جمعة غضب في موريتانيا نصرة لغزة واحتجاج ضد الاحتلال

4
جمعة غضب في موريتانيا نصرة لغزة واحتجاج ضد الاحتلال
جمعة غضب في موريتانيا نصرة لغزة واحتجاج ضد الاحتلال

أفريقيا برس – موريتانيا. تتواصل في موريتانيا، وبوتيرة متصاعدة، حملات الدعم الشعبي والإغاثي الموجهة إلى أهلنا في غـزة، في ظل العدوان المستمر الذي يتعرض له القطاع منذ شهور، وما يشهده من جرائم ممنهجة وانتهاكات متواصلة بحق المدنيين العزل. وقد تميزت هذه الجمعة بتجدد حماسي للمؤازرة والنصرة وسط حضور شعبي لافت، وحراك جماهيري واسع، عبّر عن عمق الانتماء للقضية الفلسطينية وتجذرها في وجدان الموريتانيين.

ففي قلب العاصمة نواكشوط، انطلقت بعد صلاة الجمعة مباشرة من أمام المسجد الجامع مسيرة حاشدة دعا إليها الرباط الوطني لنصرة الشعب الفلسطيني والمبادرة الطلابية لمناهضة الاختراق الصهـيوني.

وأكد القائمون على المسيرة أنها «جاءت تلبية لنداء الواجب، واستجابة لصوت الضمير، وتنديداً بما يتعرض له الشعب الفلسطيني من حصار وتجويع وقتل وتدمير».

واستهلت المسيرة بمهرجان ركّز فيه الخطباء على مأساة غـزة، مؤكدين «أن نصرة أهلها واجب شرعي وأخلاقي، وأن الصمت على ما يجري جريمة لا تغتفر».

وشدد أحد المتحدثين في خطابه على فرضية النصرة، وضرورة الوقوف مع المظلومين، واعتبر «أن المشاركة في المسيرة معذرة إلى الله ورسالة إلى المجرمين».

وعبّر الخطيب عن يقينه «بأن الدعاء والتضامن والمقاطعة والمساندة الفعلية هي من أعظم أبواب الجهاد في مثل هذا الظرف».

وقد شارك في المسيرة عدد من رموز التيارات السياسية والدعوية الموريتانية، حيث وصفوا في مداخلاتهم الحضور الجماهيري الموريتاني بأنه تجديد للعهد مع غزة، ودعوا إلى طرد سفراء الدول الداعمة للعدوان، ووقف كل أشكال التطبيع.

*تلاحم شعبي نصرة لغزة

وأكد الأمين العام للرباط الوطني «أن هذه الجمعة كانت غـزّية بامتياز، حيث شهدت تلاحماً شعبياً يعبّر عن أن موريتانيا لا تزال قلباً نابضاً في جسد الأمة المكلوم».

وشهدت المسيرة كلمات قوية ألقاها عدد من العلماء والدعاة وزعماء الأحزاب، ندّدت بصوت عالٍ بالمواقف الدولية المتواطئة مع آلة القتل الصهـيوني، وعلى رأسها موقف الولايات المتحدة الأمريكية التي اعتُبرت شريكاً مباشراً في الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني من خلال دعمها العسكري والسياسي اللامحدود للكيان.

وقوبلت بإعجاب الحاضرين كلمة نارية لأحد الأئمة قال فيها: «إن الصواريخ التي تهدم بيوت غـزة، وتبقر بطون النساء، وتُخرج الأطفال من تحت الركام، لا تُصنع في تل أبيب، بل تُشحن من واشنطن، وتُبارك في جلسات الكونغرس، وتُحرس بمواقف الخزي من الأنظمة العميلة».

وأذيعت على منصة المسيرة رسالة أكدت أن «الصمت على المجازر هو جريمة، ولكن تبريرها والمساهمة في تغطيتها، كما تفعل أمريكا اليوم، هو اشتراكٌ مباشر في القتل، لا يُمكن للأمة أن تغفره».

كما خصّت الكلمات بالذكر موجة التطبيع العربي مع الاحتلال، ووصفتها بـ»خنجر في خاصرة الأمة»، حيث عبّر الخطباء عن استيائهم الشديد من هرولة بعض الأنظمة نحو العدو في الوقت الذي يُذبح فيه أطفال غـزة أمام أعين العالم.

ولم تغب مواقف الأمم المتحدة ومؤسساتها الحقوقية عن سخط المشاركين، حيث اعتبر كثير من الخطباء والمتحدثين أن تعاطي المنظمة الدولية مع مذابح غـزة باهت وضعيف، يكشف انحيازها الدائم للمجرم ضد الضحية، مؤكدين أن دماء الفلسطينيين أصبحت أرخص من أن تُدرج حتى في تقارير الإدانة الشكلية.

وقد وصف أحد المتحدثين الموقف الأممي بـ «العجز المتواطئ»، معتبراً أن «الأمم المتحدة اليوم لا تمثل ضمير العالم، بل صمت القبور».

نشاطات إغاثية

وفي موازاة التحركات الشعبية، تواصلت النشاطات الميدانية والإغاثية للمنظمات والهيئات العاملة في دعم غـزة من داخل موريتانيا؛ فقد أعلن الرباط الوطني لنصرة الشعب الفلسطيني عن تشييد ثلاث نقاط طبية ميدانية داخل القطاع، مزودة بالمستلزمات الإسعافية الأساسية، وبطاقم طبي متكامل لخدمة الجرحى والمصابين، في خطوة تهدف إلى تخفيف الضغط عن المستشفيات المنهكة بفعل الحصار والاستهداف المباشر للبنية الصحية.

كما واصل الرباط توزيع صهاريج المياه الصالحة للشرب على الأسر النازحة، ضمن حملته الكبرى لسقاية غـزة، التي انطلقت منذ أسابيع بتبرعات سخية من أبناء وبنات موريتانيا.

وتابع المنتدى الإسلامي الموريتاني هو الآخر تدخلاته النوعية، حيث قام بتوزيع قافلة من صهاريج مياه الشرب بتمويل كريم من نساء «إدقْرَها»، ونساء أولاد إبراهيم الجكنيات، كما باشر توزيع مئات الوجبات الغذائية الساخنة على الأسر المحاصرة، بتمويل من مبادرة «أيادي العون لنصرة غـزة».

وشملت تدخلات المنتدى كذلك توزيع سلال خضار، وتقديم مبالغ نقدية تكريمية لمتطوعي وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في القطاع، من أئمة ومؤذنين ومحفظين ومحفظات للقرآن، في بادرة امتنان وتقدير للدور الذي يقومون به في تثبيت القيم، وتحصين المجتمع، ومواصلة إقامة شعائر الدين في ظل الحرب والحصار.

ويُعد هذا التكريم جزءاً من برنامج خاص أطلقه المنتدى لتكريم فئات نوعية كان لها دور بارز في صمود غـزة، وهو برنامج يسير بالتوازي مع البرنامج الإغاثي العام الذي ينفذه المنتدى، والذي سبق أن شمل أسر الشهداء والمتطوعين في الدفاع المدني، والعاملين في قطاع التعليم، وغيرهم من القطاعات الحيوية.

لقد عبّر هذا اليوم، بكل تفاصيله، عن أن الشعب الموريتاني لا يزال وفيّاً لعهد النصرة، حاضراً بقلبه وفعله، ومتأهباً لتقديم الغالي والنفيس في سبيل كرامة الأمة. فالمسيرات تهتف، والمنابر تصدع، والعيون تدمع، والأيدي تمتد بالعون والدعاء والدعم، لتقول لغـزة: لستِ وحدكِ، فموريتانيا معكِ… معذرة إلى ربنا، وقياماً بواجبنا».

موقف ثابت ومتجدد

ولعل ما يميز الموقف الموريتاني منذ اندلاع معركة «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر هو أنه لم يكن مجرد موجة عاطفية عابرة، بل موقفٌ ثابتٌ ومتجدد، تتعزز جذوره كلما طال أمد العدوان. لقد شهدت البلاد إجماعاً وطنياً نادراً، جمع مختلف أطياف الشعب الموريتاني؛ علماء وسياسيين، نساءً وشباباً، طلاباً وتجاراً، أحزاباً وطرقاً صوفية، الكل وقف وقفة رجل واحد مع غـزة، في مشهد لم تشهده أي قضية دولية أخرى.

وقد برز هذا الإجماع بشكل جلي في المسيرات الكبرى والوقفات اليومية أمام السفارة الأمريكية في نواكشوط، والتي لم تتوقف طيلة الشهور الماضية، حيث ظلّ المتظاهرون يرفعون شعارات التنديد بالعدوان والمطالبة بطرد السفراء الداعمين له، وعلى رأسهم سفير الولايات المتحدة الأمريكية. ولم تكن هذه الاحتجاجات محصورة في العاصمة فحسب، بل امتدت إلى مدن الداخل، في رسالة وطنية جامعة، تؤكد أن فلسطين تسكن كل شبر من هذا البلد.

وكان لافتاً أيضاً أن هذا الحراك الشعبي حظي بتفهّم ودعم من السلطات الرسمية، التي تبنّت موقفاً واضحاً منذ الأيام الأولى، ودعت في أكثر من مناسبة إلى وقف العدوان، واستنكرت الجرائم التي تُرتكب بحق المدنيين.

وفي الجانب الإغاثي، لم تتوقف التبرعات لحظة واحدة؛ حيث جُمعت مبالغ مالية بلغت عدة ملايين من الأوقية، وسُلّمت إلى الجهات العاملة ميدانياً داخل القطاع، كما انطلقت عشرات القوافل المحمّلة بالمساعدات المتنوعة: صهاريج المياه، الوجبات الساخنة، الأدوية، الخيام، الأغطية، والملابس، وكل ما يمكن أن يخفف من معاناة الأهالي تحت الحصار والقصف.

إنه موقف نابع من وجدان هذا الشعب، وممتد من عمق تاريخه، لا تحكمه المواقف السياسية الطارئة، ولا تسيره ردود الفعل المؤقتة، بل هو وفاء متجدد لفلسطين، وعهدٌ راسخ مع غـزة، ألّا تُترك وحدها مهما طال ليل الظلم أو اشتدّ الحصار.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس