أفريقيا برس – موريتانيا. وسط مشهد وطني مشحون بالمشاعر والانتصارات الرمزية، تبرز موريتانيا من جديد بموقف مميز يُجدد عهدها مع قضايا الأمة، ويؤكد حضورها الفاعل في ميادين التضامن والهوية.
فقد عرفت العاصمة الموريتانية أمس وقفات جماهيرية حاشدة في إطار بـ«جمعة غضب» إضافية لسجل جمعات الاحتجاج تعبيرًا عن دعم الموريتانيين القوي لأهالي غزة في ظروف الشدة، ورفضًا لصمت العالم أمام المآسي المتواصلة.
وبموازاة هذا الزخم الشعبي، تتواصل الجهود الإغاثية في مشهد وطني متكامل، تتلاقى فيه المؤسسات الرسمية والمبادرات الأهلية في لوحة جامعة، تعكس وحدة الخطاب والموقف والانتماء.
وليس هذا الحراك مجرد ردّ فعل عابر، بل هو تعبير عن ثبات موريتانيا على مواقفها التاريخية، وحرصها على جعل اللغة والوجدان والعطاء أدوات نضالٍ لا تنكسر.
وجاءت الوقفات الشعبية الحاشدة التي نظمت أمس أمام المسجد الكبير، وسط العاصمة، لتجدد تنديد الموريتانيين بالعدوان الصهيوني المتواصل على غزة، وللتعبير عن دعم لا محدود لصمود أهلها ومقاومتهم الباسلة، وسط دعوات لطرد سفارات داعمي الاحتلال من الأراضي الموريتانية.
وقد تميزت الوقفة، التي دعت إليها هيئات ومبادرات مدنية من أبرزها الرباط الوطني الموريتاني لنصرة الشعب الفلسطيني، والمبادرة الطلابية الموريتانية لمساندة القضايا العادلة والمنتدى الإسلامي الموريتاني، بمشاركة طيف واسع من العلماء والفقهاء والأئمة، إلى جانب قادة أحزاب سياسية ونشطاء المجتمع المدني. وتوالت الكلمات المدوية المنددة بجرائم الاحتلال، والداعية إلى تكثيف الدعم الشعبي والإغاثي للقطاع المحاصر.
وفي تدخلاتهم، أكد الخطباء أن نصرة فلسطين فريضة شرعية وواجب ديني لا يسقط مع مرور الوقت، داعين إلى ترسيخ هذه القضية في مناهج التربية والمساجد والمنابر.
أما الساسة ورؤساء الأحزاب، فاعتبروا أن العدوان على غزة كشف فاضح لتردي أخلاق العالم المزدوجة، مطالبين بخطوات أكثر جرأة في قطع العلاقات مع الأنظمة التي تدعم الاحتلال عسكريًا وسياسيًا.
وتتوازى هذه الوقفات الشعبية مع جهود إغاثية ميدانية مكثفة تنفذها منظمات موريتانية فاعلة، أبرزها الرباط الوطني لنصرة الشعب الفلسطيني، الذي نجح حتى الآن في إقامة ثلاث نقاط طبية متكاملة في قطاع غزة، مزودة بالمستلزمات الضرورية، لتخفيف الضغط على المستشفيات المنهكة بفعل القصف والاستهداف الممنهج للبنية الصحية.
كما نظم الرباط معرضًا تجاريًا تضامنيًا ضخمًا لبيع مختلف أنواع البضائع والمقتنيات التي تبرع بها الموريتانيون لصالح أهالي غزة، في تعبير حي عن تلاحم الشعوب رغم الجغرافيا والحصار.
وفي ظل أزمة العطش المتفاقمة في غزة، أطلق الرباط حملة كبرى لسقاية الأسر النازحة، بتوزيع كميات من المياه الصالحة للشرب، ضمن مبادرة إنسانية تنبع من ضمير الشعب الموريتاني الجمعي.
ويواصل المنتدى الإسلامي الموريتاني تنفيذ سلسلة واسعة من المشاريع الإغاثية والإنسانية داخل غزة، شملت توزيع آلاف الوجبات الغذائية، خاصة الوجبات الموزعة بتمويل كريم من نساء موريتانيات مقيمات في قطر ومنسوبات لقبيلة أولاد إبراهيم الجكنيات.
كما قام المنتدى ببناء مصليات جديدة على أنقاض المساجد المدمرة، لتكون مراكز للصلاة والتحفيظ والدعوة والتربية، ما يعكس وعيًا عميقًا بحاجة أهل غزة إلى التثبيت الروحي والمعنوي وسط هول الدمار.
وفي مبادرة نوعية، وزّع المنتدى 80 ألف لتر من مياه الشرب على 15 مخيمًا للنازحين في منطقة المواصي في خان يونس، استفادت منها أكثر من 2500 أسرة، إلى جانب استمرار توزيع الخبز والمواد الأساسية للأسر المحاصرة.
وتؤكد هذه التحركات مجتمعة، أن القضية الفلسطينية ليست قضية عاطفية عابرة في الوجدان الموريتاني، بل التزام عملي وأخلاقي يتجدد مع كل نازلة.
ففي كل بيت موريتاني شيء من غزة، وفي كل ضمير موريتاني همٌّ لغزة، وفي كل حي من أحياء موريتانيا استعداد دائم للبذل والعطاء.
وعلى لسان أحد الأئمة، أرسلت موريتانيا الرسمية والشعبية رسالتها الواضحة للعالم: «لن تنكسر غزة ما دام لها فينا هذا الصدى، وما دامت مقاومتها تلهمنا، وصمودها يدفعنا إلى المزيد من التضحية والوفاء».
وما شهدته موريتانيا منذ اندلاع طوفان الأقصى لم يكن مجرد تظاهرات ولا حملات تضامن عابرة، فقد استطاع الشارع أن يعبر بلغة واحدة، وأن يصوغ رسالة تجاوزت حدود الجغرافيا، مفادها أن موريتانيا – رسميًا وشعبيًا – حاضرة حيث يُنتظر منها أن تكون.
وهكذا وفي زمن تتفاوت فيه مواقف الدول بين الحذر والتردد، اختارت موريتانيا أن تقف بوضوح إلى جانب المظلومين، مستندة إلى رصيد من الثوابت، وإرادة شعب لا يُدار من خلف الستار، بل يكتب تاريخه بأصواته ودموعه ويده الممدودة بالعون.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس