تشكيل جبهة وطنية لمواجهة ودعم الإصلاح في موريتانيا

1
تشكيل جبهة وطنية لمواجهة ودعم الإصلاح في موريتانيا
تشكيل جبهة وطنية لمواجهة ودعم الإصلاح في موريتانيا

أفريقيا برس – موريتانيا. مع تصاعد الحديث عن ملفات الفساد في موريتانيا وارتفاع الأصوات المطالبة بالإصلاح، يخرج إلى العلن أول إطار وطني غير حكومي موحد لمحاربة الفساد في موريتانيا.

ويسعى الائتلاف الذي يضم نخباً وأحزاباً ومنظمات مجتمع مدني، لتحويل الغضب الشعبي الناجم عن الفساد، والوعي المتزايد، إلى قوة منظمة قادرة على حماية المال العام وإعادة الثقة إلى مؤسسات الدولة. ويستند الائتلاف في تأسيسه إلى رؤية تعتبر أن الفساد لم يعد مجرد اختلال إداري أو مالي، بل أصبح، بحسب البيان التأسيسي، «تهديدا مباشرا لثروات البلد وأمنه الاجتماعي، وعائقا أمام التنمية، ومصدرًا لتفكيك المجتمع وتعميق الهوة بين شرائحه ومكوناته».

وأكد المؤسسون أن «محاربة الفساد ليست معركة قانونية فقط، بل هي معركة قيم ومؤسسات ووعي عام».

وأوضح القائمون على الائتلاف «أن هدفهم ليس معارضة الحكومة أو مناكفتها، بل «دعم المسار الإصلاحي وحمايته من التشكيك والإرباك عبر بناء حاضنة اجتماعية تعزز الإرادة السياسية في مواجهة شبكات المصالح المستفيدة من الفساد».

كما شددوا على أن «أي محاولة لمحاربة الفساد لن تخلو من مقاومة قوية من أطراف متضررة»، ما يستلزم، وفق البيان، «اصطفافا وطنيا واسعا يحول المعركة إلى مشروع مجتمعي دائم ومستمر».

وحدد الائتلاف مجموعة من الأهداف التي سيشتغل عليها خلال المرحلة المقبلة، من أبرزها دعم الجهود الرسمية لمحاربة الفساد، وتحصينها من الحملات التي تهدف لإرباكها أو تشويهها، والضغط السلمي والمؤسسي لضمان سير التحقيقات دون انتقائية أو محاباة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتنظيم حملات توعوية وطنية لتعزيز ثقافة النزاهة وتعميق الوعي بخطورة الفساد على مستقبل الدولة، والانفتاح على الهيئات الوطنية والدولية ذات الصلة، مع الحفاظ على استقلال القرار الوطني، وترسيخ قيم العدالة والشفافية والالتزام بالمسار القضائي في إدانة أو تبرئة المشتبه فيهم. ويقوم الائتلاف على بنية تنظيمية رباعية تشمل لجنة الإشراف والتوجيه، وهي المرجعية العليا لضمان توحيد التوجهات، والمكتب التنفيذي وهو الجهاز الذي يدير الأنشطة والبرامج، ولجنة الخبراء المعنية بالدراسات، والمشورة القانونية والفنية، والمنسقيات والتكتلات الميدانية التي تمثل الائتلاف داخل الأوساط المهنية والشبابية والدينية والنقابية.كما أكد البيان «أن تمويل الائتلاف سيعتمد على اشتراكات الأعضاء والتبرعات غير المشروطة، مع رفض أي تمويل قد يمس استقلاليته أو يوجه مساره».

ودعا الائتلاف جميع القوى الوطنية من علماء وسياسيين وأحزاب ونقابات ومنظمات مجتمع مدني وإعلاميين وشباب ناشط، إلى الانخراط في هذا الجهد الجماعي.

وأضاف المؤسسون: «نؤكد أنه لا تنمية ولا إصلاح دون محاربة الفساد، ولا محاربة للفساد دون تكاتف جهود المصلحين؛ وندرك أن الطريق طويل، وأن شبكات المصالح ستقاوم بضراوة، ولكننا نثق في إرادة شعبنا وقدرة نخبه المخلصة، ودعم كل من ينحاز للحق والعدل ومستقبل هذا البلد.»

ويأتي إطلاق التحالف في سياق غير مسبوق، حيث شهدت موريتانيا خلال الأشهر الماضية سلسلة إجراءات رسمية وصفت بـ «الجريئة»، تمثلت في نشر تقرير محكمة الحسابات للرأي العام، وإنهاء مهام مسؤولين وردت أسماؤهم في التقرير، إضافة إلى إحالة ملفات للسلطة القضائية.

وقد شكل تقرير محكمة الحسابات الأخير حول تسيير سنتي 2022 و2023 منعطفًا مهمًا في النقاش الوطني، بعد أن كشف للرأي العام حجم الاختلالات التي طالت العديد من المؤسسات والبرامج العمومية، وما نتج عنها من خسائر مالية وتعطيل لمشاريع خدمية وتنموية كان من المفترض أن تمس حياة المواطنين مباشرة.

وتقاطعت هذه التطورات مع موقف منظمة الشفافية الشاملة في موريتانيا، التي أصدرت بيانًا اعتبرت فيه نشر التقرير ومباشرة المتابعات خطوة غير مسبوقة في تاريخ البلاد من حيث حجم الملفات وتنوع الجهات المشمولة بها.

وثمّنت المنظمة قرار رئيس الجمهورية توجيه الحكومة لاتخاذ إجراءات عاجلة لمحاسبة المتورطين، لكنها شددت في الوقت ذاته على ضرورة استكمال هذه الخطوة بإصلاحات تشريعية ومؤسسية، وفي مقدمتها سن قانون النفاذ الشامل إلى المعلومات كآلية للوقاية من الفساد وتمكين الرأي العام من الرقابة، بالإضافة إلى تفعيل دور المفتشية العامة للدولة التي رأت المنظمة أن أداءها خلال المرحلة السابقة لم يكن بالمستوى المطلوب.

ومع أن الإعلان عن تشكيل هذا الائتلاف الوطني المخصص لمحاربة الفساد يمثّل لحظة فارقة في المسار السياسي والاجتماعي لموريتانيا، فهو يأتي كذلك في سياق وعيٍ متنامٍ بأنّ التنمية والعدالة والاستقرار لا يمكن أن تتحقق في ظل منظومة تتسامح مع الفساد أو تتعايش معه.

ومع أنّ الطريق ما يزال طويلاً ومعقّداً، فإنّ ما يميّز الخطوة الحالية هو انتقالها من ردود الفعل إلى بناء الفعل المؤسسي، ومن الاتهامات المتبادلة إلى صياغة رؤية مشتركة تستند إلى معايير الرقابة والشفافية والمساءلة العامة.

ويرى الكثيرون أن التجربة ستواجه بتحديات تتعلق بقدرة الائتلاف على إدارة التعدد الذي يحتويه، وعلى حماية استقلاليته عن التجاذبات السياسية، وعلى إقناع الرأي العام بجدية مسعاه وملموسية نتائجه؛ لكن قدرة الائتلاف على الاستمرار والتوسع وترسيخ حضوره المدني ستكون مؤشراً على نضج جديد في الحياة العامة في البلاد، حيث تصبح محاربة الفساد قضية وطنية جامعة لا شعاراً دعائياً ولا أداة للصراع السياسي.

وفي المراحل المقبلة، سيُقاس نجاح هذا المسار بمدى تحويل المبادئ المعلنة إلى ممارسات، وبمدى قدرته على إنتاج آليات عملية للرقابة الشعبية والمؤسسية، وعلى تشجيع ثقافة المواطنة والحق في مساءلة من يتولّى الشأن العام.

وفي حال نجح الائتلاف في ذلك، فإنّ موريتانيا قد تكون بصدد فتح صفحة جديدة عنوانها: دولة القانون لا الأشخاص، والحق العام قبل الامتيازات، والتنمية التي تنطلق من الثقة لا من الشكوك.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس