عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. تشهد العاصمة الليبية طرابلس تطورات ميدانية وأمنية خطيرة، نتيجة تصاعد التوتر بين التشكيلات المسلحة، التي أعقبت مقتل رئيس جهاز الدعم والاستقرار والهجوم على مقراته والتي أعقبها عملية جديدة تهدف لحل وتفكيك جهاز قوة الردع المتمركز في قاعدة معيتيقة شرق طرابلس وما تبع هذه التطورات الميدانية من احتجاجات شعبية واسعة النطاق، ترفع شعارات إسقاط الحكومة ومحاسبة المسؤولين تحويل العاصمة لساحة حرب وتصفية حسابات سياسية كما وصفها البعض.
في ظل هذه الظروف، خرج آلاف المواطنين في مظاهرات، عبّروا فيها عن رفضهم للوضع القائم، متهمين الحكومة بالفساد والخيانة والعمالة، ومطالبين بإخراج كافة التشكيلات المسلحة من المدينة، والدعوة لعصيان مدني شامل. كما نددت عدة كيانات اجتماعية وسياسية بالوضع الراهن، محملين حكومة الوحدة الوطنية مسؤولية الانفلات الأمني وسفك الدماء.
خلال هذه التظاهرات، وثقت مقاطع مصورة إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، ما أدى إلى سقوط عدد من الجرحى بإصابات متفاوتة. وقد تمكنت مجموعات من المحتجين من اختراق الطوق الأمني المفروض على مبنى رئاسة الحكومة والتظاهر أمامه في محاولة للدخول إليه.
وفي هذا السياق، دعا ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى تصعيد الضغط الشعبي، وتكثيف المظاهرات، والمطالبة بإسقاط الحكومة بشكل فوري، مطالبين المجلس الأعلى للقضاء بالتدخل الفوري وتولي إدارة البلاد بشكل مؤقت، إلى حين إجراء انتخابات عامة.
كما صدر بيان مشترك من المجلس الاجتماعي لسوق الجمعة والنواحي الأربعة وقبائل ورشفانة وطوق طرابلس، طالبوا فيه عبد الحميد الدبيبة بالرحيل، محملين إياه مسؤولية الدماء التي سالت، وداعين إلى مظاهرات واسعة غدًا، إضافةً إلى مطالبتهم البعثة الأممية بإطلاق عملية سياسية شاملة تنتهي بتشكيل حكومة جديدة وانتخابات عامة.
في تصريح خاص لموقع “أفريقيا برس”، أوضح المحلل السياسي والأكاديمي الدكتور عبد الله الديباني أن قرارات وتصرفات رئيس الحكومة غير المدروسة أدخلت طرابلس في “منعرج خطير”، مشيرًا إلى أن البيانات التي صدرت من البلديات والمجالس الاجتماعية تُحمّل الحكومة كامل المسؤولية عما يجري.
وأضاف الديباني أن المجلس الرئاسي بدوره مسؤول أيضًا، لأن الهجوم الذي شنّه اللواء 444 — وهو تابع لرئاسة الأركان التي تتبع بدورها القائد الأعلى، أي رئيس المجلس الرئاسي — لم يكن من المفترض أن يتم دون الرجوع إلى الأخير، خاصة وأن الحالة تدخل ضمن ما يُعرف بحالة الطوارئ التي تستوجب التنسيق الأعلى.
وشدد الديباني على أن ما شهدته طرابلس من أضرار ودمار وسقوط قذائف على الأحياء السكنية والمباني العامة أدى إلى انفجار الغضب الشعبي، وأن سلوك الحكومة في محاولة قمع المتظاهرين بالرصاص الحي كان بمثابة “آخر مسمار في نعشها”.
وأشار إلى أن الوقت قد حان لتحمل مجلسي النواب والدولة مسؤوليتهما، داعيًا إلى عقد اجتماع مشترك في أي مدينة ليبية لا يشترط أن تكون بنغازي أو طرابلس، بهدف إسقاط الحكومة الحالية وتشكيل حكومة انتقالية ذات مهام محددة تتجه بالبلاد نحو انتخابات رئاسية وبرلمانية، محذرًا من أن استمرار الوضع الحالي قد يجر ليبيا إلى حرب شاملة مدمرة لا يعلم أحد من سيربح فيها أو يخسر.
ردود الفعل السياسية
وفي تدوينة له على “فيسبوك”، اعتبر عبد الحفيظ غوقة، نائب رئيس المجلس الانتقالي السابق، أن ما جرى في طرابلس “لا تُجدي معه معالجات شكلية كالتحقيقات أو تجميد القرارات”، مؤكدًا أن الحل الوحيد يكمن في “رحيل الحكومة الفاشلة والفاسدة”، مطالبًا بمحاسبة رئيسها جنائيًا على الجرائم المرتكبة بحق المتظاهرين.
من جانبه، كتب عضو مجلس الدولة بلقاسم قزيط على صفحته في الفيس بوك أنه “لحفظ طرابلس من فراغ سياسي وأمني وفوضى عارمة؛ يجب أن تبدأ عملية نقل السلطة فورًا”.
وفي بيان التجمع الوطني للأحزاب الليبية حصلت أفريقيا برس على نسخة منه حيث أصدر المكتب السياسي للتجمع بيانًا شديد اللهجة، اعتبر فيه ما يحدث في طرابلس “جرائم لا تسقط بالتقادم”، محمّلاً الحكومة ورئيسها المسؤولية الكاملة عن الدمار والضحايا. كما دعا البيان البعثة الأممية إلى تحمل مسؤولياتها، والمجلس الرئاسي إلى تفعيل صلاحياته وتكليف شخصية لتسيير أعمال الحكومة بشكل مؤقت، تمهيدًا لتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة.
ما يجري في طرابلس اليوم يكشف عن عمق الأزمة السياسية والأمنية في البلاد، ويؤشر إلى انهيار متسارع للثقة الشعبية في حكومة الوحدة الوطنية. فالمظاهرات، والبيانات، والتحليلات السياسية جميعها تتقاطع عند مطلب واحد: رحيل الحكومة الحالية، وفتح الطريق أمام عملية سياسية شاملة تُفضي إلى انتخابات عامة تقود ليبيا إلى برّ الأمان. وبينما ينادي الشعب بإنهاء الحقبة الحالية، يبقى الأمل معقودًا على إرادة وطنية جادة تنتشل البلاد من هذا النفق المظلم.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس