النحل يفهم شفرات مورس ويدرك الزمن بذكاء ميكروسكوبي

4
النحل يفهم شفرات مورس ويدرك الزمن بذكاء ميكروسكوبي
النحل يفهم شفرات مورس ويدرك الزمن بذكاء ميكروسكوبي

أفريقيا برس – موريتانيا. أثبتت دراسة جديدة أن النحل الطنان يستطيع التمييز بين ومضات ضوئية قصيرة وأخرى طويلة، واستخدام هذا الفرق لاختيار مكان الطعام، وتعد هذه المرة الأولى التي يثبت فيها ذلك في حشرة، إذ كانت قدرة التفريق بين “النقطة” و”الشرطة” معروفة سابقا في البشر وبعض الفقاريات مثل المكاك والحمام.

في الدراسة، التي نشرت في 12 نوفمبر/تشرين الثاني في مجلة “بيولوجي ليترز”، صنع الفريق متاهة تدريب لنحل منفرد، تتضمن كل غرفة دائرتين متشابهتين تومضان، إحداهما بوميض قصير (نقطة) والأخرى بوميض طويل (شرطة)، وهما العلامتان الأساسيتان لشفرات مورس الشهيرة.

ربط الباحثون أحد النمطين بمكافأة من محلول سكري، وربطوا النمط الآخر بسائل مر لا يفضله النحل. ولمنع الاعتماد على المكان، كانوا يغيرون موضع كل دائرة في كل مرة، بحيث لا تنجح قاعدة “اذهب يسارا أو يمينا”، بل يجب تعلم مدة الوميض نفسها.

اختبار حاسم

توضح المشرفة على الدراسة إليزابيتا فيرساكي -المحاضرة في علم النفس في جامعة كوين ماري في لندن- أنه بعدما تعلم النحل التوجه مباشرة إلى الدائرة المرتبطة بالسكر، أجرى الفريق اختبارا حاسما.

كان الاختبار، بحسب تصريحات فيرساكي للجزيرة نت، عبارة عن أضواء تومض من دون أي سكر، بهدف التأكد من أن اختيار النحل ناتج عن طول الوميض وليس عن رائحة أو أثر بصري للمكافأة.

وكانت النتيجة أن معظم النحل اتجه إلى نمط الوميض الصحيح الذي تعلمه من قبل، بغض النظر عن مكان الدائرة في الغرفة، وهو ما دفع الفريق لاستنتاج أن النحل تعلم القاعدة الزمنية نفسها.

وتقول فيرساكي: “أردنا أن نعرف إن كان النحل يستطيع تعلم الفارق بين مدد مختلفة، وكان من المثير أن نراه ينجح”. وتضيف أن النحل لا يقابل ومضات متقطعة في بيئته الطبيعية، “لذلك فنجاحه يلمح إلى قدرة عامة على معالجة الزمن قد تكون تطورت لوظائف أخرى، مثل تتبع الحركة أو التواصل”.

يرى الفريق البحثي أن هذه النتيجة مهمة، لأن التمييز بين “النقطة” و”الشرطة” يحدث خلال زمن قصير جدا، أقصر بكثير من المقاييس الزمنية البطيئة في الجسم، مثل الساعات التي تنظم تعاقب الليل والنهار أو تغير الفصول.

ويشير الباحثون إلى أن طريقة قياس الدماغ لهذه الفترات القصيرة لا تزال غير مفهومة بدقة، فبعض النظريات تفترض وجود “ساعة داخلية” واحدة مسؤولة عن ذلك، بينما تقترح نظريات أخرى وجود عدة مؤقتات موزعة في الدماغ.

من هنا، فإن امتلاك أدمغة صغيرة للغاية (أصغر من مليمتر مكعب) لهذه القدرة، يقدم نموذجا ممتازا لاختبار هذه النظريات بشكل أدق.

القدرة على فهم الوقت

ترى فيرساكي أن كثيرا من سلوكيات الحيوانات المعقدة -مثل قدرة الطيور والحيوانات على العودة إلى أعشاشها (الملاحة)، أو تبادل الإشارات بينها (التواصل)- تعتمد في الأساس على فهم الوقت.

لذلك، تعتقد الباحثة أن مقارنة هذه القدرات بين أنواع مختلفة من الحيوانات، بما فيها الحشرات الصغيرة مثل النحل، يمكن أن تساعد العلماء على فهم كيف تطور “إدراك الزمن” عبر التاريخ الطبيعي، ولماذا أصبح بهذه الكفاءة في بعض الكائنات.

وتضيف أن للنتائج جانبا عمليا مهما أيضا، خاصة في مجالات الهندسة والذكاء الاصطناعي، فلو كانت أدمغة صغيرة جدا، قادرة على حل مهمة زمنية معقدة (مثل التمييز بين وميض ضوء قصير وآخر طويل) بسرعة وبدقة، فهذا يعني أن الدماغ لا يحتاج بالضرورة إلى حجم كبير أو طاقة هائلة ليقوم بحسابات زمنية ذكية.

ويفتح هذا الباب أمام مهندسي الذكاء الاصطناعي والروبوتات لاستلهام حلول أبسط وأقل استهلاكا للطاقة في تصميم الشبكات العصبية الاصطناعية والروبوتات الصغيرة والخفيفة، بدل الاعتماد على أنظمة ضخمة ومعقدة دائما.

وبعيدا عن التجارب داخل المعمل، ينسجم هذا الاكتشاف مع ما يعرفه العلماء عن سلوك النحل في الطبيعة، فالأزهار لا تختلف فقط في اللون والرائحة، بل قد تختلف أيضا في توقيت توافر الرحيق، فبعض الأزهار يكون رحيقها أوفر في أوقات معينة من اليوم أكثر من غيرها.