أحمد إمبيريك
أفريقيا برس – موريتانيا. قال المحامي الموريتاني وعضو هيئة الدفاع في ملف الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، السيد محمد المامي ولد اعلي، في حديثه لـ”أفريقيا برس”، بأن موكله يتعرض لمضايقات واسعة، مشيرًا إلى امتناع المحكمة عن مراعاة ظروفه الصحية.
وأوضح ولد اعلي أن قرار هيئة دفاع الرئيس السابق بالانسحاب من قاعة المحكمة جاء نتيجة طلبهم المتكرر بالتوقف عن استنطاق موكلهم نظرًا لظروفه الصحية التي لا تسمح بذلك، حسب تعبيره. كما أشار إلى الطعون المقدمة من هيئة الدفاع على حكم محكمة الاستئناف.
تعود وقائع أطول محاكمة في التاريخ الموريتاني إلى الواجهة من جديد، وذلك بعد طعن دفاع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في الحكم القاضي بإدانته بالسجن خمس سنوات نافذة، وتغريمه، وحرمانه من حقوقه المدنية والسياسية، إلى جانب آخرين شملهم ما بات يُعرف بـ”ملف العشرية”.
ورغم العلاقات التي جمعت بين الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني والرئيس السابق ولد عبد العزيز، إلا أن الخلاف بينهما وصل إلى طريق مسدود مع بداية مأمورية ولد الغزواني. ونتيجة لذلك، تم تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في ما عُرف بـ”ملف العشرية”، وهي السنوات العشر التي قضاها ولد عبد العزيز في سدة الحكم بعد الانقلاب على نظام ولد الطايع.
ويتهم النظام الموريتاني ولد عبد العزيز بتبييض الأموال، وتبديد أموال الدولة، بالإضافة إلى الإثراء غير المشروع.
تحدث دفاع الرئيس السابق عن تعرضه لمضايقات، فما هي تفاصيل هذه المضايقات؟
بالنسبة للمضايقات التي تعرضت لها هيئة الدفاع، فقد تم منعنا على مدى عدة جلسات من إبداء الملاحظات أو التدخل أو حتى تقديم الطلبات وملفات الدفاع للمحكمة، وهو ما يُعدّ مساساً واضحاً بحق الدفاع. إضافة إلى ذلك، تم منعنا من الحصول على منطوقات ثلاثة قرارات اتخذتها المحكمة، ونعتبر أن هذا التصرف يمثل انتهاكاً لحق الدفاع ومساساً بمبادئ المحاكمة العادلة. كما نرى أن هذه الممارسات تندرج ضمن استهداف سياسي مستمر لموكلنا.
ما أبرز ما تضمنته عريضة الدفاع التي تقدمتم بها؟
في الواقع، لم نتقدم بعريضة دفاع مكتوبة، حيث أن الإجراءات أمام محكمة الاستئناف تعتمد على المرافعات الشفهية التي يتم تقديمها مباشرة أمام المحكمة. ومع ذلك، يحق للدفاع أثناء المرافعة الشفهية أن يقدم مذكرة مكتوبة، وهذا ما نعتزم القيام به بإذن الله، إذا أتيحت لنا المحكمة فرصة الدفاع عن موكلنا بشكل كامل ومنصف.
ما الذي تضمنه الطعن الذي تقدمتم به لدى المجلس الدستوري؟
تقدمنا بطعن أمام المجلس الدستوري استنادًا إلى أن المادة (2)، الفقرة (ب) منها، تحمل تفسيرًا اعتبرته محكمة الدرجة الأولى أن رئيس الجمهورية يُعد موظفًا عموميًا. طلبنا من المجلس الدستوري إزالة هذا التعارض بين هذه المادة والحقوق والضمانات التي يكفلها الدستور لرئيس الجمهورية، وفقًا للمادة (93)، والتي تنص على أن رئيس الجمهورية لا يُساءل عن الأفعال التي قام بها أثناء ممارسته لمهامه، ولا يمكن اتهامه إلا من طرف البرلمان ولا محاكمته إلا أمام محكمة العدل السامية.
وقد أصدر المجلس الدستوري قراره متضمنًا نقطتين أساسيتين: الأولى أن الفقرة (2) من قانون مكافحة الفساد لا تخالف الدستور، والثانية أن هذه المادة لا تتعارض مع الحقوق والحريات التي تكفلها المادة (93) لرئيس الجمهورية. وأوضح المجلس في حيثيات قراره أن الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور لرئيس الجمهورية تبقى غير متأثرة بما ورد في المادة (2) من قانون مكافحة الفساد.
قدمنا هذا القرار إلى المحكمة مع توضيحنا لكونه ملزمًا وفقًا للدستور. ومع ذلك، فإن المحكمة رفضت النظر في طلبنا دون إصدار قرار واضح بالقبول أو الرفض، كما منعتنا من الحصول على منطوق قرارها بشأن صرف النظر عن الطلب.
ما هي أبرز النقاط التي شملها الحكم الابتدائي للمحكمة في حق الرئيس السابق؟ وما أبرز الطعون التي تقدم بها الدفاع؟
شمل الحكم الابتدائي تبرئة موكلنا (الرئيس السابق) من ثماني تهم وجهتها له النيابة العامة، ومن بينها استغلال النفوذ، وتبديد الممتلكات العقارية للدولة، بالإضافة إلى عدد من التهم الأخرى. ومع ذلك، أدانت المحكمة موكلنا في تهمتين هما: الإثراء غير المشروع وتبييض الأموال.
