الاعتداءات المتكررة على المدرسين: أزمة تضع التعليم في موريتانيا على المحك

179
الاعتداءات المتكررة على المدرسين: أزمة تضع التعليم في موريتانيا على المحك
الاعتداءات المتكررة على المدرسين: أزمة تضع التعليم في موريتانيا على المحك

أحمد إمبيريك

أفريقيا برس – موريتانيا. تتعالى الأصوات المطالبة بضرورةِ التعامل بصرامة تجاه حوادث الاعتداء على المعلمين، على خلفية الفيديو الأخير الذي يظهر شرطيا يقوم بصفع معلم موريتاني خلال وقفة احتجاجية للمدرسين، موجات الغضب التي اكتسحت وسائل التواصل الاجتماعي في موريتانيا، وأثارت ردود فعل كثير من النشطاء الحقوقيين والنقابيين والأحزاب السياسية، كانت تعبيرا عن حالة استنكار واسعة لحوادث الاعتداء المتكررة على العاملين في القطاع، حسب النقابات التعليمية.

وقد شهد يوم الجمعة الماضي، توقف عدد من أساتذة التعليم الأساسي والإعداد والثانوي عن التدريس لساعات احتجاجا على الواقعة، وما وصفوه بالاحتقار الممنهج لمهنة التعليم، من خلال ما وصفوه بـ”الاعتداءات العنيفة والوحشية”

وكانت وزارة الداخلية الموريتانية قد أعلنت في بيان لها عن دعوة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى فتح تحقيق في الحادثة، وضرورة “اتخاذ خطوات سريعة وفعالة للحفاظ على هيبة المؤسسات التربوية والأمنية، وضمان احترام الحقوق الإنسانية للمواطنين في كافة المواقف” حسب ما ورد في البيان.

وقال الناشط في المجال التربوي كليم الله ولد أحمدي في حديثه مع “أفريقيا برس” إن الحادثة الأخيرة “مشينة وتسهم في ترسيخ احتقار المعلم من قبل المجتمع، وإضعاف مكانته وهيبة، خصوصا أنها تمت أثناء وقفة مرخصة من قبل السلطات المعنية للمطالبة بحقوق مشروعة للمدرس”، وقال كليم الله إنَّ “ردود فعل السلطات جاءت مهزوزة، ومتناقضة، وأشار إلى ما ورد على صفحة وزيرة التهذيب من أن “مكانة المعلم مصانة ومحفوظة” تناقض صارخ في الوقت الذي تمتنع فيه وزارتها عن توقيع اتفاق جرى بين المعلمين والوزير السابق، وهو سبب خروج المدرسين إلى الشارع للتظاهر”. ويضيف كليم الله “وهو ما يظهر أن التضامن مجرد محاولة امتصاص للغضب العارم الذي شهدته الساحة الوطنية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي”.

وذكر كليم الله الأحمدي أن هذه التصرفات ليست بالأمر الجديد، وأن السنوات الماضية شهدت اعتداءات مماثلة، خلال وقفات كثيرة للمدرسين في الساحات العمومية أو أمام الوزارة المعنية، وكثيرة هي الحالات التي يتم فيها تعنيف المدرسين وقمعهم وتفريقهم بهراوي الشرطة، كمحاولة لإسكاتهم عن المطالبة بحقوقهم المشروعة” حسب تعبيره.

واستنكر كليم الله أن يكون هذا هو الجزاء المناسب لمن يحملون مشعل العلم، ويربون الأجيال، وأن سياسة التعنيف مرفوضة ومتجاوزة، والطاقم التربوي إنما ينتظر التبجيل وتحقيق المطالب عوضا عن ذلك.

وحسب كليم الله فإن مكانة المعلم في الآونة الأخيرة قد شهدت تراجعا كبير يعود إلى تردي واقعه الاقتصادي وتواضع الرواتب أمام غلاء الأسعار، مما خلق نظرة دونية للمدرس في ظل مجتمع تطغى فيه النظرة المادية، وقال كليم الله “إن السلطات أخلت المجال من التكوين والتأهيل، وسمحت بمزاولة المهنة لمن لا يمتلكون مؤهلات تسمح لهم بممارستها على الوجه المطلوب، مما زاد الطين بلة وعمق مشكلة التعليم في موريتانيا”، وأضاف كليم الله “يجب على السلطات إن كانت جادة في مشاريعها الإصلاحية أن تدرك أن التعليم أساس ازدهار وتطوير الدول والمحتمعات، وأن المعلم هو الركيزة الأساسية، وحجر الزاوية في هذه العملية، فإذا لم يوضع في ظروف جيدة، ومكانة محترمة، فإنه لا إصلاح ولا تطوير ولا تنمية اجتماعية، ويضيف “هذا وحده هو الكفيل بإظهار أن السلطة تريد التغيير، وتهمها مكانة المعلم”.

من جانبه قال القيادي بالنقابة الحرة للمعلمين الموريتانيين سهل ولد أحمد لـ”أفريقيا برس” إن “الاعتداءات نتاج نظرة دونية من قبل السلطات، والمجتمع الموريتاني، وتواضع الراتب عامل أساسي في ذلك”، وأشار سهل إلى أن “المدرس اليوم في أسفل السلم الوظيفي من ناحية الراتب، والمكانة، والقيمة المعنوية، في الوقت الذي يحظى فيه كثير من الموظفين الآخرين بالتقدير والاحترام، ويحرم من ذلك من يسهر على تربية الأجيال”، سهل أشار أيضا إلى أن “البطاقة المهنية مطلبٌ قائم للمدرسين وينبغي أن توفر لجميع المدرسين، لمنحهم مكانتهم، وأن يتم التوقيع عليها من قبل رئيس الجمهورية لا وزير التهذيب فقط”.

وقال النقابي سهل ولد أحمد “أن التصرفات الأخيرة ينبغي أن تدفع المدرسين أكثر إلى التمسك بالنضال من أجل حقوقهم، وأن الحقوق تنتزع ولا توهب” مشيرا إلى أن “الاتحاد من أجل كرامة المدرس بات أمرا ضروريا وملحا أكثر من أي وقت مضى”، كما ذكر سهل أيضا إلى أن السلطات لو كانت جادة في عملية الإصلاح واستعادة مكانة المدرس لما شهدت السنوات الماضية التفافا على الحقوق وتسويفا في تطبيق الاتفاقيات بين الوزارة والنقابات التعليمية، بل إن السلطات عمدت في أحايين كثيرة إلى تحريف بعض بنود هذه الاتفاقيات” مما يعني أن النظرة الدونية باقية، وجدد سهل ولد أحمد طلبه بضرورة “رفع رواتب المدرسين وتوفير علاواتهم، ووضعهم في ظروف مادية ومعنوية مناسبة، حتى يؤدي مهمته على أحسن وجه”

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس