أفريقيا برس – موريتانيا. اشتدت الأزمة السياسية والإعلامية في موريتانيا خلال الساعات الأخيرة، إثر التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها النائب البرلماني المعارض بيرام الداه اعبيد أمام مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل.
فقد فتحت تصريحات ولد اعبيد التي ركّزت على ما وصفها بـ»المظلومية العرقية، والتي أكد فيها أن «نظام الرئيس الغزواني يقتل المواطنين على أساس هويتهم وانتمائهم للمكونات العرقية الزنجية»، بابًا واسعًا من الجدل الداخلي، وأثارت ردود فعل غاضبة في صفوف مجموعة «البيظان/عرب موريتانيا»، بينما تباينت المواقف السياسية بين أنصاره المؤيدين لخطابه وتيار واسع من النخب الرافضين له.
ولم تتأخر الحكومة من جانبها في الرد على تصريحات ولد اعبيد، إذ قال وزير الثقافة والفنون والاتصال والعلاقات مع البرلمان، الناطق باسم الحكومة، الحسين ولد مدو، «إن وحدة وأمن ولحمة المجتمع الموريتاني أقوى وأبقى من كل الخطابات السياسية الكاذبة، ومن كل الأخبار الزائفة التي يتم تسويقها داخليًا أو تعليقها خارجيًا».
وشدد الوزير في رده على النائب ولد اعبيد، على «أن موريتانيا دولة قانون، وألا أحد فوق القانون، خاصة إذا تعلق الأمر بخطابات تمس الوحدة الوطنية أو تماسك الشعب».
وأكد الوزير «أن النظام الحالي بقيادة الرئيس محمد ولد الغزواني حقق مكاسب واضحة في مجال تعزيز التماسك الاجتماعي، وأن المؤسسات المستحدثة في عهده كان هدفها الأساسي محاربة الغبن والإقصاء».
في المقابل، واصل بيرام تصعيده ضد النظام، إذ قال في رسالة صوتية رد فيها على الوزير «إن الشعب الموريتاني تضرر من «كذب النظام»، وإن أبرزها ما وصفه بالخدعة المتعلقة بترخيص حزبه «الرك»، مؤكدًا أن تلك الحادثة كانت قاصمة ظهر العلاقة بينه والنظام، ومعتبرًا أن من لم يفهم بعد حقيقة نظام الغزواني «سيأتي اليوم الذي يفهمه فيه».
واتسع هذا الجدل مع دخول المدونين والفاعلين في المشهد الرقمي على الخط، فقد كتب المدون المعروف «اكس ولد أكريك» وهو أبرز مدون موريتاني على الفيسبوك «أن العسكر صنعوا بيرام ليستفيدوا من خطابه العنصري لخلق عدو وهمي يخيف البيظان ويدفعهم للالتفاف حول النظام»، معتبرًا «أن بيرام نجح في حرق أوراق كل المتاجرين بمظلومية «لحراطين» وأصبح هو وحده رمزها، ما جعل أي خطاب مماثل بعده بلا قيمة». وأوضح المدون البارز «أن النظام تعامل مع بيرام في أكثر من محطة انتخابية (2014، 2019، 2024) بمنطق «المسرحية السياسية»، لكن اللعبة قد تنقلب على صانعيها يومًا ما»، حسب تعبيره.
أما المدون النشط أحمد سيدي فقد اعتبر أن حركتي «إيرا» التي يقودها النائب بيرام والتي تدافع عن قضية الحراطين الموريتانيين (الأرقاء السابقون) و»فلام» التي يقودها موريتانيون زنوج، صنعتا «فئة مجتمعية غريبة».
وقال «إن خطاب الكراهية والتحريض الذي يروج له بيرام الداه اعبيد أخطر من مجرد حشد أصوات انتخابية، بل هو «مخطط تفكيكي» يستهدف العقيدة والرموز الوطنية والنسيج الاجتماعي»، محذرًا من «أن ما يحدث ليس مجرد سياسة، بل تهديد وجودي لوحدة الدولة الموريتانية».
وتكشف الأزمة الجديدة التي فجرها بيرام اعبيد عن عمق الانقسام في الخطاب السياسي الموريتاني بين من يركز على «المظلومية العرقية» ومن يردّ بالحديث عن «الإنجازات التنموية». وبين خطاب النائب بيرام بروكسل الذي يسعى، كما يقول خصومه، إلى استجداء الخارج، وخطاب نواكشوط الذي يركز على الداخل، يظل التحدي الأكبر هو الحفاظ على السلم الاجتماعي في بلد متعدد الأعراق والثقافات، في وقت يترقب فيه الجميع مآلات الحوار السياسي المرتقب باعتباره الاختبار الحقيقي لقدرة موريتانيا على تجاوز الاستقطاب وبناء أرضية جامعة.
وبين هذه السجالات المتصاعدة، يظل السؤال مطروحًا حول مدى قدرة الطبقة السياسية الموريتانية، أغلبية ومعارضة، على تجنيب البلاد منزلقات الاستقطاب الحاد، والحفاظ على خيط رفيع من التوازن الاجتماعي والسياسي، في بلد يعتبر التعايش بين مكوناته شرطًا أساسيًا لاستقراره ومستقبله.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس