أفريقيا برس – المغرب. في ثالث أفلامه الروائية، يستلهم المخرج ياسين فنّان حادثة احتيال حقيقية عايشها، ليصوغ منها حكاية متخيلة متقاطعة مع الواقع، تتمحور حول ثلاث شخصيات في طنجة.
ومع تصاعد الأحداث، تقرر الشابة المهاجرة فيليسيتي، عند الحدود مع مليلية، شدّ الرحال إلى المدينة الشمالية بحثًا عن مورد رزق يمكّنها من تنظيم جنازة مسيحية لصديقتها. وفي الوقت الذي يستغل فيه المُجنِّد حميد حاجة المهاجرين إلى العمل، تجد الأم الشابة كنزة نفسها أمام خيار توظيف فيليسيتي كمربية لطفلها، رغم معارضة زوجها.
هنا تتجسد طنجة، المدينة الكوزموبوليتية العريقة، بوصفها فضاءً لتعدد الهويات والتعايش اليومي في عالم يزداد اعتيادًا على العنصرية. وقد عُرض الفيلم ضمن الدورة الثانية والعشرين من المهرجان الدولي للفيلم بمراكش (28 نونبر– 6 دجنبر 2025)، مستمدًا قوته من سرد إنساني رصين يتجنب التعالي، ويقدّم في المقابل حكاية اجتماعية ترصد مسارات متشظية تطرح أسئلة العنف والعطش إلى الحرية، والتحرر بوصفه محرّكا للحياة وغايةً لها.
هل هناك جانب شخصي في القصة التي تقدمها لنا في هذا الفيلم الجديد؟
استوحيت فكرة هذا الفيلم من واقعة عشتها. كنت شاهدا على عملية احتيال في وكالة تنظيف تربط العملاء بالعاملات المنزليات. ألهمتني هذه الواقعة بشكل مباشر لتكون قاعدة لهذه القصة، خاصة أنني أحب أن أستلهم من الأشياء التي أراها أو أعيشها. أعتقد أنه لا يوجد أفضل من سرد التجارب الشخصية لكي تكون أكثر صدقا.
لقد حقق هذا الفيلم نجاحا بالفعل، حيث أثار الإعجاب في مهرجانات أخرى وحصل على جوائز. حدثنا عن بداية حياة «النمل»؟
تم تصوير الفيلم قبل عامين في طنجة. إنه فيلم تم إنتاجه من قبل المركز السينمائي المغربي، بفضل صندوق الدعم، وكذلك من قبل شركة دون فيلمز، التي تشارك في العديد من الإنتاجات الأجنبية ذات الميزانيات الكبيرة. قررت الشركة الدخول في السينما المغربية المحلية، وهكذا عملنا معاً.
كما هو الحال في المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، أتيحت لهذا الفيلم الروائي فرصة أن يتم اختياره في عدة مهرجانات، في ديربان (جنوب إفريقيا) وفي عدة مواعيد سينمائية أخرى في إفريقيا، في سويتو، في كيغالي، في رواندا، في لاغوس، في نيروبي، وكذلك في فرنسا، في لندن…
نحن سعداء برؤية هذا الفيلم يسافر عبر الدول والقارات، حيث يوجد دائما جمهور لاستقباله. بعد هذه الجولة في المهرجانات في الخارج، أنا سعيد جدا بعرضه في مهرجان مراكش وعودته إلى جمهوره الطبيعي، هنا في المغرب وفي مراكش.
حصل الفيلم على جوائز أيضا في الخارج، لا سيما في بروكسل حيث حصلت الممثلة نادية كوندا على جائزة أفضل ممثلة. كيف اخترت فريق التمثيل؟
في الواقع، اخترت نادية كوندا، وكذلك هشام السلاوي، الذي حقق نجاحا في مسلسل «رحيمو» قبل عشرين عاما. حرصت على دمج ممثلين من طنجة، وكذلك شخصيات مثل المربية الكاميرونية في الفيلم، فيليسيتي، التي جسدتها مريم نداي، والتي اقترحتها عليّ نادية كوندا.
بعد مشاهدة أفلام شاركت فيها، قلت لنفسي إنها هي المناسبة لهذا الدور. أردت أن أحيط نفسي بممثلين محترفين وليس هواة، ومريم شاركت في أفلام كبيرة حازت على جوائز. نراها خصوصا في «ملك الظلال»، «أمين»، أو حتى «بكامل الوقت» الذي حصد جوائز سيزار. أعتقد أنها ممثلة رائعة وفي فيلمي، تلعب بجانب مجدولين إدريسي، منصور بدري، وممثلين أستمتع بالعمل معهم.
بينما تعمل مع محترفين، تمزج بين ممثلين مؤكدين ونجوم صاعدين، شباب وكبار. كيف عملت على توجيه الممثلين مع كل منهم؟
أعتقد أن توجيه الممثلين يبقى شيئا غامضا. نتكيف مع كل شخص ولا ننسى أن الممثل هو إنسان لديه مشاعر وخبرات حياتية. يجب تعديل طريقة التدخل في الأدوار ومع كل منهم، بناء على ذلك.
أرى أن هذا التوجيه هو تمرين على التعاطف بالنسبة لنا، نحن المخرجين. يدفعنا توجيه الممثلين إلى الدخول قليلا في عقولهم، لمعرفة كيف يتفاعلون للحصول على المشاعر التي نريدها على الشاشة. إنها عملية خاصة جدا.
لقد جمعت هنا أيضا ممثلين تعرفهم من مشاريع فنية سابقة. هل يمنحك الاجتماع حول مشروع جديد شعورا بالعودة إلى فرقة مسرحية، أكثر من فريق تصوير؟
نعم، أعرف الكثير من الممثلين الذين عملت معهم في مشاريع تعاونّا فيها من قبل، مثل الحال مع مجدولين الإدريسي، أو مع نادية كوندا، التي سبق وأن عملت معها في مسلسل.
أجد متعة كبيرة في العمل مع ممثلين سبق وأن وجهتهم من قبل. يساعد ذلك على معرفة كيفية استخراج المشاعر من الممثلين وبالتالي تحقيق التوجيه الناجح. يجب أن نشعر بالمتعة في القيام بذلك ونعتبر العملية الإبداعية كلعبة. لست مخرجاً يحب السمية في التصوير، أجد ذلك غير فعال.
بعيدا عن الممثلين الذين أعرفهم، عملت مع آخرين تعرفت عليهم في «النمل»، مثل هشام السلاوي أو مريم نداي، الذين لم أتعامل معهم من قبل. في موقعي كمخرج، يدفعني ذلك أيضا إلى العمل بشكل مختلف، خاصة أن هذين الأخيرين لديهما تقنيات عمل فنية غربية إلى حد ما. هم ممثلون يفضلون حفظ نصوصهم عن ظهر قلب، والاستعداد مسبقا. آخرون يعتمدون أكثر على الغريزة. يريدون أن يقدموا كل ما لديهم من القلب. نحاول إذا أن نرى كيف نعمل مع كل منهم للحصول على أفضل ما لديهم.
نعرفك كمخرج منذ ما لا يقل عن 20 عاما. لقد عملت على مسلسلات وأفلام تلفزيونية. لماذا يستغرق صنع فيلم سينمائي وقتاً أطول بكثير؟
العمل في التلفزيون والسينما هما شيئان مختلفان، من حيث التحضير. في السينما، لدينا المزيد من الفرص لأخذ وقتنا مع الممثلين. نحن أكثر دقة، وربما حلمنا ببعض المشاهد لسنوات سابقة…
في التلفزيون، يتطلب الإيقاع تعبيرا عاطفيا، وعملا سريع الوتيرة، مع ضرورة الوصول إلى أكبر عدد من المشاهدين. إنها مقاربات مختلفة تماما. لكن اليوم، مع ظهور منصات البث، بدأت الحدود بين هذين النهجين تتلاشى. تتداخل مقاربات المسلسلات والسينما أحياناً.
بين هذين النهجين، هل تفضل أن تأخذ وقتك في كل مشروع؟
نعم، هذا ما أفضله. عندما نأخذ وقتنا لإنجاز الأمور، نقدم المزيد، نبحث عن الكمال، ندخل في التفاصيل. أُقدر ذلك، كما أنني فخور بكوني ابن التلفزيون.





