النيابة العامة تطعن في حكم محكمة الاستئناف للرئيس السابق

4
النيابة العامة تطعن في حكم محكمة الاستئناف للرئيس السابق
النيابة العامة تطعن في حكم محكمة الاستئناف للرئيس السابق

أفريقيا برس – موريتانيا. في تطور لافت ضمن المسار القضائي المتعلق بملف الرئيس الموريتاني السابق، أعلنت النيابة العامة في موريتانيا عن تقديم طعن جزئي في الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف بحق محمد ولد عبد العزيز.

ويأتي هذا الطعن في سياق متابعة الجهات القضائية لمسار المحاكمة التي حظيت بمتابعة إعلامية وشعبية واسعة، والتي تعدّ من أبرز القضايا في تاريخ القضاء الموريتاني، نظرًا لحجم المتهمين وطبيعة التهم التي حوكموا على أساسها والمرتبطة بالفساد واستغلال النفوذ.

وشمل الطعن الأحكام الصادرة في حق الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وثلاثة متهمين آخرين هم: محمد سالم ولد إبراهيم فال المدير العام السابق لشركة الكهرباء، ومحمد ولد امصبوع صهر الرئيس السابق، ومحمد الأمين ولد بوبات أحد أقربائه.

وجاء الطعن استناداً إلى ما اعتبرته النيابة “قصوراً في تلبية مطالبها” فيما يتعلق بالأحكام الصادرة بحق المتهمين الأربعة، سواء في منطوق القرار أو حيثياته.

وقد وقّع المدعي العام لدى محكمة الاستئناف التصريح بالطعن، ليتم توجيهه إلى المحكمة العليا للنظر فيه وفق المساطر المعتمدة.

وفي المقابل، لم يشمل الطعن النيابي الأحكام الصادرة ببراءة عدد من الوزراء والمسؤولين السابقين الذين شملهم الملف، ما يمنح تلك الأحكام طابعاً نهائياً، مانعاً لأي ملاحقات قضائية جديدة في غياب طعن رسمي ضدها.

وتعود جذور هذه القضية إلى عام 2020، عندما شكّل البرلمان الموريتاني لجنة تحقيق برلمانية للنظر في شبهات فساد خلال فترة حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز (2009–2019).

وأفضت تحقيقات اللجنة إلى إحالة الملف إلى القضاء، حيث وُجهت لائحة اتهام رسمية في آذار/مارس 2021 شملت 13 شخصية، من بينهم الرئيس السابق وعدد من كبار معاونيه، بتهم شملت الإثراء غير المشروع، وتبييض الأموال، وإساءة استغلال الوظيفة، والإضرار بالمصلحة العامة.

وتلا ذلك مسار قضائي معقد، بدأ من قطب التحقيق في الجرائم الاقتصادية، ثم الإحالة إلى المحكمة المختصة في مكافحة الفساد، التي أصدرت في يوليو 2023 حكماً بسجن الرئيس السابق 5 سنوات، قبل أن تقوم محكمة الاستئناف في مايو 2025 بتشديد العقوبة إلى 15 سنة نافذة.

كما قضت محكمة الاستئناف بسجن ولد إبراهيم فال وولد امصبوع لمدة سنتين نافذتين، وأكّدت الحكم السابق على رجل الأعمال محمد الأمين ولد بوبات بسنتين مع وقف التنفيذ.

وأثارت المحاكمة جدلاً واسعاً في الأوساط القانونية والسياسية، خاصة بعد أن طعن فريق الدفاع عن الرئيس السابق في دستورية بعض مواد قانون مكافحة الفساد، مثل المادة 16 التي تُلزم المتهم بتبرير ثروته، معتبراً أن هذه المادة تتعارض مع قرينة البراءة المنصوص عليها في الدستور؛ كما طعن الدفاع في اختصاص المحكمة، مستنداً إلى المادة 93 من الدستور التي تحصر، وفقاً لما يراه محامو الرئيس السابق ويرفضه دفاع الطرف المدني، محاكمة رئيس الجمهورية في حالة “الخيانة العظمى” من طرف الجمعية الوطنية، مع جعل محاكمته من اختصاص محكمة العدل السامية وحدها.

وأكدت هيئة الدفاع عن الدولة أن جميع الجرائم التي يُحاكم بشأنها الرئيس السابق تتعلق بمسائل لا علاقة لها بولايته ولا بصلاحياته المحددة في الدستور، وبالتالي فإن محاكمته أمام القضاء العادي المختص أمر مشروع.

وأثار الحكم القضائي الصادر بحق الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ردود فعل واسعة ومتباينة في الأوساط السياسية والشعبية والقانونية؛ بين من يرى فيه محطة فاصلة في مسار مكافحة الفساد وترسيخ دولة القانون، ومن يعتبره انتقائياً وذا طابع سياسي يضرب في العمق مبدأ المحاكمة العادلة.

وفيما شددت هيئة الدفاع على الطعن في الحكم واتهامها للسلطات بتسييس الملف، خرج أنصار وأقرباء الرئيس السابق في احتجاجات رافضة لما وصفوه بـ “الاستهداف الممنهج لرمز من رموز الدولة ولأحد أبرز أبنائها المخلصين”.

وفي انتظار قرار المحكمة العليا بشأن هذا الطعن، يظل ملف “العشرية” مفتوحاً على كافة الاحتمالات، في واحدة من أكثر القضايا حساسية في المشهد الموريتاني المعاصر.

ومن المنتظر أن يفتح الطعن الذي قدمته النيابة العامة الباب أمام مرحلة جديدة من التقاضي قد تعيد النظر في بعض جوانب الحكم السابق، وسط ترقّب داخلي وخارجي لما ستسفر عنه المداولات المقبلة.

ويؤكد الطعن الجزئي أن الملف ما يزال مفتوحًا على احتمالات متعددة تعكس تعقيداته القانونية والسياسية، كما تعكس إصرار النيابة العامة على المضي في ملاحقة ما تعتبره قضايا تتعلق بالمال العام ومساءلة كبار المسؤولين، ضمن توجه رسمي لإرساء الشفافية ومكافحة الفساد.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس