هل يُتوِّج مونديال قطر لأول مرة منتخبا إفريقيا؟

16
هل يُتوِّج مونديال قطر لأول مرة منتخبا إفريقيا؟
هل يُتوِّج مونديال قطر لأول مرة منتخبا إفريقيا؟

أفريقيا برس – ليبيا. قبل بضعة أيام من انطلاق مونديال قطر، خرج صامويل إيتو، المهاجم الكاميروني السابق – أحد الذين يجسدون أسطورة الكرة الإفريقية – والرئيس الحالي للاتحاد الكاميروني لكرة القدم بتصريح، كان محط سخرية بالنسبة إلى الكثيرين، عندما توقع بأن تجمع المباراة النهائية في قطر منتخبي المغرب والكاميرون، وقال إن اللقب سيكون من نصيب أسود الكاميرون. وقبل ذلك، نسب إلى أسطورة كرة القدم البرازيلية والعالمية بيليه تصريح اعتبر فيه أن منتخب السنغال هو الفريق الإفريقي الذي يراه قادرا على الفوز بكأس العالم 2022 في قطر. بيليه نفسه- الذي يعتبره الكثيرون أعظم لاعب في كل العصور، كان قد توقع قبل نحو خمسة أعوام بأن المنتخبات الإفريقية لديها فرصة أفضل للفوز بلقب كأس العالم قبل نهاية هذا القرن، معتبرا أن كرة القدم الإفريقية تطورت كثيرًا ويمكن أن تحدث مفاجآت في السنوات القادمة.

القارة السمراء تزخر بالنجوم

والحقيقة أن التصريحات أو التوقعات هذه وتلك تدفعنا حقاً إلى طرح السؤال التالي : ألم يحن فعلاً الوقت لرؤية أحد المنتخبات الإفريقية يتوج أخيراً بطلاً للعالم؟ لم لا، ما دامت القارة السمراء تزخر بالعديد من اللاعبين الذين ينشطون في كبريات الدوريات الأوروبية، بل إن بعضهم فرض نفسه ضمن قائمة أفضل لاعبي العالم في مراكزهم خلال المواسم الكروية الأخيرة، كما هو الحال حالياً، مع السنغاليَيْن ساديو ماني (بايرن ميونخ) وخاليدو كوليبالي (تشلسي) والمصري محمد صلاح (ليفربول)، والجزائري رياض محرز (مانشستر سيتي) والمغربي أشرف حكيمي (باريس سان جرمان) …إلخ. ولو عدنا إلى الوراء، لتذكرنا أيضاً أن القارة الإفريقية لطالما امتلكت أساطير كروية على غرار آبيدي بيلي، ورابح ماجر، وطارق ذياب، وصامويل إيتو، وديدييه دروغبا، ومحمد أبو تريكة، وجي جي أوكوتشا ورشيدي يكيني وجورج ويا الإفريقي الوحيد الذي توج حتى الآن بالكرة الذهبية كأفضل لاعب في العالم! والقائمة طويلة.

ومع ذلك يُعَدُّ الوصول إلى ربع النهائي، ثلاث مرات: الكاميرون (1990)، السنغال (2002)، غانا (2010 – أول كأس عالم تلعب في بلد إفريقي)، أكبرَ إنجار حققه الأفارقة في كأس العالم، علما أن 8 منتخبات فقط تمكنت حتى الآن من الظفر بنسخه الـ 21 منذ انطلاقته في عام 1930 بالأوروغواي (البرازيل وألمانيا وإيطاليا والأرجنتين، والأورغواي وفرنسا، وانجلترا، وإسبانيا)، فيما فشلت في تحقيقه، حتى الآن، منتخبات كبيرة أخرى مثل المنتخب الهولندي برغم قدرته على إبهار جماهير كرة القدم في العالم عبر لاعبين موهوبين كرويف وفنبستان وغوليت بركامب وسيدرلاف وروبن…إلخ،. هذه الملاحظة تنطبق أيضا على منتخبات أخرى مثل المنتخب البرتغالي رغم لاعبيه الاستثنائيين كأوزيبيو وفيغو ورونالدو. هذه حال منتخبات أوروبية أخرى ضمت نجوماً كباراً كتبوا أسماءهم بأحرف من ذهب في سجل عالم الساحرة المستديرة. فالمسألة إذن، ليست حكراً على الأفارقة.

مكانة المثابرة والانضباط في كيمياء الساحرة المستديرة

لكن ما الذي تحتاجه المنتخبات الإفريقية ليكسر أحدها الحاجز الذي كسرته إسبانيا في عام 2010، والتي تُوِّجت لأول مرة بلقب المونديال؟ الحقيقة أنه من الصعب جدا الرد على هذا السؤال لعدة أسباب منها أن سِحْر كرة القدم مستمد من كيمياء عجيبة فيها حيز كبير للتألق والمثابرة والتميز والتفاني في خدمة المجموعة وعوامل أخرى بينها مثلا عدم تفريط هذا اللاعب أو ذاك في الفرص النادرة واللحظات الحاسمة التي يكون فيها العمل الفردي أكثر نجاعة من العمل الجماعي. لكن الأمر المؤكد هو أن المنتخبات التي توجت بالمونديال، كانت تتمتع بفريق صلب على جميع المستويات، باستثناء، تقريباً، مونديال مكسيكو 1986، حيث يمكن القول إن الأسطورة ماردونا هو من منح منتخب التانغو لقبه المونديالي الثاني. ومع مرور السنوات، وتطور كرة القدم، من حيث اللياقة البدنية والجوانب التكتيكية، أصبح الفوز بإحدى البطولات الكبرى، ككأس العالم ودوري أبطال أوروبا، مرهونا، إلى حد كبير جداً، بامتلاك منظومة دفاعية قوية، وأخرى هجومية تعرف ترجمة أنصاف الفرص، بوجود مهاجمين ولاعبين من طينة، ميسي ورونالدو ومبابي ونيمار وليفاندوسكي …إلخ.

