محمد مستعد
أفريقيا برس – المغرب. تخيم على وسط شوارع الرباط منذ نهاية الأسبوع الماضي أجواء هدوء حذر غير معتادة لا تحرك سكونها سوى بعض الجرافات والشاحنات التي تشتغل على تجديد الأرصفة والشوارع، إلى جانب بعض المارة القليلين نسبياً عكس ما هو معتاد من دينامية وحركية.
خلال الساعات الأولى للمساء يتحول وسط المدينة إلى ساحة مظاهرات واحتجاجات يقودها شباب “جيل زد 212”. في البداية، كانت أعدادهم قليلة، ثم أصبحت تتزايد، تدريجياً، مع توالي الأيام، ومع انتشار رقعة الاحتجاجات إلى الأحياء الشعبية، وإلى عدد من المدن بعد أن كانت تقتصر أساساً على مدن كبرى مثل الرباط والدار البيضاء وأغادير.
من تكون مجموعة جيل زد 212؟
ظهرت مجموعة “جيل زد 212” بشكل مفاجئ وتزايد صداها بسرعة كما يحصل مع بعض النداءات الاحتجاجية على الأنترنيت التي كانت تنجح ميدانياً في بعض الأحيان، وتفشل في أحيان أخرى، لمقاطعة سلعة تجارية معينة أو للمطالبة بالتضامن مع الفلسطينيين. أطلقت المجموعة نداءها، قبل حوالي شهر، على تطبيق الألعاب “ديسكورد” للتظاهر والاحتجاج يومي 27 و28 أيلول/سبتمبر للمطالبة بالحق في الصحة والتعليم. والغريب أنها لم تطالب بالحق في الشغل رغم أن المؤشرات الرسمية للبطالة في ارتفاع في المغرب. وقد ظل هذا النداء موضع تداول وانتشار على منصات التواصل الاجتماعي. وكانت هناك توقعات قليلة تراهن على إمكانية نجاحه.
كان أول امتحان ميداني هو يوم 27 من الشهر المنصرم حين خرجت مظاهرات صغيرة في بعض المدن الكبرى، وتوالت المظاهرات وتزايد حجم المشاركين في اليوم التالي. ثم تقرر بعد ذلك تنظيم احتجاجات يومية لتصل إلى يومها الخامس الأربعاء (الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2025). وهي تزداد انتشاراً وقوة، وتحولت مساء الثلاثاء لأول مرة إلى مواجهات مع الشرطة وإلى مشاهد عنف وحرق للسيارات وللمباني التجارية.
تشير الأرقام الرسمية إلى أن هذا “جيل زد” يمثل حوالي 26% من السكان وتتراوح أعمارهم ما بين 13 و 28 سنة. وهو جيل يتميز “بارتباط قوي بالتكنولوجيا. له طموحات عالية وقدرة على الـتأثير المجتمعي والاقتصادي” حسب توصيف المندوبية السامية للتخطيط الرسمية.
جيل زد بنية غير تقليدية وقيادة غير معروفة
ويرى رشيد البلغيتي الباحث في الشأن السياسي أن “جيل زد” هو “منتوج خالص للأنترنيت، ليس له تنظيم هيكلي تقليدي، وليست لها قيادة معروفة على الأقل منذ خروجه إلى الشارع، وذلك عكس حركة 20 فبراير في 2011. وأعضاؤه ينتمون إلى نفس الشريحة العمرية التي قامت خلال السنة الماضية بحملة تعبئة رقمية (خاصة على منصة تيك توك) من أجل الهجرة الجماعية إلى إسبانيا عبر مدينة سبتة شمال المغرب. وهي اليوم تفضل استعمال منصة ديسكورد من أجل إخفاء هويتها. وهي شريحة مجتمعية تتراوح أعمارها ما بين 26 و28 سنة” أي أنها، حسب بعض وصف المراقبين، وليدة العهد الجديد الذي جاء مع تولي الملك محمد السادس السلطة في 1999.
وتشير العديد من الدراسات من بينها دراسة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المغرب إلى ظاهرة الهجرة المتزايدة للشباب وأن الأمر يتعلق بإحدى أعلى النسب في المنطقة العربية. ويشهد شمال المغرب بشكل دوري موجات من الشباب الراغبين في الهجرة إلى إسبانيا.
من خلال مقارنته بين مظاهرات اليوم ومظاهرات 20 فبراير 2011 التي أدت إلى تبني دستور جديد للبلاد، يرى رشيد البلغيتي أن “حركة 20 فبراير كان لها مطلب سياسي رئيس هو المطالبة بإصلاح يتعلق بشكل الدولة والفصل التام بين السلطات وبإقامة برلمان يمارس سلطات حقيقية. أما مطالب حركة جيل زد فهي عامة ذات طابع اجتماعي. وهي مطالب تتسم بنوع من الرومانسية السياسية التي تعتقد أن الإصلاح ممكن بمعزل عن سياسة الدولة”.
كيف ردت الحكومة؟
المشهد السياسي الرسمي العام يطبعه التكتم. وقد فضلت وسائل الإعلام الرسمية عدم تغطية هذه المظاهرات الشبابية وتجاهلها منذ انطلاقتها، في الوقت الذي كان هناك تحرك واضح لمجموعات من الناطقين باسم السلطة على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي خاصة فايسبوك ويوتيوب، من أجل الدفاع عن السياسات الحكومية وانتقاد ومهاجمة المحتجين، تارة، أو محاولة تهدئة الشارع مع الدعوة إلى الحوار وتجنب العنف، تارة أخرى.
على المستوى الحكومي، الملاحظ هو أن ردود الفعل جاءت بالتدريج يطبعها الكثير من الحذر في التواصل، من خلال تصريحات أو مبادرات مضبوطة. يوم الإثنين، كان هناك أول رد فعل لمسؤول أمني مجهول الهوية تحدث عبر وكالة الأنباء الرسمية، من أجل تبرير منع المظاهرات، وتوضيح كيف أن رجال الأمن لم يلجؤوا، خلال تدخلهم، إلى استعمال القوة وخراطيم المياه. كما دافع المسؤول عن أطروحة تقول إن الاحتجاجات مدفوعة من جهات أجنبية بدون أن يقوم بتسميتها او تقديم توضيحات حولها.
أما يوم الثلاثاء، الذي عرف تفاقم الوضع وبروز مظاهر العنف، فعرف صدور بلاغ للأغلبية الحكومية يٌعبر عن تفهمه لمطالب المحتجين الشباب وعن استعداد الحكومة للحوار مع “الانخراط القوي في استكمال البرنامج الحكومي القائم على تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية، خاصة ما يتعلق بالورش الملكي الهام للحماية الاجتماعية”. كما تقرر أن يدرس مجلس الحكومة يوم الخميس (الثاني من أيلول/تشرين الثاني 2025) مراسيم تتعلق بتحديد اختصاصات وزارة الصحة والنظام الأساسي للأطباء الداخليين، وبالزيادة في تعويضات طلبة كليات الطب.
البرلمان مجرد منصة للسياسيين الممتلئة بطونهم
إلى جانب ذلك، كانت هناك مبادرة تسعى إلى تسليط الضوء على البرلمان الذي يعيش تهميشاً وتراجعاً لأدواره الدستورية في الولاية الحكومية الحالية بحسب المعارضة والعديد من المراقبين. وهكذا تمت برمجة جلسة نقاش في البرلمان لوزير الصحة الذي كان في الواجهة منذ أسابيع حيث يرجح أن شرارة الاحتجاجات كان سببها عدة وفيات في مستشفى بمدينة أغادير، التي يتولى تدبريها المحلي رئيس الحكومة عزيز أخنوش، مع العلم بأن البرلمان لن يفتح أبوابه رسمياً قبل شهر (تشرين الأول)أكتوبر، وعلماً أيضا بأن المؤسسة التشريعية مستهدفة باستمرار بانتقادات الشارع والفاعلين السياسيين في المعارضة”. وقد جاء في إحدى البلاغات الأخيرة لـ”جيل زد” وصف للبرلمان بأنه مجرد “منصة للسياسيين الممتلئة بطونهم”.
وتيرة التواصل الرسمي تزداد بسرعة مع تصاعد وتيرة الأحداث وضغط الشارع ووسائل التواصل الاجتماعي. وآخر ردود الفعل، صدر يوم الأربعاء عبر بلاغ لوزارة الداخلية يكشف عن إصابة 263 رجل أمن واعتقال 409 شخص خلال المواجهات التي عرفتها عدة مدن عبر المملكة وقرب انطلاق محاكمة البعض منهم.
وسجلت بعض الخرجات التواصلية المتفرقة للأحزاب الحكومية من بينها تصريحات لفاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة في المغرب، ذات النفوذ القوي في الحكومة والتي قالت إن شباب “جيل زد ما يخلعوناش” (لا نخاف منهم)… والاحتجاجات تؤكد أننا “ما نجحناش”، في اعتراف منها بفشل الحكومة في تدبير الحصيلة الاجتماعية.
لكن ما يتم تسجيله هو غياب رئيس الحكومة عزيز أخنوش عن الظهور المباشر وهو ما يجعله عرضة للتهكم والتندر اليومي داخل منصات التواصل الاجتماعي.
أين موقع الملك والمعارضة في المشهد الصاخب؟
من جهتها، تطالب أحزاب المعارضة، خاصة العدالة التنمية ذي التوجه الإسلامي وبعض أحزاب اليسار مثل التقدم والاشتراكية وفدرالية اليسار، الحكومة بأن تتفاعل مع مطالب الشباب وتحمل هذه الأخيرة مسؤولية ما يقع وتدعو إلى الحوار لحل المشاكل والملفات المطلبية. بعض الأصوات المنفردة داخل هذه التنظيمات تطالب باستقالة الحكومة. إلا أن تأثير قوى المعارضة البرلمانية يبقى محدوداً. ولم تبرز بوضح إلى حد الآن مواقف تنظيمات غير رسمية مثل العدل والإحسان الإسلامية. وتواصل الجمعيات الحقوقية، خاصة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، تعبئتها وضغطها من أجل التأثير على سير الأوضاع لصالح حقوق المحتجين وتلبية مطالبهم.
وتشهد وسائل التواصل الاجتماعي، تزايد النداءات الموجهة إلى الملك محمد السادس، من أجل التدخل للحسم أمام ما يتم اعتباره عجزاً من الحكومة على مواجهة الوضع وعدم فعاليتها. لكن ما يلاحظ على هذا المستوى، هو أن بعض بلاغات “جيل زد” تلح على أنها لا تستهدف النظام. وتقول إحدى تلك البلاغات: “مشكلتنا لا تتعدى الحكومة الحالية وسياساتها. لا تخلطوا بين نقد للوضع ورفض الوطن” وتستشهد ببعض خطب الملك في هذا السياق.
قد يتم التضحية برئيس الحكومة عزيز أخنوش
يرى رشيد البلغيتي في تقييم للسناريوهات الممكنة مستقبلاً، أن هناك إمكانية لتدارك الوضع “إذا ما نجحت المقاربة الأمنية والقضائية خلال حوالي أسبوع”. وقد تم الشروع، فعلا في تفعيل هذه المقاربة التي يعتبر أنها “جواب سهل وبسيط يحافظ على إحدى علامات توجهات الدولة وسياستها”. لكنه لا يخفي تشاؤمه لأن “التعليم والصحة يعرفان مشاكل هيكلية لا يمكن معالجتها بسرعة. والحلول مرتبطة برؤية سياسية لهذه القطاعات ترى ضرورة وجود القطاع الخاص فيها. كما أن النخبة السياسية والأحزاب الثلاثة التي تقود الحكومة لا يمكنها أن تقوم بإصلاحها لأنها تضم رجال أعمال لا يفكرون، ليل نهار، سوى في التشريعات وفي الإعفاءات الضريبية التي تخدم مصالحها”.
ويضيف البلغيتي إنه في حال فشل المقاربة الأمنية فإنه قد يتم البحث عن جواب سياسي عبر التضحية برأس رئيس الحكومة عزيز أخنوش وتعييين حكومة جديدة”.
ما زالت العديد من المعطيات غير متوفرة حول تطور الأحداث ومختلف الفاعلين. ومن غير المعروف كيف تطورت الاحتجاجات إلى مظاهر العنف التي تبدو محدودة إلى حد الآن، وتسود حالة من الترقب العام، وتنتشر دعوات قوية إلى ضبط النفس وتفادي الانفلات. ويفضل بعض الباحثين في علم الاجتماع انتظار أن تتضح الأمور وتوفر معطيات أكثر من أجل قراءة وتحليل ما يجري.
المصدر: دويتشه فيله العربية
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس