الانتخابات الموريتانية بنكهة عسكرية

36

في وقت رجح فيه البعض أن ينقلب الرئيس الموريتاني الحالي “محمد ولد عبد العزيز” على الحدود الرئاسية والصلاحيات المحدودة التي وضعها هو بنفسه كقاعدة لكل من يأتي بعده، فاجأ الجميع باستمراره حتى الآن على وعده بالبقاء بعيدا عن الدخول في معركة حول فترة رئاسية ثالثة، وبفرض حفاظه على عزوفه عن السلطة مرة أخرى.
يضع الموريتانيون الكثير من الثقة في دستور البلاد، وتحديدا في المادة الثامنة والعشرين(1) التي تنص على أنه “يمكن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية مرة واحدة”، وهي مادة أُضيفت إلى الدستور الموريتاني ضمن التعديلات التي أُدخلت عليه عام 2006. وفيما تظهر هذه المادة كفرس رهان رابح في معركة الانتخابات القادمة، خاصة بالنسبة لمعارضة تطالب بانتخابات نزيهة تخضع لمراقبة محلية ودولية، فإن الأمور ليست بهذه البساطة عندما تُوضع في سياقات عدة أخرى، سياقات تبدأ مع تاريخ طويل مع الانقلابات العسكرية، ولا تنتهي عند كون مرشح الرئاسة الأوفر حظا الآن هو الجنرال “محمد ولد الغزواني”، الرجل المعروف بكونه اليد اليمنى لـ “ولد عبد العزيز”، وأحد مهندسي ومنفذي انقلابين عسكريين جريا في عامي 2005 و2008 على التوالي.

حريّ بالذكر أن “عزيز” لم يكتف بتوطيد العلاقة مع الجيش، ويرى جزء من المعارضة أنه قد حدثت نجاحات عدة في خطة الإصلاح الاقتصادية والاجتماعية، وإن لم تسر على الوتيرة ذاتها، وشملت هذه النجاحات كما يصفها الدكتور “سعد ولد الوليد” رئيس حزب الرباط الموريتاني المعارض، في حديثه مع “ميدان”، “إصلاحات للبنى التحتية وفي مجالات التعليم والبحث والصحة والزراعة والنقل والطاقة وحرية الصحافة، مع حقوق أوسع للمرأة”، حد تعبيره.

تؤيد معدلات النمو الاقتصادي في موريتانيا، والتي ارتفعت عام 2017 لتصل إلى 3.5%، حديث “ولد الوليد”، وإن ظلت تلك الفترة من حكم “ولد عبد العزيز” لموريتانيا موضع جدل كما يصفها الكاتب والمحلل السياسي الموريتاني “هشام جعفر مولاي”، في حديثه لـ “ميدان”، قائلا: “كانت البلاد لتخطو خطوات مهمة لو تم توجيه عائداتها من العملة الصعبة إلى مشاريع مدرة للدخل تنهض بالاقتصاد، بدلا من توجيهها لقطاعات جامدة كتعبيد الطرق و بعض البنى التحتية، رغم الحاجة إليها”.

و”لا يزال من الصعب تقييم فترتي نظام الرئيس “عزيز” بالإيجاب أو السلب”، كما يضيف “مولاي”، وفيما تبدو أهم مكتسبات هاتين الفترتين في هذه المرحلة هي قدرة الرئيس الحالي على التخلي عن سلطته لأجل رئيس منتخب قادم، فإن الإصلاحات المنقوصة للجنرال هي ذاتها التي تركت المعارضة الموريتانية الآن منقسمة على نفسها حول رأيها حول النظام الحالي، وإن كانت المعارضة أيضا دون خطة واضحة أو برنامج انتخابي قد يزيد من فرص مرشحيها أمام مرشح النظام الجنرال “الغزواني”، وبدون أفق محتمل لوجود خطة كتلك فيما بعد، وهو أمر قد يعبّد الطريق الممهد بالفعل أمام “الغزواني” وبشكل شبه نهائي.

على الأرجح فإن الانتخابات الموريتانية الحالية ستكون الحدث الأكثر جدلا في الدولة، لا سيما أن الرئيس الحالي أعلن وقوفه “هو وكل من يأتمر بأمره” حد تعبيره خلف ترشح الجنرال “الغزواني”.

حريّ بالتذكير أن اتفاق التحالف الانتخابي المعارض كان يقتضي اختيار مرشح واحد فقط عنه لخوض الانتخابات المقبلة، إلا أن اختيار مرشحين كانا جزءا من “حكومة انقلابية” سابقة.

هذا ومن ناحية أخرى تمّ تفعيل بند القانون المتعلق بالأحزاب السياسية والذي ينص على أنه “يتم بقوة القانون حلّ كل حزب سياسي قدم مرشحين لاقتراعين بلديين اثنين وحصل على أقل من 1% من الأصوات في كل اقتراع، أو الذي لم يشارك في اقتراعين بلديين اثنين متواليين”، وكانت النتيجة حل أكثر من 70% من الأحزاب السياسية العاملة في الداخل الموريتاني الآن باختلاف انتماءاتها سواء للحكومة أو المعارضة.

ورغم ذلك، لا يُنظر للقرار الأخير بحل الأحزاب بالكثير من الاهتمام فيما يتعلق بكونه ممهدا للطريق أمام الغزواني للوصول للرئاسة، فأمام تشرذم المعارضة وتخليها عن دورها الطبيعي.

وفيما سيُمثّل الفوز المرجح لغزواني في الانتخابات “انتصارا لمشروع الرئيس الحالي و فلسفته في الحكم و الإدارة”، كما يقول “ولد الوليد” لميدان، خاصة مع كونه المرشح الأقوى على الساحة حاليا، فهو في النهاية لا يعني سوى استمرار سلطة الانقلابات العسكرية في موريتانيا، وامتدادها لخمس سنوات أخرى، خاصة مع كون أغلب الإصلاحات الاقتصادية للنظام الحالي مرتبطة ارتباطا وثيقا من حيث تمويلها مع قدرته على الحفاظ على تحالفاته الدولية، خاصة انخراطه في الأنشطة العسكرية ذات التخطيط الفرنسي، وهي خارطة تحالفات لا يتوقع أن تتغير بحال مع صعود الغزواني المرجح، لتستكمل موريتانيا على ما يبدو سلسلتها الطويلة من الحكم العسكري ذي الصبغة المدنية، وهو حكم لم تقدم المعارضة حتى الآن للموريتانيين ما قد يُعدّ بديلا متماسكا له لإقناعهم بتغييره بأي حال.