أما بالنسبة للطعون التي تقدم بها الدفاع، فقد ركزت على الطعن في تفسير المحكمة للمواد القانونية التي اعتمدت عليها في الإدانة، مع التأكيد على تعارض ذلك مع النصوص الدستورية التي تحمي الحقوق والضمانات الممنوحة لرئيس الجمهورية أثناء فترة ولايته. كما اعترض الدفاع على تجاهل المحكمة للقرارات والتفسيرات الملزمة الصادرة عن المجلس الدستوري، والتي كان من شأنها إلغاء الاتهامات الموجهة إلى موكلنا.
اتهمتم في الدفاع المحكمة بكونها طرفًا وخصمًا في الملف، فما توضيح ذلك؟
موكلنا، الرئيس السابق، رفع دعوى مخاصمة ضد القضاة المشكلين لهيئة المحكمة. تُعرف هذه الدعوى في قوانين الإجراءات الموريتانية بأنها وسيلة قانونية يلجأ إليها الطرف المتضرر إذا رأى أن القضاة ارتكبوا خطأ جسيمًا في حقه. تُرفع هذه الدعوى إلى المحكمة العليا للنظر فيها.
وفقًا لهذا الإجراء، وبمجرد رفع دعوى المخاصمة، تصبح هيئة المحكمة التي استُهدفت بالدعوى خصمًا للرئيس السابق. وبالتالي، لا يمكن من حيث المبدأ ومن منظور العدالة، أن يستمر القضاة الذين أصبحوا خصومًا في نظر القضية ضد موكلنا. فقد أصبح من غير المناسب وغير العادل أن يحاكم الخصم خصمه، وهو ما يتنافى مع مبادئ العدالة والإنصاف.
استنادًا إلى ذلك، تقدمنا بطلب إلى المحكمة للتخلي عن النظر في القضية لحين صدور قرار من المحكمة العليا بشأن دعوى المخاصمة. ومع ذلك، رفضت المحكمة طلبنا واستمرت في النظر في القضية، وهو ما نعتبره انتهاكًا للحقوق وضمانات العدالة.
هل تعرض الرئيس السابق للمضايقات؟ وما هي ظروفه الصحية الآن؟ وما أسباب انسحاب فريق الدفاع؟
الرئيس السابق تعرض لسلسلة من المضايقات، كان آخرها تقديمه طلبًا للمحكمة بتعليق جلسة الاستنطاق نظرًا لتدهور حالته الصحية ومعاناته من السهر الليلي، مما جعله غير قادر على مواصلة الجلسة. هذا الطلب يُعتبر حقًا مشروعًا تكفله القوانين الوطنية والعادات الدولية ومبادئ العدالة والإنصاف، لكن المحكمة رفضت طلبه وأمرت بمواصلة استجوابه.
حاولت هيئة الدفاع التدخل وطلبت التوضيح فيما يتعلق ببعض النقاط، لكن المحكمة رفضت الاستماع إلى الدفاع، رغم سماحها للنيابة العامة ودفاع الدولة بتقديم ملاحظاتهم.
لهذين السببين، أولًا استمرار المحكمة في الاستنطاق رغم الظروف الصحية الصعبة للرئيس السابق، وثانيًا منع هيئة الدفاع من تقديم ملاحظاتها وطلباتها، قررت هيئة الدفاع الانسحاب احتجاجًا على عدم توفير الحد الأدنى من شروط المحاكمة العادلة.
ختاما، ورغم الجدل الدائر حول دستورية المادة (2) من قانون مكافحة الفساد بين دفاع الرئيس السابق ودفاع الطرف المدني، وما ورد في تصريح الأخير خلال مؤتمر صحفي بالعاصمة نواكشوط من اتهام للرئيس السابق باستغلال قاعة المحكمة للخطابات والدعاية السياسية، مع الإشارة إلى ما يعتبره إنجازًا خلال العشرية السابقة، يرى مراقبون أن المحاكمة قد اتخذت طابعًا سياسيًا.
في تصريح لـ”أفريقيا برس”، قال الإعلامي والمحلل السياسي الموريتاني، الداه يعقوب، إن المحاكمة “أخذت طابعًا سياسيًا بحتًا”. وأضاف يعقوب: “يبدو ذلك واضحًا من خلال إبعاد القاضي المعني بالملف، وعدم مراعاة الوضع الصحي للرئيس السابق الذي كان يعاني من آلام في الركبة”.
وأشار الداه يعقوب إلى أن “المتابع للمشهد يرى أن هناك نوعًا من التعامل البعيد عن الإنسانية مع الرئيس السابق، وأعتقد أن المحاكمة مُسيسة بشكل كبير، وربما يصل الأمر لاحقًا إلى التوصل لحكم مُجحف بحق الرجل”.
ويعتقد الداه يعقوب أن الحديث عن تقارب في وجهات النظر، كما أشيع مؤخرًا، هو أمر بعيد المنال ولا يوجد ما يرجحه. وأضاف أن التأثير السياسي يلقي بظلاله على تعامل المحكمة مع الملف، مما يجعل الأحكام الصادرة عنها لاحقًا متوقعة أن تكون صعبة وقاسية.
وأكد يعقوب أن الدخول في مرحلة المواجهة السياسية، وربما موجة اعتقالات قد تطال عددًا من أنصار الرئيس السابق بعد صدور الحكم المتوقع، بات أمرًا شبه مؤكد.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس