حصاد 2018: بنغازي.. كثير من الأمن قليل من التنمية

38

لا تزال مدينة بنغازي تحاول معالجة التراكمات التي تركتها سنوات الحرب، من خلال إعادة تأهيل البنية التحتية وفرض الأمن والاستقرار والقضاء على الجريمة، بالإضافة إلى النظر في الملفات الحيوية الأخرى كالصحة والتعليم على غرار بقية المناطق الأخرى.

وفي عرض حصاد العام 2018 في مدينة بنغازي، سواء على صعيد النجاحات التي تحققت أو الإخفاقات التي أرهقت كاهل المواطنين، وذلك في أعقاب إعلان تحرير المدينة عندما وضعت الحرب أوزارها، تارك في الوقت نفسه آثارها رغم تمتعها إلى حد ما بالاستقرار الأمني الذي يسمح بإعادة التنمية والبناء.

مؤتمر إعادة الإعمار

احتضنت المدينة خلال مايو الماضي، مؤتمراً دولياً لإعادة إعمار بنغازي، انتهى إلى نحو 40 توصية مهمة تمثل خلاصة مناقشات المشاركين، ورأى محللون أن تلك التوصيات هي خارطة طريق مهمة ليس لإعادة الإعمار فحسب، بل تحويل بنغازي إلى مركز استثماري مهم، لكن أياً من تلك التوصيات لم يرَ النور حتى الآن.

ومن بين التوصيات، انتهى المؤتمر إلى تطوير مشروع رؤية إعمار مدينة بنغازي، وإنشاء هيئة عليا مستقلة ذات رؤية واستراتيجية وأهداف، تشرف على عملية إعمار المدينة بجميع جوانبها وأنشطتها، والأخذ بمبدأ التصميم للجميع في كل مراحل إعداد الدراسات والتصاميم والتنفيذ لمشاريع إعادة الإعمار بالمدينة، واعتماد برنامج وطني لإعادة الإعمار، ودعم مجلس التخطيط الوطني بشأن الخطط والبرامج الاستراتيجية للإعمار، وإنشاء صندوق وطني للاستثمار، ومقره بنغازي بالمشاركة بين مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الليبية للاستثمار، يختص بإقامة مشاريع استثمارية ربحية من شأنها إنعاش الاقتصاد وتنويعه وتوفير فرص عمل للشباب.

ملف الصحة

وبينما تعاني المدينة كغيرها من المناطق نقصاً كبيراً في الخدمات الطبية، فإن الناطق باسم وزارة الصحة بالحكومة الموقتة معتز الطرابلسي قال لـ«الوسط» إن استقراراً نسبياً تحقق في المستشفيات، حيث تسلمت جميعها المخصصات المالية من الباب الثاني مع ميزانية التطوير والتحسين.

لكن الطرابلسي أشار إلى أن المشكلة التي لا تزال قائمة وتتمثل في توفير الأدوية والمستلزمات الطبية، بالنظر إلى عدم قدرة المصرف المركزي في البيضاء على فتح الاعتمادات المستندية، بسبب الانقسام السياسي الحاصل في الدولة.

ورغم ذلك عاد الطرابلسي ليشير إلى أن أوضاع المستشفيات في العام 2018 جيدة مقارنة بالأعوام الماضية، وذلك بعد صدور عدة قرارات نظمت العمل في قطاع الصحة بالبلاد، على حد تعبيره.

تزايد القمامة

بالانتقال إلى ملف آخر أكثر أهمية، فإن شوارع بنغازي لا تزال تعج بكميات هائلة من القمامة المكدسة، فملف القمامة لا يزال يبحث عن حلول منذ سنوات.

لكن المواطنين يعقدون آمالاً على التطورات التي جرت خلال الفترة الأخيرة في أعقاب تغيير رئيس المجلس التسييرى لبلدية بنغازي عبدالرحمن العبار، وتعيين المهندس عمران بوجواري، ما يضع أمالاً وتحديات لتغيير أوضاع المدينة إلى الأفضل.

وأجرى بوجواري عدة لقاءات واجتماعات خلال الفترة الأخيرة، أسفرت عن حملة نظافة مكثفة تشمل كافة المناطق والأحياء والساحات العامة بالمدينة بمشاركة الشركة العامة للبناء والتشييد، وشركة الإشغال العامة، وشركة الخدمات العامة، والشركات المتخصصة في أعمال النظافة.

محمد عبدالسلام، أحد سكان المدينة، انتقد إهمال ملف القمامة، معتبراً أن هذا الملف لا يحتاج إلى أعمال تطوعية كونه حاجة أساسية ويومية للمدينة، داعياً الجهات المسؤولة إلى عدم الاعتماد على الأعمال الخيرية باعتبار أن حملات النظافة لن تكون الحل النهائي لهذه المشكلة.

أضرار السيول

السيول هي الأخرى أتت على البنية التحتية المتدهورة بطبيعة الحال، حين أغرقت المدينة بشبه كامل، وعطلت العمل داخل عديد المؤسسات، خاصة مطار بينا الدولي، كما ارتفع منسوب المياه بوادي القطارة، الأمر الذي شكل خطراً كبيراً على المدينة خلال الفترة الماضية.

وبعدما حمل الأهالي مسؤولية كوارث السيول إلى الجهات المسؤولة بالنظر إلى تقاعسها في أداء عملها، بغياب الاستعداد لفصل الشتاء، فإن رئيس المجلس التسييرى للبلدية قام بزيارة تفقدية للعائلات المتضررة من سيول الأمطار بمنطقة قاريونس، وكلف رئيس لجنة الأزمة توفير احتياجات العائلات بالتنسيق مع مفوضية الكشافة والمرشدات والهلال الأحمر لتوفير كافة الاحتياجات اللازمة من الأغطية والمفروشات وغيرها للمتضررين.

نقص السيولة

كغيرها من المدن ظلت بنغازي طوال العام تعاني قلة السيولة، الأمر الذي تسبب في الازدحام أمام المصارف، بالإضافة إلى أن انتقال المصارف من مقارها بسبب وقوعها في محاور قتال أضاف سبباً آخر لازدحام المدينة، رغم قرار وزير الداخلية بالحكومة الموقتة المستشار إبراهيم بوشناف بعودة هذه المصارف إلى مواقعها الأصلية للتخفيف على المدينة، غير أن القرار لم يطبق على أرض الوقع بعد.

ارتفاع الأسعار

على خلفية أزمة السيولة، انتقلت المشكلات التي تعانيها المدينة إلى الأسواق التي تشهد انخفاضاً ملحوظاً في حركة البيع والشراء خلال النصف الثاني من العام، بسبب أزمة سعر الصرف، أدت إلى ارتفاع أسعار السلع الأسياسية بشكل جنوني.

في هذا الإطار أشار عصام الفرجاني، صاحب محل مواد غذائية، إلى انخفاض طفيف في الأسعار خلال الآونة الأخيرة، لكنه استدرك بأن التجار لا يزالون متضررين، خصوصاً أصحاب المحال الصغيرة التي تعمل برأس مالٍ طفيف، وتعتمد على بائع الجملة الذي يعتبر المتحكم الأساسى في السوق.

الجانب الأمني

المدينة التي تحررت من الإرهاب تعاني انتشار الجريمة والسرقة بشكل لم تعهده في السابق، ما دفع مدير أمن بنغازي، العميد عادل عبد العزيز عمر، إلى إجراء تغييرات في قيادات الأجهزة الأمنية بالمدينة، لدواعٍ أمنية تضمنت تعيين كل من العقيد سليمان علي عمر بوشيبة، رئيساً لقسم البحث الجنائي، العقيد وليد عبد الواحد البرعصي، رئيساً لقسم المرور، العقيد رمضان امحمد الزاوي، رئيساً لقسم شرطة المدينة، والمقدم جمال جمعة العمامي، رئيساً لقسم النجدة.

تزامنت تلك التغييرات الأمنية مع إعلان وزير الداخلية إبراهيم بوشناف حالة الطوارئ القصوى في بنغازي لمدة ثلاثة أشهر، وتنفيذ خطة أمنية جديدة تبدأ بتطويق المداخل الرئيسية للمدينة وانتشار ليلي داخلها، في أعقاب ارتفاع الجرائم الجنائية وعمليات السطو المسلح.

لكن وزير الداخلية بالحكومة الموقتة اعتبر أن عمليات السطو والقتل التي وقعت خلال الفترة الماضية جرى تضخيمها من جهات تهدف لبث الرعب.

التنظيم والمرور

على صعيد النظام العام داخل المدينة، تعاني بنغازي انتهاكاً دائماً لكل القوانين المعمول بها، من حيث عدم احترام إشارة المرور والدخول في الشوارع الممنوعة، وهي الظاهرة التي لم تقتصر على المواطنين بل تمارس من بعض المحسوبين على المؤسسات الأمنية، الأمر الذي تسبب في حوادث سير.

حملات تطوعية

في إطار الحملات التطوعية التي تكررت بالمدينة، أطلق شباب المدينة حملة تطوعية من أجل تنظيف وإزالة العوائق من داخل ملعب بنغازي الرئيسي الذي عاني الإهمال، ولقيت دعماً من القيادة العامة، بعدما أوقفت الشركة التركية المختصة والمنفذة للمشروع أعمالها العام 2011.

انتهى عام من الإهمال ومحاولات التنمية وإعادة التأهيل، وينتظر أهالي بنغازي أن يحمل العام الجديد 2019، حلولاً جذرية للملفات التي جعلت المدينة محاصرة بالمشاكل.

بنغازي ليست المدينة الأولى التي تغير ملامحها وطأة الحرب؛ لكنها تبقى بحاجة إلى تنمية وإعادة إعمار واستقرار أمني وسياسي حتى تعود لسابق عهدها، لعلها قريبة.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here