أفريقيا برس – ليبيا. رغم توقف الصراع المسلح في ليبيا والذي ظهر في فترات متفاوتة على مدار العشر سنوات الماضية، لم تتوقف الانتهاكات المفجعة ضد حقوق الإنسان، حيث ما زالت قضايا القتل الجماعي والمقابر والألغام لم تقفل فضلاً عن قضايا جديدة ما زالت تفتح يومياً، وجرائم تسجل بلا محاسبة تذكر.
وفي ظل المحاولات الجدية لصناعة بداية جديدة للدولة الليبية بمبادرات عدة، إلا أن التحذيرات من احتمالية إعاقة تحقيق هذا الهدف ما زالت تتزايد بسبب الانتهاكات المسجلة ضد حقوق الإنسان.
حيث قال رئيس بعثة تقصي الحقائق في ليبيا، محمد أوجار، إن المحققين اكتشفوا المزيد من الأدلة على انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في البلاد التي أعلنوا عنها لأول مرة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وأضاف في كلمة له خلال الدورة 49 لمجلس حقوق الإنسان، أن هذه الانتهاكات ضد المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء مفصلة في تقرير سيقدم إلى المجلس الأربعاء القادم، مشيراً إلى أن هناك معلومات جديدة تفيد بوجود 20 مركز احتجاز رسمياً وغير رسمي وسجون سرية تسيطر عليها ميليشيات مسلحة.
وأوضح «أوجار» أن التوترات لا تزال مرتفعة اليوم بعد تأجيل انتخابات 24 كانون الأول/ ديسمبر مع استمرار وجود حكومتين متنافستين، لافتاً إلى أنه في ظل هذه الخلفية استمر العنف والانتهاكات والتجاوزات للقانون الدولي لحقوق الإنسان، قائلاً إن ذلك يمكن أن يعرقل انتقال ليبيا إلى السلام والديمقراطية وسيادة القانون.
وأكد «أوجار» أن الأمر المثير للقلق أيضاً هو الإفلات المستمر من العقاب على الاعتداءات على السياسيات، مما يقوض المشاركة السياسية الهادفة للمرأة وفق تعبيره، مضيفاً أنه كانت هناك هجمات على منظمات المجتمع المدني والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين في ليبيا.
وفي السياق، فقد أكدت بعثة تقصي الحقائق في ليبيا على وجود أدلة مقنعة على وقوع جرائم قتل جماعي في مدينة ترهونة، والتي تعتبر مؤشراً قوياً على انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي على نطاق واسع.
وكشفت في تقرير لها أنها واصلت التحقيق في هذا الملف، وحققت في اختطاف عام 2017 للمدعي العام المحلي في ترهونة الذي كان يحاول تشكيل ملف ضد شركاء من عائلة الكاني، ولا يزال مفقوداً إلى الآن ولم تفتح السلطات المحلية تحقيقاً في هذا الحادث إلا في 2019 بعد مغادرة الكانيات ترهونة، دون إحراز تقدم يذكر حتى الآن.
وتابعت بعثة تقصي الحقائق إلى أنها حققت أيضاً في احتجاز وتعذيب واختفاء قسري وقتل رجلين في مدينة ترهونة، وقالت إن هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بأن عملية التصفية كانت بسبب دعمهما لأحد الفصائل المتحاربة حيث تم احتجاز الرجلين عند نقطة تفتيش وتعرضوا للتعذيب والقتل في نهاية المطاف.
وأضافت أن أحد الرجلين توفي على الفور بسبب التعذيب، بينما احتجز الثاني بمعزل عن العالم الخارجي لمدة 8 أشهر قبل إعدامه، وعثر على جثته في مقبرة جماعية بثلاث رصاصات في الرأس، مشيرة إلى أن أفراد عائلتهما تعرضوا للمضايقات من قبل المسيطرين على مدينة ترهونة. وحول هذا الموضوع، قال مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إن ليبيا تمر بمرحلة حرجة تشهد انتهاكات خطيرة ومستمرة لحقوق الإنسان، وانتشار ثقافة الإفلات من العقاب في مختلف أنحاء البلاد مما يعيق قدرة الشعب الليبي على الانتقال إلى السلام والديمقراطية وسيادة القانون، وفق مجموعة من خبراء حقوق الإنسان.
وأوضح التقرير أن الانتهاكات طالت السلطة القضائية باعتبارها الجهة الضامنة لحقوق الإنسان، إضافة إلى الانتهاكات الجماعية ضدّ الفئات المستضعفة، مثل المهاجرين والنساء والناشطين السلميين والمحتجزين.
وتحدث خبراء البعثة عن نمط الهجمات ضد العاملين في المهن القضائية ومكاتب الادعاء العام والمحاكم، موضحاً أن هناك ضعفاً مطرداً في قدرة القضاء على إجراء محاكمات شفافة وفعالة.
وعن الفترة التي سبقت انتخابات كانون الأول/ ديسمبر الماضي، قال الخبراء إن ليبيا شهدت حالات عنف ضد السلطات القضائية، لا سيما على محكمة سبها، مشددين على أن إعاقة قدرة القضاء في ليبيا بالترهيب والعنف، تشكل عقبة أمام انتقال الضحايا الليبيين إلى نظام ديمقراطي.وأوضحت لجنة تقصي الحقائق في تقريرها أنها وثقت بالأدلة أكثر الانتهاكات المنهجية التي قد ترتقي لجرائم ضد الإنسانية في 20 سجناً رسمياً وغير رسمي بمناطق ليبيا الثلاث، مؤكدة توصلها لأدلة تشير إلى مئات الحالات على عدم تنفيذ الأوامر القضائية في سجون معيتيقة والكويفية وقرنادة.
وعن الانتهاكات السابقة قالت اللجنة إنها لا تملك معلومات عن عضو مجلس النواب سهام سرقيوة منذ اختطافها من منزلها ببنغازي، محملة السلطات المحلية مسؤولية حمايتها، ومشيرة في الوقت نفسه إلى أنه لم يحاسب أحد حتى الآن، على مقتل الناشطة حنان البرعصي التي أطلق عليها النار في بنغازي، بل على العكس من ذلك أولاد الضحية هم الوحيدون الذين سجنوا.
وأفادت البعثة وفق التقرير بأنها توصلت إلى أسباب معقولة للاعتقاد بانتهاك القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في عدة مرافق احتجاز سرية في ليبيا، وأنها تحقق في تقارير تفيد بانتهاك حقوق الإنسان في عدد من السجون التي أُعلن عن إغلاقها، لكن يُزعم أنها لا تزال تعمل سراً، ووجدت أنّ السلطات لم تنفّذ الأوامر القاضية بإطلاق سراح المحتجزين في حالات عدّة.
وتحدثت البعثة عن تقريرها السابق قائلة إن الانتهاكات بحقّ المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء في ليبيا قد ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية، وإنها مستمرة منذ ذلك الحين في توثيق أنماط متّسقة من القتل والتعذيب والأفعال غير الإنسانية، والاغتصاب والاضطهاد والاسترقاق.
وتحدث الخبراء عن عدّة أحداث مقلقة حصلت في الفترة التي سبقت كانون الأول/ ديسمبر 2021، وأدتْ إلى التشكيك في قدرة الحكومة وسلطات الأمر الواقع على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بضمان حريتيْ التعبير والتجمع للشعب الليبي، وتتضمن هذه الأحداث ما ورد من أنباء عن اعتقال الجماعات المسلحة لأفراد من سرت واحتجازهم، بسبب إبداء آرائهم حول الانتخابات أو دعمهم لمرشحين محددين.
واشار تقرير البعثة إلى عدد من القوانين والأنظمة التقييدية، بما في ذلك قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية الذي صادق عليه مجلس النواب في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، مؤكداً أنها قوانين تسهم في إسكات المجتمع المدني والصحافيين.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس