حضور لافت ومتواصل للرياضة في القضية الفلسطينية

12
حضور لافت ومتواصل للرياضة في القضية الفلسطينية
حضور لافت ومتواصل للرياضة في القضية الفلسطينية

ماجد عزام

أفريقيا برس – ليبيا. حضرت الرياضة في تاريخ القضية الفلسطينية المعاصر، حيث كانت دوماً إحدى وسائل الصمود في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ثم تكريس الكينونة والهوية بعد تأسيس السلطة، وعودة الفرق الفلسطينية للمشاركة في المنافسات العربية والإقليمية والدولية، كما كانت حاضرة أيضاً في المقاطعة العربية والدولية لإسرائيل وعزلها رياضياً، وفق قاعدة فكرية سياسية واضحة، على خلفية احتلالها فلسطين وطردها حتى من اللجنة الأولمبية واتحاد كرة القدم في آسيا، ورفض مواجهتها من الدول العربية والإسلامية، وأخيراً اعتبار الرياضة وسيلة لرفض التطبيع بنسخته المحدثة كما القديمة، مع الدعوات المتصاعدة لفرض مقاطعة واسعة على إسرائيل بوصفها كياناً استعمارياً يمارس سياسة الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني في أماكن وجوده المختلفة.

إذاً حضرت الرياضة دوماً في القضية الفلسطينية، لكن تناسب هذا طردياً مع تحول الرياضة نفسها إلى صناعة، وحضورها، بل وتجذرها في المشهد، السياسي والاقتصادي والاجتماعي محلياً وقارياً وعالمياً، ثم ثورة وسائل الاتصالات وتحوّل العالم إلى قرية صغيرة، حينها لم يعد بإمكان إسرائيل إخفاء جرائمها، إضافة إلى النقل التلفزيوني للأحداث الرياضية، ورفع الجماهير صوتها عالياً عبرها، وخوض الأجيال الفلسطينية والعربية والإسلامية التالية في الشتات المعركة لترويج ونشر الرواية الفلسطينية أمام الرأي العام العالمي، وأخيراً مسيرة التطبيع بنسختها الجديدة؛ بعد القديمة، التي أكدت الرفض والعناد الشعبي العربي في مواجهتها، بما في ذلك ساحات وميادين الرياضة المختلفة طبعاً.

في هذا السياق، يجب الانتباه إلى زيارة النادي الأهلي المصري التاريخية والمهمة إلى فلسطين، في منتصف أربعينيات القرن الماضي. هنا يمكن تلمّس صورة فلسطين الناهضة، وازدهار حواضرها ومدنها الكبرى على كل المستويات السياسية والاقتصادية والعلمية والفكرية والثقافية والرياضية.

بعد النكبة 1948 وموجات اللجوء إلى الدول العربية، كانت مساهمة اللاجئين الفلسطينيين واضحة في نهضة وتطور بلاد اللجوء العربية، بما في ذلك الرياضية طبعاً، سواء دول الطوق أو حتى دول الخليج العربي.

مع استيعاب صدمة النكبة وتنظيم الصفوف عبر الثورة المعاصرة في بداية ستينيات القرن الماضي، لم تشهد الرياضة في الخارج حضوراً بارزاً في ظل انخراط كافة فئات المجتمع الفلسطيني في الكفاح المسلح، باعتباره الوسيلة المثلى للتحرير والعودة وتقرير المصير.

لكن، بالمقابل حضرت الرياضة أكثر بالداخل، الضفة الغربية وغزة، خاصة بعد النكبة الثانية في يونيو/ حزيران 1967، إذ تأسس مزيد من الأندية بغرض الصمود الرياضي، والتعبير عن الهوية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال. في هذا الصدد، مثّلت الأندية والمراكز الرياضية نقاط تجمع الشباب الفلسطيني، وكانت حاضرة حضوراً مؤثراً ومركزياً في انطلاقة الانتفاضة الأولى في نهاية العام 1987.

إثر تأسيس السلطة الفلسطينية في منتصف تسعينيات القرن الماضي باتت الرياضة عنصراً مهماً في التعبير عن الكينونة الفلسطينية، وتوق الشباب والشعب كله إلى الاستقلال والتحرر والحياة بعيداً عن الاحتلال وهيمنته وممارساته، في تلك الفترة كان الاحتفاء لافتاً بالأندية والمنتخبات الفلسطينية عربياً وإقليمياً وقارياً ودولياً، تعبيراً، لا تخطئه العين، عن الدعم العربي والإسلامي والدولي للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، على اعتبار السلطة نفسها خطوة باتجاه السيادة والاستقلال وتقرير المصير.

عربياً، كانت الرياضة دوماً إحدى وسائل دعم القضية الفلسطينية بالمباريات والمنافسات، إضافة إلى التبرع بالعائدات للشعب الفلسطيني وقضيته، التي حضرت كذلك عبر أهازيج وهتافات الجماهير في مدرجات الملاعب والميادين الرياضية العربية.

كذلك، سعى العرب إلى مقاطعة إسرائيل وعزلها رياضياً، عبر طردها من اللجنة الأولمبية والاتحادات الآسيوية للألعاب المختلفة، بجهود مباركة من رئيس اللجنة الأولمبية والاتحاد الكويتي لكرة القدم، الشيخ فهد الأحمد الصباح، رحمه الله، صاحب الأيادي البيضاء في الساحات السياسية والرياضية العربية، الذي قاتل متطوعاً مع الثورة الفلسطينية في أحراج الأردن بنهاية ستينيات القرن الماضي.

مع ثورة الاتصالات وتحوّل العالم إلى قرية كونية صغيرة، ثم مسيرة التطبيع بمنحاها القديم والجديد، حضرت الرياضة أيضاً، تعبيراً عن رفض التطبيع مع إسرائيل، في مصر والأردن، وحصر العلاقات في سياقها الرسمي البارد، رغم المحاولات الحثيثة لإنزالها إلى ميادين وساحات الرياضة، نظراً لجماهيريتها وتأثيراتها الواسعة عربياً ودولياً.

أمور مماثلة رأيناها في مسيرة التطبيع المحدثة، الرفض الشعبي الواسع لها، رغم الحديث أو توقّع عكس ذلك من الدول المطبعة في الإمارات والبحرين والمغرب، بموازاة اتساع ظاهرة رفض الرياضيين العرب مواجهة نظرائهم الإسرائيليين، دعماً للقضية الفلسطينية، كما رفض التطبيع بنسخته المحدثة، التي قيل إنها ستكون مختلفة عن تلك القديمة في مصر والأردن.

في سياق دعم القضية الفلسطينية رياضياً كانت أوروبا حاضرة أيضاً، حيث مساحة التعبير الواسع وثورة الاتصالات، تصاعد الأمر أكثر مع تنامي دور الجاليات العربية والفلسطينية والإسلامية عبر الزمن، كما الحضور القوي لمنظمات المجتمع المدني.

في السياق الأوروبي، تمكن الإشارة، على سبيل المثال لا الحصر، إلى محطات عدة مهمة وأساسية، منها مونديال 1982 الذي صادف الغزو الإسرائيلي للبنان، واجتياحه ثم حصار العاصمة بيروت ثلاثة أشهر، والصمود الأسطوري للفلسطينيين واللبنانيين في مواجهته، حيث أهدى المنتخب الإيطالى فوزه بالمونديال إلى الشعب الفلسطيني والصامدين في بيروت.

أوروبياً أيضاً، لا بد من الإشارة إلى النموذج الساطع لنادي سيلتيك في اسكتلندا، إذ كانت جماهير النادي العريق حاضرة دوماً في دعم القضية الفلسطينية وتطوراتها رفضاً للاحتلال الإسرائيلي، مع رفع الأعلام الفلسطينية، وإطلاق صافرات الاستهجان والاحتجاج عند مواجهة الفرق الإسرائيلية الزائرة لاستاد سيلتيك بارك.

خلال العام الماضي، حضرت القضية الفلسطينية حضوراً لافتاً أيضاً في الساحات والميادين الرياضية الأوروبية والعالمية، مع هبّة القدس ومعركة سيفها، حين بدت المؤسسة الرياضية الرسمية، أوروبياً ودولياً، عاجزة عن وقف مظاهر التعاطف مع القضية الفلسطينية، أو عن معاقبة الجماهير التي عبّرت عن مساندتها للشعب الفلسطيني في مواجهة آلة البطش والإجرام الإسرائيلية.

إلى ذلك، ترك الغزو الروسي لأوكرانيا تداعيات إيجابية على القضية الفلسطينية، تحديداً في السياق الرياضي، نتيجة إفساح المجال أمام التعاطف الجماهيري مع أوكرانيا وشعبها رياضياً، بالتالي صعوبة تحجيم أو محاصرة فعل الشيء نفسه مع القضية الفلسطينية العادلة أيضاً.

ثم جاءت محطة المونديال في قطر 2022، حيث حضرت القضية الفلسطينية مع فعاليات رفع الأعلام واللافتات والشعارات الداعمة، والدعوة لحمل شارات فلسطين من قبل المنتخبات العربية المشاركة، كما تأكيد رفض التطبيع، عبر مقاطعة جماهيرية عربية كاملة لمراسلي القنوات الإسرائيلية الحاضرة في الدوحة لتغطية الحدث العالمي.

في الأخير وباختصار وتركيز، باتت الرياضة حاضرة ومركزية جداً في المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي فلسطينياً وعريياً وإسلامياً ودولياً، بما أننا نتحدث عن قضية مركزية للعرب والمسلمين وعالمية بامتياز، فبالضرورة ستكون الرياضة مع انتشارها وشعبيتها الجارفة عاملاً ومعطىً مهماً لدعم القضية والترويج للرواية الفلسطينية العادلة في مواجهة الاحتلال وجرائمه.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here