وعندما ننظر إلى المنتخبات الإفريقية المشاركة في مونديال قطر، نجد أن مواصفات ما يمكن أن نطلق عليه “الفريق العصري” تتوفر أكثر في منتخب السنغال، الذي توج مؤخراً بطلاً لإفريقيا لأول مرة في تاريخه. فالفريق الذي شكله المدرب آليو سيسي وجد توازنًا جيدًا على مستوى جميع الخطوط، وذلك بفضل إعطاء الأولوية للعب الجماعي أكثر من المجد الشخصي. لكن، أيضا، عندما نسترجع الذكريات، نجد أن الأجيال التي أوصلت الكاميرون والسنغال وغانا إلى ربع نهائي المونديال، لم تكن تقل شاناً عن جيل المنتخبات الحالية والذي سيشارك في مونديال قطر.

المنتخب السنغالي! لم لا؟

وكما هو الحال في المونديالات السابقة، لا تبدو الطريق مُعبَّدة بالنسبة إلى ممثلي القارة الإفريقية في الدوحة منذ أولها، إذ يبدو التحدي صعباً منذ مرحلة المجموعات، حيث سيتعين على المنتخب السنغالي، من جهة مواجهة هولندا في مباراته الأولى، كما سيصطدم بصاحب الأرض والجمهور المنتخب الإيطالي، وكل ذلك وسط توقعات بعدم مشاركة نجمه الأول صاديو ماني. من جهة أخرى، سيصطدم المنتخب الكاميروني بالعملاق البرازيلي، ضمن مجموعة تضم أيضا سويسرا وصربيا، في حين، سيواجه المنتخب المغربي خصمين أوروبيين من العيار الثقيل هما المنتخبان البلجيكي والكرواتي، وكذلك الحال بالنسبة إلى المنتخب التونسي الذي سيواجه حامل اللقب أي المنتخب الفرنسي، والمنتخب الغاني، الذي يوجد ضمن مجموعة البرتغال وأوروغواي وكوريا الجنوبية. وإذا كان من السابق لأوانه اليوم وضع توقعات، فيبدو أن المنتخب السنغالي هو الحصان الذي تراهن عليه القارة الإفريقية هذه المرة. بيد أن طريق أسود التيرنغا أو غيرهم من بلدان القارة السمراء تظل وعرة وشاقة جداً، على أمل وصول منتخب إفريقي إلى دور نصف النهائي لأول مرة، والذي حرمت يد سواريز المنتخب الغاني من الوصول إليه عام 2010.

وما ينقص منتخب مثل السنغال، اليوم، في رأيي المتواضع، هو الثقة في النفس، والانضباط التكتيكي. هذان العاملان مهمان لاسيما بعد إصابة نجم المنتخب ساديو ماني قبل أيام أثناء مباراة جمعت فريقه بايرن ميونخ وفريق فيردر بريمن. وقد حرص مدرب المنتخب السنغالي أليو سيسي على إدراج ماني في المنتخب الذي سيذهب إلى قطر للمشاركة في مونديال 2022 وهو يأمل في أن يتعافى اللاعب خلال المونديال وربما يشارك في مباريات ستكون حاسمة بالنسبة إلى المنتخب. ويتحفظ البعض على هذا الخيار لأنه يرى أن إصابة ساديو ماني قوية ولن تسمح له بالمشاركة في أي مباراة. ولكن البعض الآخر يذهب، وهو محق فيما يذهب إليه، إلى أنه ينبغي ألا تُغِّير هذه الإصابة شيئا في عزيمة لاعبي المنتخب الفولاذية وألا تُسرب معها الشكوك إلى أنفسهم إذا كانوا بحق يرغبون في العودة إلى داكار بالكأس.

وأيا يكن الفائز، فإن مشاركة المنتخبات الإفريقية والعربية في مونديال قطر فرصة ثمينة للاحتكاك بخيرة لاعبي العالم. وواضح أن هذا الاحتكاك هو الذي يساهم في إكساب لاعبي القارة الإفريقية مزيدا من الخبرة. كما ساهم شيئا فشيئا في تنمية ثقافة لدى أجيال من اللاعبين تعي أهمية المثابرة وأهمية الانضباط في صنع الانتصارات. وليس الأمر حكرا على لاعبي القارة الإفريقية. بل هو أمر حاصل حتى لدى عدد كبير من اللاعبين الأوروبيين ولاعبي أمريكا اللاتينية. هذه مثلا حال الفرنسي كريم بنزيما الذي أصبح اليوم من أفضل لاعبي العالم لعدة أسباب واعتبارات منها تأكده عبر الاحتكاك بأيقونة كرة القدم البرتغالية كريستيانو رونالدو أن النجومية لا تعفي صاحبها من المثابرة والانضباط والعمل الدؤوب ليل نهار. وصحيح أن لاعبي القارة السمراء ولاسيما لاعبي المنتخبات العربية من الذين لم يتسن لهم الاحتكاك مع لاعبين دوليين ما يزالون بحاجة ماسة إلى مثل هذه الثقافة. وقد أثبتت التجربة أن المتشبعين بهذه الثقافة يقولون دوما إن الحظ يمكن أن يكون عاملا مهما في صنع انتصارات ظرفية لا متكررة لأن الانتصارات التي يمكن أن تتكرر لا مكان فيها للقراءة في الكَفّ أو في الفناجين.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here