أفريقيا برس – موريتانيا. أعادت حادثة مقتل منقبين موريتانيين اثنين شمال البلاد بقصف مسيرة قيل إنها «مغربية»، وفي نقطة قيل إنها «خارج التراب الموريتاني»، قضية تأمين الحدود الشمالية الموريتانية للواجهة، مثيرة قلقاً كبيراً إزاء تكرار هذه الحوادث، ومجددة المطالبة بإيجاد صيغة لمنع وقوعها.
ولم يصدر عن الجهات الرسمية الموريتانية حتى لحظة كتابة هذا التقرير أي تعليق على هذه الحادثة المضافة لمسلسل الهجمات التي قتل فيها عدة مدنيين في المناطق الموريتانية الحدودية المحاذية للصحراء الغربية.
ووفقاً لمصادر متابعة لهذا الشأن، فإن «القصف نُفذ بواسطة طائرة مسيّرة، دون أن تعلن أي جهة مسؤوليتها عنه حتى الآن».
ويأتي هذا الهجوم ضمن سلسلة من الحوادث المماثلة التي تعرض فيها منقبون وممونون موريتانيون للقصف أو الاستهداف قرب الحدود مع المغرب، وسط صمت رسمي من السلطات في كل من موريتانيا والمغرب.
وكان الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، قد نبّه، في خطاب ألقاه أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2023، إلى خطورة تجاوز الحدود، داعيًا المنقبين الموريتانيين إلى احترام الإجراءات الأمنية المعمول بها، ومؤكدًا أن استمرار هذه التصرفات «لا يمكن أن يُقبل أو يستمر».
وفي رد سريع على الحادثة، أصدر المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان بيانًا شديد اللهجة، طالب فيه «الحكومة الموريتانية بفتح تحقيق جاد وشفاف، بمشاركة بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية، لضمان محاسبة الجهة المسؤولة عن الهجوم».
واتهم المرصد «القوات المغربية بالوقوف وراء الهجوم، استنادًا إلى ما سماه «شهادات ميدانية»، معتبرًا أن «المواطنين البسطاء يُستهدفون دون تمييز، وسط تجاهل مستمر من السلطات الموريتانية». ووصف المرصد هذه الهجمات بـ»الهمجية»، مشددًا التأكيد «على أن تجاوز الحدود لا يبرر استباحة دماء المواطنين»، ورافضًا ما وصفه بـ»اللامبالاة الرسمية، خاصة من قبل مفوضية حقوق الإنسان واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، اللتين لم تصدرا أي توضيح أو موقف من الحادث».
وفي موقف آخر لافت، أصدرت نخبة موريتانيا برئاسة الشاعر عبد الله ولد بونا بيانًا مشددًا عبّرت فيه عن «الاستياء العميق من تكرار استهداف المواطنين الموريتانيين على الحدود».
وأضاف البيان أن ما يجري «مقرف ومستهجن ومدان»، خاصة أن «غرف التحكم العملياتي التي ترسل المسيّرات المسلحة تدرك يقينًا أنها تستهدف مواطنين موريتانيين عزّلًا، سواء أكانوا منقبين أو منمين أو عابري سبيل في مدى يعرفهم ويعرفونه».
وتساءل البيان: «ما جدوى التنسيق الأمني والعسكري مع دول تدمن سفك دماء الموريتانيين؟ ما جدوى الشراكة معها في مجلس أعلى سياسي أو اقتصادي؟ ما جدوى الصمت عن نشرها لقوات في وضع هجومي على خط حدودنا؟».
ودعا البيان «إلى ضرورة الرد على النيران بالمثل، متسائلًا: «فمتى نرد؟ متى ندرك أن الصبر الاستراتيجي قد يُقرأ ضعفًا فيتمادى المعتدي؟».
وأضاف: «إن على المغرب ومالي أن يتوقفا عن قتل الموريتانيين وأن يعتذرا للشعب الموريتاني، وأن تتحملا تبعات ذلك، كما يجب على الحكومة أن تضطلع بمسؤوليتها السيادية، وعلى الجيش أن يؤدي واجبه «المقدس» في حماية المواطنين».
وزاد: «إن استمرار مثل هذه الهجمات يُحتّم إعادة تقييم شاملة للسياسات الأمنية والدبلوماسية في المناطق الحدودية، بما يضمن حماية الأرواح ويصون هيبة الدولة وسيادتها. فلا حياد في حماية المواطن، ولا مساومة في دمائه».
هذا، وتثير هذه الحوادث تساؤلات عميقة حول العلاقة مع دول الجوار، خصوصًا المغرب، ومدى فاعلية التنسيق الأمني والعسكري القائم، إذ يبدو أن الحياد الموريتاني لم يَعُد كافيًا لضمان أمن المواطنين على الحدود.
وتتعدى هذه الحوادث، وفقًا للخبير الاستراتيجي الموريتاني محمد محمد سالم «إطار الخسائر البشرية، لتطرح، حسب رأيه، تهديدات استراتيجية على الأمن القومي الموريتاني، بينها تفكك الثقة بين الدولة والمواطن باستمرار القصف دون حماية أو رد فعل يُمكن أن يؤدي إلى تآكل شرعية الدولة في نظر مواطني المناطق الحدودية؛ ومن بينها تحول المناطق الحدودية إلى مناطق توتر دائم بما قد تدفع هذه العمليات المدنيين إلى التسلح أو اللجوء إلى الحماية الذاتية، مما يزيد من احتمالات الفوضى، وتقويض الحياد الموريتاني في نزاع الصحراء، حيث إنه إذا لم تُحمِ نواكشوط حدودها بفاعلية، فسيُنظر إلى حيادها كغطاء للعجز، وقد يُحرّض أطراف النزاع على استغلال هذا الفراغ».
وقال: «ينضاف لهذه المخاطر تدهور العلاقات مع الجوار الذي قد ينجم عن تجاهل الاعتداءات أو التعامل معها بمنطق التساهل، إذ قد يؤدي ذلك إلى انفجار دبلوماسي لاحق يصعب احتواؤه».
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس