تحت غطاء الانقسام.. عملات مزورة والنظام النقدي للبلاد في أزمة

3
تحت غطاء الانقسام.. عملات مزورة والنظام النقدي للبلاد في أزمة
تحت غطاء الانقسام.. عملات مزورة والنظام النقدي للبلاد في أزمة

أفريقيا برس – ليبيا. في ظل وضع اقتصادي هش، وانقسام سياسي مستمر ألقى بظلاله على مؤسسات الدولة السيادية، تتفاقم أزمة تزوير العملة في ليبيا، لتكشف عمق الخلل في النظام النقدي والمالي للبلاد.

وأثار الكشف المتأخر عن مليارات الدنانير المزورة، وغياب الشفافية في التعامل معها، موجة من القلق لدى الشارع الليبي، وزاد من تآكل الثقة في مصرف ليبيا المركزي.

ويرى خبراء اقتصاديون أن هذه الفضيحة ليست مجرد حادثة معزولة، بل نتيجة طبيعية لحالة الانقسام المؤسساتي، وغياب الرقابة، والسياسات النقدية غير المنضبطة.

عمق الأزمة الاقتصادية

قال الأكاديمي والخبير الاقتصادي الليبي علي الشريف، إن “قضية تزوير مليارات الدينارات الليبية تمثل واحدة من أخطر التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني”، مشيرا إلى أن “العملية تمت عبر ضخ كميات ضخمة من العملة المزورة من قبل جهات مجهولة، مستغلة حالة الانقسام السياسي والوجود الموازي لمصرفين مركزيين في كل من طرابلس والبيضاء”.

وأوضح الشريف أن “هذا الانقسام خلق بيئة خصبة لتمرير العملة دون رقابة مركزية موحدة، ما سهّل تحركات شبكات التهريب والتزوير، سواء من الداخل أو الخارج”.

وأكد أن “تدفق هذه الأموال غير الشرعية إلى السوق المحلي أسهم بشكل مباشر في تضخم الكتلة النقدية دون أي غطاء اقتصادي حقيقي، وهو ما أدى إلى تفاقم معدلات التضخم، وانخفاض قيمة الدينار الليبي، وارتفاع الأسعار بشكل لافت”.

وأشار الشريف إلى أن “تداعيات الفضيحة لم تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل شملت أيضا زعزعة ثقة المواطنين بالمؤسسات المالية، لا سيما في ظل تضارب السياسات النقدية وغياب الشفافية والمحاسبة”.

وأضاف الخبير الاقتصادي الليبي أن “مصرف ليبيا المركزي في طرابلس مطالب اليوم بتكثيف الرقابة، وتفعيل أدوات كشف التزوير، والتعاون مع جهات دولية لتحديد مصدر العملات المزوّرةط، مؤكدا “أهمية تسريع خطوات توحيد المؤسسة النقدية كخطوة أساسية لاستعادة السيطرة على السياسة النقدية”.

وعلى الصعيد الدولي، أشار علي الشريف إلى أن “الحادثة أثرت سلبا على سمعة النظام المصرفي الليبي، وأثارت مخاوف وتحفظات من المؤسسات المالية العالمية، الأمر الذي قد يعرقل أي مساع للحصول على دعم مالي أو فني من الخارج في الوقت الراهن”.

أسباب متعددة

من ناحيته، قال الخبير في الشأن الاقتصادي علي المحمودي، إن “ملف تزوير العملة الليبية لا يمكن عزله عن بيئة الانقسام السياسي والضبابية المالية التي تعيشها البلاد منذ سنوات”، مشيرًا إلى أن “المصرف المركزي تأخر لأكثر من شهرين في الإعلان عن تفاصيل التزوير، رغم الضغوط التي مارسها صحفيون وخبراء اقتصاديون لكشف الحقيقة بشأن الزيادة غير المنطقية في الأرصدة، خاصة من فئة الخمسين دينار، التي سبق سحبها رسميًا من التداول”.

وأوضح المحمودي أن “المعطيات تشير إلى أن الكمية المطبوعة فعليا من هذه الفئة كانت 13 مليار دينار، إلا أن المصرف المركزي استلم أكثر من 16 مليار، ما يطرح تساؤلات خطيرة حول كيفية دخول هذه الكمية الزائدة ومن يقف وراءها”.

وأضاف أن “عملية استلام العملات غير المجدولة بهذا الشكل تعد خطأ جسيما ارتكبه المصرف المركزي، وكان من المفترض أن يعتمد على آليات دقيقة لكشف التزوير أثناء الإيداع، على رأسها تتبع الأرقام التسلسلية”.

وأكد أن “الجهات المختصة بالكشف عن المسؤولين عن عملية التزوير هي النيابة العامة والجهات القضائية وخبراء الأدلة الجنائية، لكن غياب الشفافية من قبل المصرف المركزي وامتناعه عن كشف التفاصيل حتى الآن، يزيد من الشكوك ويضعف ثقة المواطن في المنظومة النقدية”.

ورغم تأثير العملات المزوّرة على السوق، يرى علي المحمودي أن “السبب الأعمق للأزمة لا يقتصر على التزوير فقط، بل يتمثل في سياسة التوسع النقدي التي اعتمدها مصرف ليبيا المركزي، والتوسع في الإنفاق دون ضوابط أو إطار هيكلي واضح”.

وقال المحمودي: “المصرف تصرف كأنه ذراع مالي للحكومات، لا كجهاز مستقل، مما أدى إلى ارتفاع حجم النقود من 143 مليار دينار قبل 2023 إلى أكثر من 170 مليار حاليا، وهو ما فاقم التضخم وساهم في تدهور قيمة الدينار، وارتفاع الأسعار، وانهيار القدرة الشرائية للمواطن”.

وأشار المحمودي إلى أن “المصرف تجاهل مرارا نصائح وتحذيرات خبراء اقتصاديين محليين ودوليين، بالإضافة إلى تقارير ومِنح قدمتها مؤسسات دولية، لكنه واصل العمل بشكل منفصل عن المصلحة الوطنية، متجاهلا خطورة تداعيات الأزمة، مما فاقم حالة فقدان الثقة في القطاع المصرفي، ودفع كثيرين للعزوف عن إيداع أموالهم في البنوك”.

كما أكد أن “المسؤولية لا تقع فقط على عاتق المصرف المركزي، بل على النظام السياسي برمّته”، قائلا: “الانقسام السياسي أتاح لحكومات موازية طباعة عملات خارج الإطار الرسمي، والإنفاق الموازي زاد من تعقيد الأزمة، والحل الجذري يبدأ بإنهاء هذا الانقسام لتوحيد السياسات النقدية والمالية”.

وختم الخبير في الشأن الاقتصادي على المحمودي، بالتنبيه أن “النظام المصرفي الليبي في وضع “منهار” بحسب تقارير دولية”، محذرا من أن “استمرار تهريب الأموال عبر ليبيا لا يخدم فقط الفساد، بل يدعم الجريمة المنظمة والتنظيمات الإرهابية على مستوى العالم، خاصة من خلال الاعتمادات المستندية التي تُستخدم كوسيلة لغسيل الأموال، وخلق أرقام خيالية تذهب إلى جهات مشبوهة، مما يُعمق فقدان الثقة في قدرة المصرف المركزي على إدارة احتياجات السوق بشكل فعّال وشفاف”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here