مصطفى واعراب
أفريقيا برس – المغرب. تتغير أحوال العالم بسرعة بفعل تغير المصالح والتحالفات، فتفرض على المنطقة المغاربية منطقها الجديد في كل مرة. ومع ذلك تظل الجزائر رهينة للعقلية نفسها، التي كانت سائدة زمن “الحرب الباردة”، التي سادت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وانتهت مع مطلع تسعينيات القرن الماضي. وضمن آخر استراتيجياتها المستجدة في هذا الباب، محاولة جر بعض مكونات “اتحاد المغرب العربي” إلى إنشاء “مغرب عربي” بدون غريمها المغرب… فهل تنجح؟
فشل محاصرة المغرب عربيا
تبالغ الجزائر في استعداء العرب على المغرب، من خلال تسويق نفسها كأكثر الدول العربية دفاعا عن القضية الفلسطينية، في مقابل المغرب الذي تصفه بـ “المتصهين” والـ “المُطبع”. ورغم أن المغرب هو واحد من ست دول عربية أقامت علاقات مع إسرائيل، إلا أن الجزائر لا ترى سواه “خائنا”. ورغم تزعم الجزائر لحملة ضد قبول إسرائيل “عضوا مراقبا” في الاتحاد الأفريقي، وهي الحملة الدعائية التي كانت معروفة نتائجها مسبقا بسبب تقرب الأفارقة من تل أبيب أكثر من العرب، إلا أنها ساقت في حملتها المغرب من دون الخمسين دولة إفريقية أخرى التي لم تساير التحرك الجزائري.
الجزائر التي تبالغ في إشهار العداء لإسرائيل في العلن، لا تجد غضاضة في التعامل معها عسكريا واقتصاديا في “السر”. وتلك حكاية أخرى، نكتفي منها فقط بالإشارة إلى آخر ما انكشف منها، وهو تأكيد الصحفي الاستقصائي عبدو السمار (صاحب موقع “ألجيري بارت”)، تدخل ابن الرئيس الجزائري تبون لمنح امتياز استغلال أكبر منجم للفوسفاط بالجزائر، لشركة إسرائيلية تتخفى خلف شركة صينية.
ولما حاصرت تعليقات العرب الجزائر على الشبكات الاجتماعية، بقولها إن الجزائر تدعم الفلسطينيين بـ “الشفوي” فقط، فقد استدعت القيادة الجزائرية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن)، لتسلمه شيكا بمئة مليون دولار. وسط أخبار كشفت بأن عباس كان ينوي استغلاله زيارة الجزائر ليقترح وساطة مع المغرب، وهو ما رفضته القيادة الجزائرية “بحزم”. فماذا كانت نتيجة كل هذه المناورات؟
في منتصف ديسمبر الجاري، أكد المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية “مواقفه وقراراته الثابتة الداعمة لمغربية الصحراء، والحفاظ على أمن واستقرار المملكة المغربية ووحدة أراضيها”. وقبل أيام قليلة، عمّمت الجامعة العربية مذكرة على الهيئات والمنظمات التابعة لها، مطالبة إياها بالالتزام بخريطة كاملة للوطن العربي، شاملة خريطة المغرب تضم الصحراء المغربية. وكشفت مصادر ديبلوماسية عربية، أن موقف الجامعة العربية هذا، أتى ردا على احتجاج تقدمت به مندوبية الجزائر لدى الجامعة مؤخرا، على نشر خريطة المغرب كاملة في إحدى الفعاليات التي عقدتها منظمة المرأة العربية بالقاهرة. وفي سياق متصل، أكد الاجتماع الوزاري الأخير لوزراء الإسكان العرب الذي احتضنته العاصمة الأردنية عمان، على “ضرورة احترام الجغرافيا وسيادة الدول العربية، والالتزام في كل التظاهرات المنظمة من قبل الهيئات والاتحادات والمنظمات التابعة لمجلس وزراء الاسكان العرب بنشر خريطة الوطن العربي كاملة غير مجزأة”.
سياسة “الشيكات المفتوحة“
هكذا وجدت الجزائر نفسها محاصرة عربيا، في وقت تحاول إقناع الدول العربية الوازنة بحضور “القمة العربية” المقرر أن تستضيفها في أواخر مارس/أذار القادم بالجزائر العاصمة. كما أنها محاصرة إفريقيا، بسبب تولي السنغال (الدولة المقربة جدا من المغرب) رئاسة الاتحاد الافريقي ابتداء من 2022، وكذا انتخاب المغرب نفسه عضوا بمجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد الإفريقي للفترة من 2022 -2025 لأول مرة. وللتذكير، فإن ليبيا كانت قد أعلنت تنازلها عن الترشح لهذا المنصب الأخير لدعم المغرب. وهي الخطوة التي اعتبرها مسؤولون جزائريون “غير مفهومة”، بينما هاجم الإعلام الجزائري ليبيا بسببها. بالإضافة إلى تعيين مغربي كأول مدير عام لمفوضية الاتحاد الإفريقي، وانتخاب آخر رئيسا للمجلس الإفريقي للبحث العلمي والابتكار التابع للاتحاد الإفريقي، لولاية من ثلاث سنوات. وتموقعات أخرى رئيسية داخل الاتحاد، لا داعي للتوقف عندها.
وباشتداد الطوق من حولها، لم تجد الجزائر من منفذ سوى جارتيها الصغيرتين: الشرقية تونس، والجنوبية الغربية موريتانيا. فقد سبق أن انتزعت الجزائر من تونس موقفا بالامتناع عن التصويت، بمجلس الأمن في نهاية أكتوبر الماضي، لصالح قرار مجلس الأمن الدولي بشأن تمديد عمل بعثة «المينورسو» لمدة سنة إضافية. وهي المرة الأولى التي تنزاح فيها تونس عن سياستها التقليدية تجاه البلدين، لتصطف إلى جانب الجزائر ضد المغرب، بعد أن كان نهجها هو الحياد بين البلدين. وما يفسر ذلك، أن الرئيس عبد المجيد تبون كان في زيارته ألأولى، أطلق تصريحات واعدة بأن الجزائر ستقف إلى جانب تونس، في أزمتها الاقتصادية وستقدم لها دعما سخيا. لكن في النهاية لم تقدم الجزائر سوى “قرض” بقيمة 300 مليون دولار، لم يتم إبرام اتفاق بشأنه إلا بعد أن أدت تونس الثمن بتغيير سياستها ودبلوماسيتها التقليدية تجاه قضية الصحراء، عندما كانت عضوا غير دائم بمجلس الأمن.
بالنسبة إلى موريتانيا، تبدو أقل مسايرة لأطروحة الجزائر من تونس. فالعلاقات المغربية الموريتانية عرفت انتعاشا كبيرا عقب الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه في 10 ديسمبر 2020. وهكذا استبق الرئيس الموريتاني زيارته للجزائر (التي قام بها بين 27 و29 ديسمبر 2021)، بالإعلان في مقابلة له مع مجلة «الاقتصاد والأعمال» اللندنية، عن استعداد بلاده للقيام بدور من أجل المصالحة بين المغرب والجزائر، وإعادة اللحمة بين البلدان المغاربية، معتبرا أن الكلفة التي تدفعها شعوب المنطقة من جراء عدم قيام هذا الاتحاد المغاربي باهظة.
“مغرب عربي” من دون المغرب؟
بعيدا عن لغة الخشب في خطب الرؤساء الثلاثة، يبدو رهان القيادة الجزائرية من وراء تحركات الرئيس الجزائري تبون، قائما على جر تونس وموريتانيا إلى إقامة مغربي ثلاثي، باستبعاد المغرب وليبيا. أما بالنسبة إلى المغرب، فلحد الآن لم يصدر عنه أي موقف من هذه الديناميكية الجزائرية، حيث فضلت نهج سياسة الهدوء والتعقل تجاه الموقف التونسي بمجلس الأمن، وبدا غير مكترث تماما لتحركات الجزائر. ربما ليقينه بأن أطروحة «مغرب عربي بدون المغرب» فكرة ولدت ميتة. من حيث ضعف حججها، وشح سلاح المال الجزائري المستعمل لشراء الولاءات لتنفيذها.
والواقع أن فكرة إقامة “اتحاد مغرب عربي من دون المغرب” ليست جديدة على الديبلوماسية الجزائرية. بل وسبق أن دعا الرئيس السابق للبرلمان التونسي وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي (المقرب من الجزائر)، في فبراير/شباط الماضي، إلى إقامة اتحاد مغرب عربي دون إشراك المغرب وموريتانيا. وذلك بالاكتفاء بما أسماه “مثلث تونس-ليبيا-الجزائر”، من خلال فتح الحدود بين البلدان الثلاثة وتبني عملة موحدة.
ومن خلال الحديث عن “تنسيق المواقف”، بين الجزائر وتونس بخصوص الملف الليبي، بين الرئيسين التونسي والجزائري، يراد به شيء آخر، هو محاولة التشويش على الدور المغربي النشط في ملف الأزمة الليبية، وتعبيد الطريق للأطروحة التي تشتغل عليها الجزائر، وهي طرح فكرة “مغرب عربي بدون المغرب”. وتنطلق هذه الأطروحة عند الجزائر، من واقع الوضع الجامد لهياكل “اتحاد المغرب العربي”، الذي نتج عنه ضعف الاندماج الإقليمي بين دول المنطقة، حيث يعتبر التكتل المغاربي من أضعف التكتلات الإقليمية الموجودة في العالم.
لكن في المحصلة، إن تقييم حصيلة سياسة الجزائر في هذا الاتجاه، يؤكد بأن المردودية ضعيفة‒على الأقل حتى الآن‒. فنجاحها في الضغط على تونس باستعمال ورقة الدعم المالي، كانت له ردود فعل داخلية وخارجية. فداخليا، انتقدت عدد من النخب السياسية الوازنة في تونس، لجوء الجزائر إلى سياسة الإقراض بدل الوفاء بالوعود التي سبق أن قدمها الرئيس عبد المجيد تبون بتقديم دعم مالي للأشقاء في تونس. وانتقدت تقديم تونس لثمن سياسي يضر بمصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وبتخلي بلادهم عن دبلوماسيتها التقليدية في التعامل مع قضية النزاع حول الصحراء المغربية. وخارجيا، انكشفت ملامح التوجه الجزائري الذي يجر المنطقة إلى عدم استقرار أكثر فأكثر خطورة.
وحول هذا الملف أجرت “أفريقيا برس” حوارا صحفيا مع الباحث والمحلل السياسي سالم عبد الفتاح:

دشنت الجزائر قبل أسابيع قليلة حملة ديبلوماسية “هجومية”، يرى خبراء أنها لتسويق مقاربة الجزائر للأزمة الليبية ولملف الصحراء. دعني في البداية أسألك: من حيث التوقيت، كيف تقرأ كمراقب هذه التحركات الجزائرية في المنطقة المغاربية؟
لا يخفى عليكم أن السياسة الخارجية للدول ما هي في حقيقة الأمر سوى مرآة عاكسة لجبهتها الداخلية. ووضع النظام الجزائري الداخلي لم يكن في أحسن أحواله منذ مرض رئيسه الراحل عبد العزيز بوتفليقة، وخاصة منذ اندلاع الحراك الشعبي. وبالتالي فمن الطبيعي أن يتراجع أداء الدبلوماسية الجزائرية، التي تتحرك في سياق جيوسياسي جد مضطرب. وهذا التراجع سيصب في صالح الدبلوماسية المغربية طبعا.
فعلى مستوى قضية الصحراء التي تعتبر مجال الصراع الأهم ما بين الجزائر وجارتها المغرب، فقد تكبدت الجزائر خسائر مهولة في الفترة الأخيرة. كان أهمها خسارة البوليساريو المدعومة من طرفها لمجموعة من المواقع الاستراتيجية، أبرزها معبر الكركرات ومنطقة التويزكي الحدودية، على إثر عمليات تمديد الجدارات الدفاعية التي أقدم عليها الجيش المغربي.
فضلا عن فشل مقاربة النظام الجزائري التصعيدية، سواء تلك التي اعتمد فيها على البوليساريو لحلحلة الوضع على الأرض، حيث انتهت بسيطرة جوية عسكرية مغربية على كامل تراب الإقليم، بما في ذلك الشريط العازل شرق الجدار، بفضل العمليات النوعية التي يشنها الطيران العسكرية المغربي. أو حتى تلك الخطوات التي باشرتها الرئاسة الجزائرية عن طريق مجموعة من البيانات والمواقف، كإعلانها عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وغلق المجال الجوي الجزائري في وجه الطيران المغربي، وعدم تجديد اتفاقية تصدير الغاز إلى إسبانيا والبرتغال عن طريق المغرب.
على ذكر العلاقات الجزائرية المغربية، كيف تقيمون إذن سياسة البلدين الخارجية؟
يبدو التغلغل المغربي الاقتصادي في غرب ووسط القارة الإفريقية في ازدياد ملحوظ، من خلال منتجاته الفلاحية التي تحظى بمستوى جيد من التنافسية، وعبر العديد من أذرعه الاستثمارية. وهو ما حذا بخصومه إلى محاولة عرقلة تواجده في دولة مالي، التي تعتبر بمثابة حديقة الجزائر الخلفية، عن طريق استهداف رعاياه بعملية ارهابية راح ضحيتها سائقو شاحنات نقل البضائع المغربية.
وفي حين يحصد المغرب نتائج استقراره وسياسته الخارجية المتزنة التي تجاوزت محيطه المباشر، من خلال أدوار الوساطة والمساعي السلمية التي يخوضها في الأزمة الليبية مثلا، تجد الجزائر صعوبة كبيرة في تجاوز الإشكالات والمخاطر الأمنية التي يزخر بها جوارها الإقليمي، والذي يشهد عديد الأزمات العسكرية والسياسية المستعرة سواء في مالي، أو ليبيا، أو تشاد، وحتى في تونس مؤخرا.
وبالتالي ففي ظل غياب خطط استراتيجية، لدى النظام الجزائري لأجل تحصين موقعه في المنطقة، وبلورة سياسات خارجية في جواره الإقليمي، بسبب انكفائه على نفسه طوال عقود من الزمن، ونتيجة خصوصيته السياسية وطبيعة اقتصاده المقتصر بدرجة كبيرة على صادرات النفط والغاز، فمن الطبيعي أن يجد نفسه في وضع متراجع قياسا لجاره المغرب، الذي بدأ يرجح كفة الصراع الإقليمي لصالحه، ويفرض نفسه كرقم صعب في منطقة شمال وغرب إفريقيا، بفضل وضعه المستقر ومقدراته الاقتصادية الهامة، وموقعه الاستراتيجي المتميز، في ظل مناخ دولي يشهد عودة الاستقطاب لمجموعة من القوى في المنطقة، وتفجر عديد الأزمات بالمنطقة.
ما هو الغرض ‒برأيك أستاذ عبد الفتاح‒ من هذه الحملة الديبلوماسية الجديدة؟ هل تسعى الجزائر من ورائها إلى إعادة رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة؟ أم أنها تبحث فقط عن تموقع سياسي جديد، في ضوء التغيرات الجيواستراتيجية الجديدة؟
بالتأكيد، فالمنطقة تشهد تطورات دراماتيكية متسارعة، أفضت إلى سقوط أنظمة وتغيير أخرى. كما شهدت اندلاع حروب وتمردات، بما في ذلك في جوار الجزائر الشرقي والجنوبي. لكن الجزائر عجزت عن مواكبة تلك التطورات وبقيت في موقع المتفرج، بعد أن احترقت ورقة الجماعات الإسلامية في دول الجوار التي لطالما وظفتها الجزائر، في ظل الحرب المعلنة على الإرهاب التي تخوضها عديد القوى الدولية في المنطقة. بعد أن كانت الجزائر حاضنة لتلك الجماعات ومهدا لها، خاصة إبان الحرب الأهلية التي شهدتها سنوات تسعينيات القرن الماضي.
لكن النظام الجزائري يعكف حاليا على محاولات، لاسترداد أنفاسه والعودة للتنافس على النفوذ في المنطقة، معتمدا بالأساس على ورقة الحليف الروسي الذي يحاول التغلغل عبر ذراعه الأمني الخاص “فاغنر”، باعتبار الجزائر إحدى أكبر زبناء التسليح الروسي. إلى جانب توظيف البترودولار في ظل ضعف تنافسية المنتجات الجزائرية بسبب طبيعة اقتصادها الريعي. فضلا عن استحضار ورقة العدو الخارجي، التي يحاول من خلالها النظام الجزائري تعليق فشل سياساته وتصدير أزماته، وبالتالي ضبط جبهته الداخلية. وهو ما يفسر لهجة العداء والتصعيد التي انتهجها لمواجهة المغرب مؤخرا.
في هذا السياق، حصل كل من الرئيس الفلسطيني على 100 مليون دولار، والتونسي على 300 مليون والموريتاني على 200 مليون. ما الذي يفسر هذا “السخاء” الرسمي، إذا ما استحضرنا بأنه يتم في وقت تعيش الجزائر بنفسها، أزمة مالية واجتماعية غير مسبوقة؟ هل هي رشاوي لشراء مواقف سياسية مثلا؟
في ظل غياب سياسات حقيقية للتأثير في جوارها لتحقيق أي اختراق للتغلغل المغربي في المنطقة، فمن الطبيعي أن يلجأ النظام الجزائري لسياسة شراء المواقف، لمواجهة سياسة بناء التحالفات والشراكات الاستراتيجية التي دأب عليها المغرب. ففي حين كشفت أزمة الكركرات الأخيرة عن ارتباط الأمن الغذائي لبلدان مجاورة [موريتانيا مثلا] بتوفر أسواقها على المنتجات المغربية، لا تزال الجزائر عاجزة عن تنشيط معبرها البري المدشن مؤخرا مع موريتانيا.
وأما بالنسبة لليبيا فقد خسرت الجزائر مواقف الأطراف جميعا، حيث يقدم الجناح المحسوب على الجنرال حفتر على غلق الحدود البرية مع الجزائر، وتبادر وزيرة خارجية حكومة طرابلس المعترف بها دوليا بالتنازل عن ترشيحها لنيل عضوية مجلس السلم والأمن الإفريقي لصالح المغرب، في خطوة ستعزز تموقع هذا الأخير في انتظار تسلم حليفته السنغال لرئاسة الاتحاد الإفريقي. كما يلعب المغرب دورا رئيسا في المساعي والوساطات التي تهم الأزمة الليبية.
ورغم نجاح سياسة شراء المواقف التي عكفت عليها الجزائر في التأثير على تونس، التي اختارت الامتناع عن التصويت بمعية روسيا في جلسة مجلس الأمن الدولي الأخيرة حول الصحراء أواخر أكتوبر الماضي، والتي انتهت بالتصويت على قرار يصب في صالح المغرب. إلا أن هذا الأخير استطاع اختراق العديد من “القلاع” الإفريقية الوازنة، التي كانت معروفة بقربها وتأييدها سابقا للجزائر والبوليساريو، كنيجيريا، وإثيوبيا وعديد الدول الأخرى الناطقة بالإنجليزية، خاصة جنوب وشرق القارة الإفريقية. وذلك بفضل عقد المغرب شراكات اقتصادية معها، همت استثمارات في مجالات صناعة الأسمدة، والبنوك، والاتصالات، والتأمينات… في حين تظل الجزائر مقتصرة على توظيف البيترودولار [سياسة دفتر الشيكات]، الذي يرتبط بأسواق النفط المضطربة وبمدى توفرها على السيولة. وهي مقاربة باتت متجاوزة بالنسبة لدوائر صنع القرار في بلدان القارة الإفريقية، التي باتت تشهد معدلات نمو مرتفعة وتحولات في طبيعة الأنظمة السياسية، وبالتالي تغيرا أيضا في مقاربتها السياسية الخارجية.
في مقابل ذلك يُلاحظ أن القيادة الجزائرية، خفضت من نبرة تهديداتها بشن حرب على المغرب. بتقديرك إلى ماذا يعود ذلك؟
ينبغي العودة لأسباب التصعيد الجزائري التي أشرت إليها آنفا، وتحديدا الوضع الداخلي المتأزم بالجزائر من جهة، والتطورات الميدانية والسياقات الدولية التي شهدها ملف الصحراء في فترات سابقة من جهة أخرى. وهي تطورات أفضت إلى ما يمكن وصفه بتغير ملحوظ على مستوى موازين القوى، بالنسبة للأطراف المتصارعة حول الصحراء. كما أثرت على المقاربة الأممية المتجسدة في توصيات الأمين العام الأممي المضمنة في تقاريره، وقرارات مجلس الأمن التي تؤكد على طبيعة الحل السياسية المتوافق عليه.
كما استطاع النظام الجزائري أن يؤجل المطالب الشعبية التي رفعها الحراك الشعبي، مستغلا تداعيات جائحة كورونا وشماعة “العدو الخارجي” المتمثل بالنسبة له في المغرب. بحيث سيطبع إن عاجلا أم عاجلا مع الوضع القائم بالصحراء، والذي يشهد حالة حسم ميداني كامل لصالح المغرب، وسيطرة تامة على كافة المواقع والمقدرات الاستراتيجية بالإقليم. خاصة بعد فشل سياسة التصعيد الجزائري في كبح جماح الدور المغربي في المنطقة، وانتفاء حاجة النظام الجزائري الملحة لورقة العدو الخارجي.
وهذه التطورات ستفضي بأطراف النزاع إلى الجلوس على طاولة الحوار، بحثا عن تفاهمات وتوافقات جديدة، لن تخرج عن سياق المقاربة الأممية المتسمة بالواقعية والعقلانية. والتي ستكرس السيادة المغربية على الإقليم مع ضمان الحد الأدنى من المصالح الجزائرية، إلى جانب مصالح بقية الأطراف المتدخلة في النزاع حول الصحراء.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس