“موريتانيا: حكم المحكمة العليا في قضية الرئيس السابق”

2
"موريتانيا: حكم المحكمة العليا في قضية الرئيس السابق"

أفريقيا برس – موريتانيا. في أجواء مشحونة بالترقب، تتجه أنظار الموريتانيين إلى المحكمة العليا التي يُنتظر أن تنطق اليوم الثلاثاء، بحكمها النهائي في قضية الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، بعد مسار قضائي طويل استمر سنوات وأثار جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والقانونية والإعلامية.

وخلال الساعات الأخيرة، تصاعدت وتيرة الجدل من جديد إثر دعوة هيئة الدفاع عن الرئيس السابق للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى التدخل لطي الملف، معتبرة “أن القضية لم تُبن على أساس قانوني متين، وأن استمرارها يمثل خطرًا على الدولة ومؤسساتها”.

وأكد المنسق العام لهيئة الدفاع عن الرئيس السابق المحامي محمدن ولد أشدو، في مؤتمر صحافي أمس “أنهم خاطبوا الرئاسة منذ بداية الملف، وطلبوا لقاء الرئيس الغزواني أكثر من مرة دون جدوى”؛ مشيرًا إلى أن “المحيطين بالرئيس حالوا دون تحقيق اللقاء”.

وأضاف ولد أشدو “أن الحديث عن استقلال القضاء في هذه القضية لا يعكس الواقع، لأن القضاء تم توظيفه من قبل السلطة التنفيذية لخدمة أجندتها”، داعيًا “الرئيس الغزواني إلى تحمّل مسؤوليته بوصفه حامي الدستور وضامن توازن السلطات وفق المادة 24 من الدستور الموريتاني”.

ودعا ولد أشدو، ولد الغزواني إلى التدخل العاجل لتدارك ما وصفه بالوضع الخطير، معتبرًا “المعطيات التي وصلته بشأن الملف عارية من الصحة، وما تم ترويجه حول استقلال القضاء وضرورة احترام فصل السلطات ليس سوى مبررات واهية لإبعاده عن التدخل، والواقع يُظهر بوضوح اختطاف القضاء وتسخيره لصالح السلطة التنفيذية”، حسب قوله.

وتابع ولد أشدو أنه “هو ومعاونوه والقضاة والستون محاميًا، يعرفون أنه غير صحيح، ويعرفون أن القضاء اختُطف واستُخدم من طرف السلطة التنفيذية لمصالحها”.

وأوضح ولد أشدو “أن المادة 24 من الدستور الموريتاني تنص على أن الرئيس هو حامي الدستور، وأنه يجسد الدولة، ويضمن بوصفه حَكمًا السير المطرد والمنتظم للسلطات العمومية”، مؤكدًا “أن الرئيس في النظام الرئاسي هو من يتحمل مسؤولية هذا التوازن”.

وختم ولد أشدو بقوله: “نطالب الرئيس أن يتدخل لطي هذا الملف الذي لم يُبنَ على شيء، من أجل أن يبقى من موريتانيا شيء”.

وتأتي هذه التصريحات قبل أقل من 24 ساعة من الموعد المحدد لصدور حكم المحكمة العليا، ما يضيف مزيدًا من التوتر إلى المشهد السياسي الموريتاني، خاصة أن القضية تعدّ الأولى من نوعها التي يُحاكم فيها رئيس سابق بتهم تتعلق بالفساد واستغلال النفوذ.

ويتابع الموريتانيون مجريات الملف عن كثب، بين من يرى أن المسار القضائي يمثل “اختبارًا لاستقلالية القضاء”، ومن يعتبره “تصفية حسابات سياسية”، في انتظار ما ستقرره المحكمة العليا، وما إذا كانت ستُغلق صفحة هذا الملف المثير للجدل أم تفتح فصلاً جديدًا في مسار محاكمة الرئيس السابق.

وتعيش موريتانيا حالة ترقّب استثنائية مع اقتراب موعد النطق بالحكم من طرف المحكمة العليا في الرابع من نوفمبر، في هذه القضية التي تشابكت فيها الأبعاد القانونية والسياسية والدستورية بحيث لم تعد مجرد نزاع قضائي، بل تحولت إلى اختبار حقيقي لمصداقية العدالة واستقلال المؤسسات، وإلى مرآة تعكس حجم التوتر بين منطق المحاسبة وتوازنات السلطة.

ويترقب الجميع ما ستعلنه المحكمة العليا من تفاصيل حول حكمها وأسانيده القانونية، سواء في نصه الكامل أو من خلال مقتطفات رسمية أو تسريبات إعلامية.

فطريقة الصياغة وتبرير القرار ستكون مؤشراً على المسار الذي ستختاره المؤسسة القضائية بين ترسيخ مبدأ المحاسبة أو إعادة الاعتبار لمفهوم الحصانة السياسية السابقة، وهو ما يجعل من متابعة إعلان المحكمة خطوة ضرورية لفهم توجه الدولة في إدارة هذا الملف المعقد.

وبالتوازي مع ذلك، يترقب الجميع موقف هيئة الدفاع بعد النطق بالحكم، خاصة أن تصريحاتها السابقة حملت نبرة تصعيدية توحي بإمكانية انسحابها احتجاجاً أو إعلانها عن طعون جديدة، في حال جاءت الأحكام مخالفة لتوقعاتها؛ فخيارات الدفاع المقبلة ستكشف إن كانت الرهانات ما زالت قانونية بحتة أم أن الملف يتجه نحو تصعيد سياسي وإعلامي يستثمر البعد الرمزي للقضية.

وتُظهر المتابعات أن القضية تجاوزت بعدها القانوني لتغدو عنواناً لتجاذب عميق بين مطالب الشفافية والمحاسبة من جهة، ومصالح النخبة السياسية الحاكمة من جهة أخرى. فالمعارضة ترى فيها فرصة لاختبار إرادة الدولة في احترام دولة القانون، بينما يخشى آخرون أن تتحول إلى سابقة تعيد إنتاج أجواء الشك بين المؤسسات والنخب.

وفي المحصلة، إن الساعات القليلة القادمة تبدو حاسمة ليس فقط في تحديد مصير المتهمين، بل أيضاً في رسم ملامح مستقبل العدالة الموريتانية وتوازن السلطات في البلاد؛ فالحكم المنتظر من المحكمة العليا سيشكل مرجعاً قانونياً وسياسياً قد تمتد آثاره إلى ملفات أخرى في موريتانيا بل وفي المنطقة، ليبقى السؤال الأبرز: هل ستنتصر العدالة لمبدأ المحاسبة، أم ستخضع لمعادلات السياسة وتوازنات النفوذ؟

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس