أفريقيا برس – موريتانيا. في نواكشوط، فلسطين لا تُنسى وغزة لا تغيب عن الوجدان، فبعد عامين على اندلاع «طوفان الأقصى»، تعود الساحات الموريتانية لتنبض بالشعارات ذاتها، لكن بأفق أوسع ورؤية أعمق، فقد تواصلت أمس الاستعدادات لإحياء الذكرى، في مشهد يختزل حضور القضية الفلسطينية في الضمير الموريتاني، الذي ظلّ على الدوام منحازًا إلى المظلومين في وجه العدوان.
وبالتوازي مع ذلك، أعلن ملتقى علماء موريتانيا عن تنظيم سلسلة محاضرات وندوات في الذكرى الثانية لطوفان الأقصى، تحت عنوان: «عامان على الطوفان.. الإنجازات، التحديات، والواجبات».
وتتناول اللقاءات التحليلية مسارات المقاومة الفلسطينية، وتطورات المشهد الإقليمي، والدروس المستخلصة من التجربة الميدانية والسياسية التي شكّلتها عملية طوفان الأقصى.
وشهدت العاصمة الموريتانية نواكشوط مساء أمس لحظة مؤثرة، حين احتشدت الجماهير في مطار «أم التونسي» الدولي لاستقبال الوفد الموريتاني العائد من المشاركة في أسطول الصمود المتجه إلى كسر الحصار عن غزة، يتقدّمه الإعلامي محمد فال ولد الشيخ الذي اختطفته بحرية الاحتلال مع عدد من النشطاء قرب المياه الإقليمية للقطاع، واحتُجز ثلاثة أيام قبل ترحيله إلى تركيا.
وضمّ الوفد الموريتاني أيضًا شخصيات وطنية بارزة، من بينهم الخبير المصطفى ولد زين العابدين، والمناضل الشيخ ولد محمد، والدكتور أحمد الهيبة مامينا، والمحامي أنس ولد محمد فال، والناشط الشبابي محمدن البساتي رئيس رابطة مشجعي ريال مدريد في موريتانيا.
وقد هتفت الجماهير لهم بحرارة، مثمنة شجاعتهم وتمثيلهم المشرّف للشعب الموريتاني في هذه الملحمة الإنسانية.
في المقابل، عبّر أعضاء الوفد عن امتنانهم للتضامن الشعبي الكبير معهم، ومع كل النشطاء المشاركين في الأسطول، مؤكدين أن الرسالة الأهم هي استمرار النضال السلمي والضغط الدولي حتى إنهاء الحصار عن غزة ووقف جرائم الاحتلال المتواصلة بحق المدنيين.
وفي بيان رسمي، أعربت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون والموريتانيين في الخارج عن احتفائها بعودة الإعلامي ولد الشيخ، مؤكدة أن الجهود الحثيثة التي بذلت بتعليمات مباشرة من الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني تكللت بالنجاح.
وأضاف البيان أن الوزارة تابعت عن كثب وضعية ولد الشيخ منذ لحظة اعتقاله لدى سلطات الاحتلال، وأجرت اتصالات دبلوماسية مكثفة لضمان سلامته وتأمين إطلاق سراحه، مشيرة إلى تشكيل لجنة خاصة من البعثات الدبلوماسية لمتابعة الملف على مدار الساعة.
كما جدّدت الوزارة موقف موريتانيا الثابت من القضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، داعية المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لوقف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها المدنيون في الأراضي الفلسطينية.
وعلى الصعيد الإنساني، تتواصل الجهود الميدانية لهيئات ومبادرات موريتانية تعمل على إغاثة السكان في قطاع غزة.
فبتمويل كريم من مبادرة جهاد النساء اليعقوبيات، نفذ الرباط الوطني لنصرة الشعب الفلسطيني مجموعة من المشاريع تشمل السقيا والإطعام ورعاية الأيتام والصحة والتعليم، كما نفذ شروع الوجبات الجاهزة الذي استفاد منه أكثر من 96 ألف نازح.
وقام الرباط بتسيير العيادة المتنقلة التي تقدم خدماتها لنحو6 آلاف نازح، كما قام بدعم النساء المعيلات لصالح 200 مستفيدة، وبدعم الطواقم الطبية لفائدة 368 طبيباً، ويضاف ذلك لقيام الرباط بتوزيع الطرود الغذائية لما يزيد على 2165 أسرة.
وفي مدينة روصو جنوبي موريتانيا، واصلت مبادرة «وافعلوا الخير لعلكم تفلحون» تقديم دعمها الإنساني، حيث سلّمت للرباط الوطني الدفعة الرابعة من تبرعاتها البالغة 42 مليونًا و730 ألف أوقية قديمة لصالح أهالي غزة.
أما المنتدى الإسلامي الموريتاني فقد كثّف برامجه الإغاثية، حيث سيّر قوافل مياه صالحة للشرب لأهالي شمال القطاع بتمويل من سكان مدينة ميلوز في فرنسا، كما نفذ حملات توزيع وجبات ساخنة بتبرع من فتيات أهل أحمدن عيسى من قبيلة تجكانت، وواصل حفر وتشغيل الآبار الارتوازية في ظل أزمة المياه الخانقة التي يفرضها الاحتلال على القطاع.
وبين مشهد الاستقبال الشعبي في مطار نواكشوط للعائدين من أسطول الصمود، وهدير قوافل الإغاثة المتجهة نحو غزة، يتكرّس من جديد الموقف الموريتاني الثابت: فلسطين ليست قضية خارجية، بل قضية وطنية وإنسانية وروحية في وجدان كل موريتاني.
ومع اتساع رقعة العمل الإغاثي وتواصل الحراك الشعبي والديني والسياسي، تؤكد موريتانيا أنها ما زالت في قلب المعركة الأخلاقية الكبرى بأركانها الثلاثة: نصرة المظلوم، ودعم الحق، ورفض التطبيع مع الظلم مهما طال أمده.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس