أفريقيا برس – ليبيا. أشعل الإعلان عن تشكيل «ترويكا» في العاصمة طرابلس، تضم المجلس الرئاسي ورئيسَي «الأعلى للدولة» والحكومة، الصراع السياسي في ليبيا، وفتح الباب أمام إمكانية المطالبة بـ«الحكم الذاتي» في شرق البلاد (إقليم برقة).
ومنذ أن كشفت سلطات طرابلس، ممثلة في المجلس الرئاسي بقيادة محمد المنفي، ورئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، عن تأسيس «الهيئة العليا للرئاسات»، بوصفها إطاراً تنسيقياً يشكّل السلطة السيادية العليا، والبلاد تعيش حالة غليان سياسي.
وسارع أسامة حمّاد، رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب في شرق ليبيا، إلى رفض تشكيل هذه الهيئة، وعدّها «عملاً منعدماً دستورياً وقانونياً»، في حين ذهب نشطاء سياسيون إلى اعتبار هذا الإجراء «تجاوزاً للاتفاقات السياسية» المتعلقة بصلاحيات المجلس في ليبيا.
«عديم سند دستوري»
قال حمّاد في بيان أصدره مساء الخميس إن هذا الإجراء «عديم السند الدستوري ومنعدم الأثر من لحظة الإعلان عنه»، وإن «كل ما ينتج عنه من قرارات، أو توزيع أدوار، أو محاصصات، لا يعتدّ به ولا يرتب أي مركز قانوني لأحد، ولا يكتسب أي قيمة أمام مؤسسات الدولة».
وتهدف هذه الهيئة، وفقاً للأجسام الثلاثة، إلى «توحيد القرار الوطني في القضايا الاستراتيجية وتعزيز التنسيق بين المؤسسات، دون إنشاء أي كيان جديد أو أعباء هيكلية»؛ وذلك عبر اجتماعات دورية وطارئة لتحديد المواقف المشتركة، وتوحيد السياسات الرسمية للدولة الليبية.
وأكدت الرئاسات في بيانها أن هذه الخطوة تأتي «استجابة لمقتضيات المرحلة السياسية الراهنة»، ودعت باقي المؤسسات السيادية إلى الانضمام إليها، بما يعزز الاستقرار ويحمي السيادة والمصالح العليا للدولة.
وتزامن قرار المنفي والدبيبة وتكالة مع أحاديث غير رسمية في أنحاء البلاد عن إمكانية تعيين «قائد عام للجيش» في غرب ليبيا في مواجهة حفتر، إضافة إلى إقدام الدبيبة على إقالة رئيس جهاز المخابرات حسين العايب.
غير أن حمّاد يرى أن الأجسام الثلاثة التي شكّلت هذه الهيئة «لا تمتلك سلطة إصدارها أو الاتفاق عليها»، محذراً من أن هذا الإجراء «يهدد وحدة الدولة، ويمس استقرارها المؤسسي، ويعد سلوكاً معطلاً للمسار الانتخابي، وافتعالاً لأزمة دستورية خارج القانون».
ونوّه بأن «الإعلان الدستوري وتعديلاته، بصفته المرجعية العليا لتنظيم السلطة، حصر اختصاص إنشاء الهيئات السيادية وتعديل البنية القيادية للدولة في السلطة التشريعية حصرياً، وهي البرلمان، ومنع أي جهة تنفيذية أو استشارية من استحداث أجسام موازية أو منافسة للسلطات القائمة».
وخاطب حمّاد المجتمع الدولي، ودعاه إلى عدم الاعتراف بأي مخرجات، أو ممثلين، أو توصيفات، تنجم عن هذا الكيان، واحترام المرجعية الدستورية التي تنظم السلطة في ليبيا، كما طالبه بـ«دعم الحلول التي تستند إلى الشرعية فقط، ومراجعة عمل البعثة الأممية التي اتجهت إلى خيارات التمويل الخارجة عن المؤسسات الدولية».
وشدد حمّاد على أن هذه الهيئة «تهدد استقرار ليبيا»، وتعد سلوكاً معطّلاً للمسار الانتخابي، مضيفاً أن حكومته تدعو إلى الإسراع في إنجاز الانتخابات الرئاسية، وإلا فإن «خيار المطالبة بالحكم الذاتي سيكون مطروحاً بشكل واضح وعاجل».
ومنذ إعلان الرؤساء الثلاثة عن الهيئة لم يُعقّبوا على حديث حمّاد المعبر عن موقف سلطات شرق ليبيا، لكن ليبيين كثيرين تفاعلوا مع هذا القرار، الذي ينظر إليه الموالون لسلطات الشرق على أنه يدفع البلاد إلى «مزيد من الانقسام السياسي».
«فزاعة حفتر»
انتقد الحقوقي الليبي ناصر الهواري، الداعم لـ«الجيش الوطني»، تشكيل الهيئة، متسائلاً في استنكار: «أين وجدتم اسم (الهيئة العليا للرئاسات)؟… جسم جديد غير موجود في أي هيكلية أو تصور للمؤسسات الليبية».
ويرى الهواري أن الهدف من هذه الخطوة «شرعنة بقاء هذه الأجسام الثلاثة في السلطة»، موضحاً: «حفتر هو الفزاعة التي جعلتهم يتحركون بعد موجة التأييد، وخوفهم من تنامي المطالب الشعبية التي تطالبه بتولي رئاسة ليبيا»، في إشارة إلى المشير خليفة حفتر، الذي استقبل خلال الأسابيع الماضية عدداً من حكماء ومشايخ مناطق محسوبة على سلطة طرابلس.
بدوره، قال الصحافي الليبي إبراهيم المجبري: «في الوقت الذي ينتظر فيه الليبيون بارقة أمل تنقلهم من دوامة الانقسام المزمن إلى مسار الاستقرار، خرج الإعلان عن تأسيس (هيئة للرئاسات) ليضيف طبقة جديدة إلى المشهد السياسي المتشابك».
وأضاف المجبري أنه رغم ما حمله من «عبارات تطمينية» تتحدث عن «توحيد القرار الوطني» و«المنهجية المشتركة»، فإن القراءة المتأنية للإعلان تظهر أن الخطوة قد تكون أقرب إلى إعادة هندسة للنفوذ، أكثر من كونها مشروعاً جامعاً يوحد المؤسسات ويعيد الثقة المفقودة.
ويرى المجبري أن تشكيل هيئة ثلاثية تضم طرفاً واحداً من أطراف النزاع السياسي «يكرس واقعاً موازياً، ويمنح كل من يعارضه مبرراً لتشكيل أجسام مقابلة، وهذا بالضبط ما قاد ليبيا في السنوات السابقة إلى تشظي قدرتها على صناعة القرار، وتحول الدولة إلى أرخبيل من السلطات المتوازية والمتصارعة».
برقة وفزان وطرابلس
يتخذ الانقسام بين غرب ليبيا وشرقها طابعاً بنيوياً يتجاوز الخلاف السياسي إلى صراع على إدارة الدولة نفسها؛ إذ يمتلك كل طرف مؤسسات وأجهزة ودوائر نفوذ تعمل بمنأى عن الآخر، علماً أنه يوجد تيار واسع في ليبيا يدعو منذ سنوات إلى تقسيمها إلى ثلاثة أقاليم كما كانت، وهي: برقة (بنغازي) وفزان (الجنوب) وطرابلس.
وهذا التشظي خلق اقتصادين متوازيين، ورؤيتين مختلفتين للسلطة والموارد، ما جعل أي محاولة للتسوية تصطدم بحسابات مراكز القوة أكثر من كونها خلافاً حول السياسات.
ونتيجة لذلك، تحوّل الانقسام من أزمة عابرة إلى واقع ثابت يعيد إنتاج التوتر كلما اقتربت الأطراف من تسوية أو تفاهم يمهّد له حوار ترعاه الأمم المتحدة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس





