفيذية جديدة هل ستخضع الحكومتان الموجودتان بالفعل لذلك؟ هل هناك احتمالية بعدم القبول؟
الدبيبة يقول ويكرر لن أسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة، يعلم جيدا وكلنا نعلم بأنه جاء بتوافق سياسي عقب تشكيل ملتقى حوار بتونس، واستلم السلطة من رئيس أيضا جاء بتوافق سياسي وهو السراج، يعني أن السلطتين لم تنتخبا من قبل الشعب، وما يقوم به الدبيبة هو فقط تلاعب بالمصطلحات ودغدغة للمشاعر، فقد جاء الدبيبة لسنة ونصف لإجراء الانتخابات وقام بأعمال لم يكن سيقوم بها حتى الرئيس المنتخب.
لذا نحن نؤمن بأنه لو تم تشكيل لجنة حوار جديدة ووضعت هذه اللجنة خريطة طريق جديدة وحكومة جديدة سترضى السلطات الموجودة بالأمر الواقع وستخضع ولكن من الضروري ان تكون اللجنة جديدة.
كثيرون في وسائل الإعلام قالوا برفض باتيلي لتشكيل حكومة جديدة، ما صحة ذلك؟
هذا الادعاء خاطئ تماما، بل ان باتيلي يسعى لتشكيل لجنة حوار جديدة وتنظيم ملتقى جديد لا علاقة له بالقديم، ووضع معايير لاختيار المنظمين لهذا الملتقى، بمشاركة مجلس النواب والدولة، وسيسعى هذا الملتقى إلى تشكيل حكومة وخريطة طريق وتحديد موعد جديد للانتخابات.
مجلس النواب اتهم مجلس الدولة بعرقلة ملف المناصب السيادية ما رد مجلس الدولة على هذه الاتهامات؟ وما الخطوات المتوقعة أو القريبة القادمة في إطار اتمام تنفيذ هذا المسار خاصة في ظل ارتهان هذه المناصب للدبيبة الآن؟
مجلس النواب يسعى للظهور في صورة البطل وعندما عرقلنا ملف المناصب السيادية كانت لدينا أسباب، وقد فتحنا الباب لكل من يرى في نفسه القدرة لشغل هذه المناصب وحسمنا الأمر وصوتنا في جلسة معلنة كاملة النصاب على السبعة المترشحين لكل منصب وفق ما نص عليه اتفاق أبو زنيقة، وأسماء المترشحين الآن لدى مكتب النائب العام لاحالتهم دون أي غبار أو أخطاء أو شبهات على أي شخص وفي انتظار كلمة النائب العام النهائية، ولكن للأسف عقيلة صالح عندما رأى وعلم بأننا قد سرنا في ملف المناصب السيادية وأنجزناه وضع أمامنا التعديل الدستوري ليضعنا في منزلة المعرقلين مجددا.
على صعيد الحديث عن حكومة الدبيبة… حكومة الدبيبة تصرف استنادا على قانون من 1/12 ولكن نحن نعلم ان هذا القانون لا يخول الحكومة بالصرف لهذا الحد، ما هو موقف المجلس من ذلك؟
الذي شجع الدبيبة للصرف لهذا الحد والانسجام لهذا الحد هو التناغم الكبير بينه وبين محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، وقد أصبح الصديق الكبير مرافقا للدبيبة حتى في زياراته البسيطة واحتفالياته، وغياب مجلس النواب عن دوره الرقابي الفعلي عن الحكومة وانشغاله في الانقسام السياسي هو ما خلق بيئة مناسبة للدبيبة للعمل براحة دون رقيب ولا حسيب، لو التزم محافظ مصرف ليبيا المركزي بمهامه أيضا وبمسؤولياته لما تصرف بهذا الشكل مع الدبيبة وقد رأينا كيف أغلق الصديق الكبير الباب سابقا أمام حكومة السراج للصرف وأوقف حتى المرتبات، وقام الدبيبة بالصرف بهذه السياسة لسنتين وتوافق المحافظ معه في السياسة والتوجه والإجراءات وهذا ما دعانا إلى التشديد على ضرورة تغيير السلطة التنفيذية بشكل سريع للحد من الفساد القائم.
المصدر: القدس العربي
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس