أفريقيا برس – موريتانيا. بعد ترقب طويل، وفي ظل تجمهر كبير خارج المقر، حسمت المحكمة العليا الموريتانية، الثلاثاء، قضية الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، حيث أكدت العقوبات السالبة للحرية الصادرة بحقه، مع زيادة مبلغ التعويض المدني المستحق للخزينة العامة.
وبهذا القرار، تكون المحكمة العليا قد أيدت حكم محكمة استئناف الذي قضى في أيار/مايو الماضي على ولد عبد العزيز بالسجن 15 عاماً مع النفاذ، بتهمة استغلال النفوذ لجمع ثروة ضخمة.
وأيدت المحكمة أيضاً مصادرة ممتلكات ولد عبد العزيز، الذي حكم البلاد بين عامي 2008 و2019، مع تجريده من حقوقه المدنية.
وفي قرارها النهائي، ألغت المحكمة تهمتين من التهم التي سبق توجيهها للرئيس السابق، لكنها رفضت إحالة الملف إلى تشكيلة مغايرة، ما يعني تثبيت جوهر الحكم السابق من حيث العقوبات الأساسية والمسار الإجرائي.
كما أكدت المحكمة العليا العقوبات الصادرة بحق صهره محمد ولد امصبوع وصديقه عبد الله ولد بوبات، في نفس الملف المتعلق بالفساد واستغلال النفوذ خلال فترة التسيير الحكومي السابقة.
وجاء قرار المحكمة العليا ليحسم المسار القضائي في هذا الملف، بعد مراحل من التقاضي أمام محكمة مكافحة الفساد ومحكمة الاستئناف، حيث كان دفاع الرئيس السابق قد تقدم بطعون متتالية لإلغاء الأحكام السابقة أو تخفيفها.
وحسب قرار المحكمة، فقد تم تثبيت العقوبة السالبة للحرية الصادرة في حق الرئيس السابق، كما تمت المصادقة على رفع قيمة التعويض المالي المفروض عليه، وذلك استجابة لطعن النيابة العامة التي استأنفت هذا الجانب في نص الحكم السابق.
وجاءت زيادة التعويض بعد تقديرات قضائية اعتبرت أن الأموال المحجوزة والمثبتة في الملف لا تغطي كامل المبالغ التي تُتهم أطراف الملف باختلاسها أو الاستفادة غير المشروعة منها.
ويأتي هذا الحكم في إطار ما تصفه الحكومة بـ«مكافحة الفساد وترسيخ الشفافية»، فيما يعتبره فريق الدفاع عن الرئيس السابق «قضية سياسية تستهدف إرثه ورمزيته».
وأعلن محامو ولد عبد العزيز أنهم سيواصلون المسارات القانونية المتاحة دولياً، بما في ذلك اللجوء إلى الهيئات القضائية والحقوقية خارج البلاد، معتبرين أن المحاكمة «لم تتوفر فيها الضمانات الكافية للعدالة»، وفق تعبيرهم. من جانبها، أكدت جهات حكومية ونيابية أن الحكم يمثل تتويجاً لمسار قضائي مستقل، ويعكس حسب قولها، إرادة الدولة في حماية المال العام ومحاسبة جميع المسؤولين دون استثناء.
ويُعد هذا القرار نهائيًا من حيث مسار التقاضي داخل النظام القضائي الوطني، لكون المحكمة العليا هي الهيئة القضائية الأعلى في البلاد، ما يعني أن الملف انتقل الآن إلى مرحلة التنفيذ المالي والإداري الخاصة بالتعويضات والمصادرات.
وتأتي أهمية هذا الحكم من كون المحكمة العليا هي أعلى درجات التقاضي في البلاد، ومحكمة قانون لا محكمة وقائع، ما يعني أنها لا تعيد النظر في تفاصيل الملف أو في الأدلة، وإنما تبتّ حصريًا في سلامة الإجراءات القانونية ومسار المحاكمة.
وبدأ فتح ملف ما يُعرف بـ»العشرية» في مطلع عام 2021، عقب إحالة تقرير لجنة التحقيق البرلمانية إلى القضاء، وهو التقرير الذي تناول ملفات تتعلق بإدارة موارد الدولة خلال الفترة التي تولّى فيها محمد ولد عبد العزيز رئاسة الجمهورية (2009 – 2019). وقد أحيل الملف إلى وكيل الجمهورية المكلف بجرائم الفساد، ليبدأ التحقيق القضائي الذي شمل الرئيس السابق وعددًا من كبار المسؤولين ورجال الأعمال.
وفي آذار/مارس 2021، قرر قاضي التحقيق وضع الرئيس السابق تحت المراقبة القضائية المشددة، قبل أن يتم لاحقًا إيداعه السجن على خلفية ما اعتبرته النيابة العامة «الإخلال بشروط المراقبة وعدم التعاون مع القضاء»، بينما نفى ولد عبد العزيز جميع التهم، متمسكًا بكونه «ضحية استهداف سياسي».
وفي أيار/مايو 2023، قضت محكمة مكافحة الفساد بإدانته في عدد من التهم المرتبطة بـ»الإثراء غير المشروع واستغلال النفوذ وتبديد المال العام»، وقضت بحكم سالب للحرية إضافة إلى تعويضات مالية للخزينة العامة، مع مصادرة ممتلكات وأرصدة مرتبطة بالملف. وقد طعن دفاع الرئيس السابق في الحكم أمام محكمة الاستئناف، التي أيدت جزءًا كبيرًا من الأحكام السابقة، قبل أن تتواصل الإجراءات نحو المحكمة العليا بصفتها آخر درجات التقاضي.
وجاء قرار المحكمة العليا ليثبت الأحكام ويزيد قيمة التعويض المالي، مُسدلًا بذلك الستار على المسار القضائي داخل النظام الوطني الموريتاني، لتنتقل القضية إلى مرحلة تنفيذ الأحكام واستكمال الإجراءات المالية والإدارية.
في ختام هذا الملف، تؤكد المحكمة العليا الموريتانية من خلال قرارها الأخير حرصها على مبدأ العدالة واستقلال القضاء، مع مراعاة حقوق الأطراف المدنية والدفاع عن المال العام. إذ لم تكتفِ المحكمة بتثبيت أحكام الاستئناف السابقة، بل قررت أيضاً زيادة مبلغ التعويض للخزانة العامة، في إشارة واضحة إلى التشدد في حماية الموارد العمومية. وفي الوقت ذاته، جاءت بعض التعديلات على التهم الموجهة للرئيس السابق، بما يعكس دقة المحكمة في التمييز بين التهم المثبتة وتلك التي لم يثبت لها دليل قاطع.
ويشكل هذا القرار خطوة محورية في تاريخ القضاء الموريتاني، ويبعث رسالة قوية حول محاسبة المسؤولين وعدم إفلات أي جهة من الالتزام بالقانون، مع الحفاظ على نزاهة الإجراءات القضائية وحقوق جميع الأطراف. كما يعكس القرار التوازن الدقيق الذي يسعى القضاء لتحقيقه بين الردع العام والحماية القانونية للأفراد.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس





