تحقيق: الطموح النووي للمغرب

84

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. يستعرض هذا التحقيق تفاصيل طموح المغرب بالطاقة النووية ويجيب على تساؤلات أبرزها؛ لماذا هي مُلحة حاجة المغرب إلى “النووي”؟ ولماذا تعارض إسبانيا “الخيار النووي” للمغرب؟ ومن هم شركاء المغرب في طموحه النووي؟ وما هي نقاط قوة وضعف “المشروع النووي” المغربي، كما ويدخل في تفاصيل مُفاعل “سيدي بُولبرة” النووي الغامض

الملف النووي في البرلمان

وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي في البرلمان
وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي في البرلمان

أعادت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي، الحديث عن الطموح النووي للمغرب إلى دائرة الضوء مجددا، عندما كشفت أمام مجلس المستشارين الثلاثاء الماضي، بأن وزارتها “تدرس إمكانية إنتاج الكهرباء وتحلية مياه البحر باستعمال الطاقة النووية”، مشيرة إلى إنشاء “لجنة لدراسة سيناريوهات الخيار النووي اعتمادا على عدة تقييمات كان آخرها عام 2015”. والحقيقة أن الطموح النووي للمغرب ليس وليد اليوم، إذ يعود إلى عقود خلت. وكان المغرب وضع اللبنة الأولى على درب تحقيقه عندما أنشأ في العام 1986 المركز الوطني للطاقة وعلوم التقنيات النووية، وشفعه بإقامة مفاعل نووي للدراسات بالمعمورة. لكن تفاصيل المشروع النووي المغربي يظل مع ذلك غير واضح لعموم المغاربة. ولذلك يسعى التحقيق التالي إلى كشف خطوطه العريضة، مع الوقوف عند نقاط قوته وضعفه..

يرى الخبير العربي في الطاقة الدكتور أنس الحجي، بأن الزيادة الضخمة في النمو السكاني والنمو الاقتصادي، خاصة بعد عام 2035، ستؤدي إلى زيادة ضخمة في نمو الطلب على الطاقة، وهذا الطلب يحتاج إلى مصادر الطاقة البديلة؛ لأن مصادر الطاقة المتجددة لن تكون كافية، خاصة أنها متقطعة. وبالتالي فإن دولة مثل المغرب ستكون بحاجة، إما إلى استيراد الغاز بكميات كبيرة من الخارج، أو اللجوء إلى الطاقة النووية، لتوليد الطاقة. ومن جانبه، يرى كبير المفتشين الأسبق لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الدكتور يسري أبو شادي، بأن المغرب لديه مفاعل نووي ويتطلع إلى إنشاء إحدى محطات الطاقة النووية.

الحاجة إلى الكهرباء النووية

يستورد المغرب حاليا حوالي 96% من حاجاته الطاقية من الخارج. ويعرف استهلاك الكهرباء تناميا متواصلا وكبيرا، يتراوح بين 8 و10% كمعدل سنوي، بسبب مشاريع كهربة البوادي وتنامي التصنيع. ويعتمد المغرب لإنتاج حاجياته من الكهرباء حاليا على وارداته من الفيول الصناعي والفحم الحجري والغاز. وللقطع مع هذه التبعية الطاقية إلى الخارج، وأيضا لخفض التكلفة الثقيلة لإنتاج الكهرباء، سبق أن تعالت أصوات كثيرة –بينها المندوبية السامية للتخطيط–منذ ما يزيد على عقد ونصف من الزمن، إلى تبني خيارات أخرى “غير تقليدية” لإنتاج الطاقة، بينها اللجوء إلى الخيار النووي. ففرنسا مثلا، التي تعتبر من أكثر دول العالم اعتمادا على الكهرباء النووية (58 مفاعلا نوويا)، تنتج حاليا ومنذ عقود الكهرباء الأكثر نظافة والأقل تكلفة في أوروبا.

ولترجيح كفة الرأي القائل بضرورة انتقال المغرب إلى العصر النووي، نشير إلى إن إنتاج كيلوواط واحد من الكهرباء باستعمال الفحم الحجري (كما يحدث في محطة الجرف الأصفر التي توفر ما يقرب من نصف حاجيات المغرب إلى الكهرباء)، يكلف في المعدل، بحسب الخبراء، حوالي 0,31 درهم. وتنتج عن عملية الإنتاج بالمقابل انبعاثات غازية ملوثة للبيئة. ولإنتاج حوالي مليار  واط/ساعة تستهلك محطات إنتاج الكهرباء العاملة في المغرب حاليا، حوالي 2,3 مليون طن من الفحم الحجري أو زهاء مليوني طن من المحروقات السائلة، أو توفير ألواح شمسية تغطي 100كلم مربع! بينما باستعمال التكنولوجيا النووية، لا يتطلب إنتاج القدر نفسه من الطاقة الكهربائية سوى 80 إلى 100 طن من اليورانيوم المخصب.

النووي لتحلية ماء البحر

تفيد تقديرات كتابة الدولة لدى وزير التجهيز والنقل واللوجيستيك المكلفة بالماء، بأن الطلب على الماء سوف يرتفع في أفق العام 2030، إلى نحو 16,7 مليار متر مكعب في مقابل 13,7 حاليا. ويمثل ذلك تحديا للسلطات العمومية في المغرب، في ظل ما تشهده البلاد والعالم من حولها، من تغيرات مناخية سمتها الأبرز ندرة التساقطات وعدم انتظامها. ولتلك الاعتبارات وغيرها، يرى الخبراء بأن سياسة السدود التي اعتمدها المغرب منذ الستينيات من القرن الماضي، قد بلغت حدها. وبات عليه التعويل على خيارات بديلة لتلبية حاجاته المتزايدة إلى الماء. ومن بين الخيارات التي سبق أن طرحتها الوزارة الوصية، إنشاء محطة لتحلية ماء البحر بقدرة إنتاجية تناهز 400 مليون متر مكعب كل عام. ولتفعيل هذا الخيار، شرع المغرب فعلا في بناء محطة بأكادير سوف تكون الأكبر من نوعها في العالم، وتحلي ماء البحر بالاعتماد على الطاقة الشمسية. لكن تكلفتها المالية باهظة، ولذلك فإنه لخفض تكلفة تحلية ماء البحر، ترى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن لجوء البلدان المغاربية إلى استعمال الطاقة النووية، يعتبر أكثر الخيارات الاقتصادية فاعلية.

ويتأسس رأي الوكالة المشجع على الاعتماد على الطاقة النووية هذا، على خلاصات دراسة سبق أن قام بها خبراؤها، ونصحوا من خلالها الدول المغاربية (تحديدا: المغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا) بإنشاء محطات نووية لتحلية ماء البحر، يسهل دمجها في شبكات التيار الكهربائي الوطنية. وتتوقع الدراسة أن تتراوح تكلفة إنتاج المتر المكعب الواحد من الماء العذب–نظريا– بين 0,7 دولار ودولار واحد، وهي الأقل تكلفة بين باقي الخيارات الأخرى.

والواقع أن الفكرة ليست جديدة. فقد سبق للمغرب أن أنجز دراسة جدوى لإقامة محطة لتحلية ماء البحر في طانطان، اعتمادا على التكنولوجيا النووية، منذ منتصف التسعينيات. وكشفت التقديرات الأولية أنها قد تكلف حوالي 400 مليون درهم، بطاقة إنتاجية تناهز 8 آلاف متر مكعب من الماء العذب في اليوم. وعلى عهد حكومة التناوب الأولى (1998)، ناقش الوزير الأول الأسبق عبد الرحمن اليوسفي الملف مع شركاء صينيين، خلال زيارة له إلى بكين. لكن في النهاية تم التخلي عن الخيار النووي بسبب ضغوط إسبانية.

مفاعل سيدي بولبرةالغامض!

إذا كان مصير مشروع محطة طانطان النووية لتحلية ماء البحر معروفا، فإن مصير المفاعل النووي بسيدي بولبرة لإنتاج الكهرباء يعد أكثر غرابة. ويوجد سيدي بولبرة بجماعة سيدي إسحاق التابعة لإقليم الصويرة، حيث يقع تحديدا بين هذه الأخيرة وآسفي، غير بعيد عن المحيط الأطلسي. لقد سبق أن رشحت الحكومة المغربية هذا الموقع، لإقامة محطة نووية لإنتاج الكهرباء، منذ العام 1983، في أعقاب دراسات قامت بها بمساعدة شركة فرنسية متخصصة في المجال النووي وتابعة لشركة كهرباء فرنسا.

وبعد زيارات ميدانية عديدة ودراسات معمقة للملف، من قبل خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أجازت هذه الأخيرة المشروع في 2005. وضمن هذا الإطار كان المغرب قد أنشأ مفاعل المعمورة الخاص بالدراسات النووية، بدعم أمريكي، منذ العام 2000. وبينما كان الجميع ينتظر انطلاق الأشغال لبناء مفاعل سيدي بولبرة، خرج وزير مغربي أسبق للطاقة بتصريح غريب في 2006، مفاده أن “المغرب لا يتوفر على برنامج نووي، وليس في نيته إنشاء محطات نووية لإنتاج الكهرباء”.

هذا التصريح سوف يكذبه في العام الموالي، مجمع “أطومسترويكسبورت” التابع للدولة الروسية والمتخصص في المجال النووي، حيث أعلن في بيان دخوله المنافسة الدولية لإنشاء مركب نووي بالمغرب. ثم لف صمت طويل موضوع المفاعل النووي بسيدي بولبرة بعد ذلك، وواصل مسؤولون في حكومتي العدالة والتنمية نفي وجود أي مشروع لإقامة مفاعل نووي؛ إلى أن نشرت مصادر إعلامية مغربية قبل ست سنوات، خبرا نسبته إلى مصادر لم تسمها بوزارة الطاقة والمعادن، يقول بأن المغرب شرع فعليا في بناء مفاعل بـ”سيدي بولبرة بين الصويرة وأسفي”. موضحة بأنه كان من المقرر، أن تنتهي الأشغال به في 2017، ليشرع في إنتاج حوالي 1000 ميغاوات، ما يمثل 7% من حاجيات المغرب إلى الكهرباء، بحلول العام 2020. وبعدما تناقلت وكالات الأنباء والمواقع الخبر، بسرعة البرق، كذب عبد القادر عمارة وزير التجهيز و النقل و اللوجستيك و الماء السابق مرة أخرى معطيات الخبر رسميا. وإلى حدود آخر تصريحاته لوسائل إعلام عالمية، كرر الوزير نفسه نفي وجود أي مشروع لإقامة محطة نووية من أي نوع فوق مكتبه الوزاري.

بعض تفاصيل البرنامج النووي للمغرب

المركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية (CNESTEN)
المركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية (CNESTEN)

في غياب أي معطيات رسمية، وجب التأكيد على أن المعطيات الواردة في هذا الملف استقيناها من تقارير غربية، وأطروحات جامعية، وكتب ونشرات متخصصة. لقد كان البرنامج النووي المغربي، الذي أعد في 1983 بدعم فرنسي، يتوخى في البداية إقامة ستة مفاعلات نووية متوسطة، بقدرة إنتاجية تصل إلى 600 ميغاوات للواحد. ثم جرى تقليص المخطط لاحقا، بحيث تم الاكتفاء بمفاعل واحد من 1000 ميغاوات، في أفق إنجاز لم يكن يتعدى العام 2007 كحد أقصى. وعين له موقع سيدي بولبرة عند الضفة الشمالية لمصب وادي مزار، بين الصويرة وآسفي.

وضمن هذا الأفق، جرى إعداد خبراء تابعين للمكتب الوطني للكهرباء، وتم خلق المركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية في العام 2000، كما أنشئ مركز المعمورة للدراسات النووية، الذي يعمل بداخله حوالي 220 مهندسا ودكتورا وتقنيا متخصصين في المجال النووي. وتم تزويده بمفاعل نووي صغير للأبحاث من صنع أمريكي، قدرته 2 ميغاوات. وتم عقد اتفاقيات تعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومع شركاء أجانب آخرين “من روسيا أساسا”. وعكفت الحكومات المتعاقبة على تعزيز المجال النووي بإصدار قوانين تغطي الفراغ الذي كان قائما، الخ.
وخلال كل هذا الردح الطويل من الزمن، لم يتأكد أبدا إذا ما كان المغرب قد أقام أم لا مفاعلا نوويا. وواصلت الجهات الحكومية نفيها المتكرر للأمر. لكن في أوائل فبراير 2011، عاد الحديث عن “أول مفاعل نووي مغربي” إلى الواجهة من جديد. ليس من باب الشائعات هذه المرة، بل كخبر أكدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فقد نشرت الوكالة وثيقة تضمنت قائمة للدول التي سجلت مشاريعها لإنشاء محطات نووية تقدما، وكان المغرب متربعا مرتبة مميزة بينها.
وبعد مرور أسبوعين على نشر الوكالة للوثيقة، اضطر وزير الطاقة المغربي حينها إلى الاعتراف بأن المغرب قد تقدم بملف إلى الوكالة الدولية يتعلق بإنشاء محطة نووية، دون ذكر أية تفاصيل. لكنه عاد بعد ذلك إلى نفي وجود أي مشروع نووي قيد التنفيذ بالمغرب.

هكذا، إذا كان معروفا أن مشروع إنشاء مفاعل نووي قد يستغرق بين 10 و15 عاما، فإن المسار الغامض لأول مفاعل مغربي استغرق أضعاف ذلك من دون أن يظهر له أثر بعد. إن هالة الغموض الشديد التي تحيط موضوع “الطموح النووي” للمغرب، رغم أنه سلمي، قد تعني واحدا من أمرين لا ثالث لهما: إما أن المسؤولين الحكوميين المتعاقبين منذ ثمانينيات القرن الماضي، ملتزمون بالسر المهني في إنكارهم المتواصل لوجود أي برنامج نووي قيد التنفيذ.. أو أن البرنامج يجري تنفيذه –نظرا لحساسيته– خارج الإطار الحكومي..

وبحسب المصادر الفرنسية التي تكون عادة أكثر اطلاعا على أوضاع المغرب وأسراره، فإن الطموح النووي للمغرب لا يتوقف عند حدود إقامة مفاعل نووي بسيدي بولبرة بتكنولوجيا روسية، ومحطة نووية لتحلية ماء البحر  بطانطان بتكنولوجيا صينية.. بل وحسب ذات المصادر، يشمل المشروع النووي للمغرب أيضا، إقامة مفاعل نووي آخر قرب مراكش، قد تكون السلطات المغربية دخلت في مفاوضات عميقة في شأنه مع الشركاء الفرنسيين منذ سنوات.

نقاط قوة وضعف المشروع النووي للمغرب

نقاط القوة

في حساب نقاط قوة “المشروع النووي” للمغرب، يمكن أن نستحضر على الأقل ثلاثة عوامل محفزة: يأتي في مقدمتها كون طموحه النووي سلميا لا عسكريا، ما يؤهله لأن يحظى بدعم ومساعدة الجهات المختصة عالميا، وفي مقدمتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

الخَمّار المرابط "وسط" من اللجنة الدولية للسلامة النووية إلى رئاسة الوكالة المغربية للأمن النووي والإشعاعي
الخَمّار المرابط “وسط” من اللجنة الدولية للسلامة النووية
إلى رئاسة الوكالة المغربية للأمن النووي والإشعاعي

وعامل القوة الثاني للمغرب، يتمثل طبعا في الكفاءات عالية المستوى من أبنائه، وفي مقدمتها الخبير الدولي الخمار مرابط الذي عاد قبل سنوات، من الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي شغل بها لفترة طويلة منصبا دوليا حساسا “السلامة النووية”، ليفيد بلده من خبرته. وهو يشغل حاليا منصب المدير العام لـ “الوكالة المغربية للأمن والسلامة في المجالين النووي والإشعاعي – أمسنور”.
وثالث نقاط القوة، تكمن في توفر المغرب على احتياطي مهم من اليورانيوم غير التقليدي، الذي يمكن استخراجه من الفوسفاط، والذي يمكن أن يشكل وقودا لأي منشأة نووية.

النووي المغربي مدني

زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية للمفاعل التجريبي بالمعمورة (قرب الرباط)
زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية للمفاعل التجريبي بالمعمورة (قرب الرباط)

يتميز الطموح النووي للمغرب بكونه مدنيا وليس عسكريا. وفي هذا الصدد، وقعت الدولة المغربية على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، التي تم إقرارها في العام 1968. كما وقعت أو قامت بتعديل عدد من الاتفاقيات الأخرى الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بينها المعاهدة-الإطار التي تحكم المجال النووي (صادرة في 12 أكتوبر 1972)، والمراسيم التطبيقية (الصادرة عام 1994)، والاتفاقية الخاصة بمراقبة الوكالة للمنشآت النووية (الصادرة عام 1997)، والاتفاقية الخاصة بالحماية من الاشعاعات النووية (الصادرة عام 1999)، التي رخصت للمغرب بإقامة مركز الدراسات النووية بالمعمورة. كما يرتبط المغرب مع الولايات المتحدة، التي تعد أعظم قوة نووية في العالم، باتفاق ثنائي للتعاون في شأن الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية. وفي إطاره سبق أن زودت واشنطن المغرب بمفاعل الأبحاث النووية الذي جهز به مركز الدراسات النووية بالمعمورة.

هكذا وبالمجمل، تتوافق جميع المنشآت النووية القائمة، أو التي في ما زالت مجرد مشاريع، مع القانون الدولي المنظم للمجال النووي. ولذلك تحظى بمباركة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي هذا الإطار تحظى اللجنة المغربية للتفكير حول استعمال الطاقة النووية لتحلية ماء البحر (CRED)، بتعاون وثيق من لدن خبراء الوكالة الدولية؛ حيث تؤكد هذه الأخيرة في لقاءاتها بالسلطات المغربية المختصة كما في تقاريرها، على ضرورة أن يضع المغرب خطة عمل واضحة، بعدما انتهى من وضع إطار قانوني وطني للاستعمال المدني للتكنولوجيا النووية مواكب للمعايير الدولية. وذلك بما يتيح لبلادنا الشروع في استغلال الطاقة النووية لتحلية ماء البحر.

وجود اليورانيوم في الفوسفاط

أكبر منصة لتصنيع الفوسفاط في العالم توجد بالجرف الأصفر (المغرب)
أكبر منصة لتصنيع الفوسفاط في العالم توجد بالجرف الأصفر (المغرب)

لعل من أهم نقاط قوة الطموح النووي للمغرب، توفره على 75 % من الاحتياطيات العالمية للفوسفاط. وهذا المعدن كما هو معروف يكون محملا باليورانيوم (غير التقليدي)، الذي يدخل في تشغيل المنشآت النووية. ويعود اكتشاف اليورانيوم في الفوسفاط المغربي إلى العام 1946، لكن المغرب ما زال مترددا في استخراجه منه. وتشير دراسة للمكتب الوطني للكهرباء، إلى أن الفوسفاط المغربي يحتوي على اليورانيوم بتركيزات متفاوتة، تتراوح في المعدل ما بين 100 و150 جزء في المليون. لكنها قد تصل في بعض الترسبات إلى ما بين 500 إلى 600 جزء في المليون.

وقد سبق لشركة “برايون” البلجيكية، التي تعد شريكا رئيسا للمكتب الشريف للفوسفاط، أن نجحت في استخراج 690 طنا من اليورانيوم من الفوسفاط المغربي. وحتى تكون صورة الاحتياطيات المغربية واضحة في ذهن القارئ، نذكر بأن حجم اليورانيوم الذي يتم استخراجه من الفوسفاط في العالم لا يزيد في المعدل عن 3700 طن سنويا. ولذلك تذهب الدراسة التي سبقت الإشارة إليها، إلى أن المغرب يمكن له أن يصبح رائدا عالميا في هذا المضمار، بقدرة استخراج سنوية محتملة لليورانيوم من الفوسفاط في حدود 2840 طنا. وسبق للمكتب الشريف للفوسفاط في هذا الإطار أن أبرم بالفعل اتفاقية في 2007، مع شركة “أريفا” الفرنسية المتخصصة في استخراج اليورانيوم، بهدف دراسة سبل التعاون بين الطرفين لإقامة وحدة صناعية لاستخراج اليورانيوم من الحامض الفوسفوري بالمركب الكيماوي للجرف الأصفر. والمعروف أن إقامة هذا النوع من المنشآت المتطورة يستغرق في المعدل عامين. لكن هذا المشروع –مثله مثل باقي المشاريع النووية في المغرب– ما زال بظهر الغيب، لأسباب غير معروفة.

المغرب لديه كفاءات عالية

داخل المركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية بالمعمورة
داخل المركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية بالمعمورة

من حسن حظ المغرب أن لديه كفاءات عالية التكوين، وتمتلك تجارب محترمة في التكنولوجيا النووية، وتشتغل حاليا في المغرب داخل بعض الجامعات المغربية، وفي المكتب الشريف للفوسفاط، والمكتب الوطني للكهرباء، وخارجه في جامعات ومنشآت نووية عالمية ومنظمات دولية متخصصة. ويعود تخرج أول إطار مغربي إلى العام 1960، حيث كان عبد الحميد المكي برادة أول مهندس متخصص في الهندسة الذرية. ومنذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي، تم تأسيس “جمعية لخريجي الهندسة الذرية بالمغرب”، بغرض تجميع كل الكفاءات الوطنية، بما يتيح استفادة بلدهم من تجاربهم المتنوعة وخبراتهم. وتذهب بعض التقديرات إلى أن عدد المتخصصين المغاربة في الهندسة النووية يقدر حاليا بحوالي 200، يتوزعون بين باحثين جامعيين، ودكاترة في الفيزياء النووية والكيمياء النووية، ومهندسين في الهندسة النووية، تخرج أغلبهم من معاهد وجامعات مرموقة عالميا. ووفق عدد من التقارير المتخصصة، فإن هذا العدد من الخبراء الذي يتوفر عليه المغرب يعتبر كافيا للإشراف على إقامة مفاعل نووي وتسييره.

نقاط الضعف

مفاعل نووي مغربي لتوليد الكهرباء

نقصد بنقاط الضعف هنا، العوامل التي قد تكون وراء تأخر تنفيذ الطموح النووي للمغرب. إن أبرز نقاط الضعف التي تردع أغلب دول العالم النامي، وتطيل أمد ترددها في اللجوء إلى الاستفادة من التكنولوجيا النووية عادة. وتتحدد أساسا في: التكلفة الباهظة لإقامة المفاعلات النووية، وطول مدة تشييدها وتجهيزها وتشغيلها التي قد تستغرق 15 عاما. وفي حساب العوامل المحبطة للجوء إلى النووي أيضا، ينبغي استحضار ارتفاع تكلفة صيانتها وتعقيد عملية التخلص من النفايات النووية. ثم أخيرا وليس آخرا، صعوبة التعامل مع المفاعل بعد أن ينتهي عمره الافتراضي، وارتفاع تكلفة العملية. لكن في الحالة المغربية تحديدا، ينبغي إضافة معارضة الجيران أيضا..

تكنولوجيا باهظة التكلفة

تفيد تقديرات الخبراء بأن مشروع إقامة مفاعل نووي متوسط لإنتاج الكهرباء من النوع الذي يطمح إليه المغرب (أقل من 1000 ميغاواط)، من شأنه أن يكلف عدة مليارات من الدراهم، بحيث يتطلب إطلاقه توفر ميزانية أولية في حدود 1,5 مليار دولار (حوالي 15 مليار درهم). ويعني ذلك أن إنشاء مشروع من هذا المستوى سوف يستغرق سنوات طويلة، ولن يكون جاهزا في أفق 2030. فالمغرب ليست لديه الموارد الكافية لتمويل هذا النوع من المشاريع الباهظة التكلفة، على الرغم من أن عائداته على البلاد هامة جدا من حيث توفيره للطاقة الكهربائية اللازمة للاستعمال المنزلي أو الصناعي أو لتحلية ماء البحر، بتكلفة اقتصادية. وفضلا عن تكلفة الإنشاء والتجهيز، سوف يكون على المغرب تكوين عشرات المهندسين والتقنيين، تكوينا عاليا في الولايات المتحدة أو فرنسا أو ماليزيا. وتدبير المشاكل المعقدة للنفايات النووية التي يخلفها المفاعل باستمرار، وتوفير السلامة والتعامل مع أية حوادث طارئة، وهي ليست نادرة في المنشآت النووية عبر العالم. ثم التفكير منذ البداية في تفكيك المنشأة النووية عندما يتقرر ذلك.

ويعني كل ذلك في المحصلة، أن أي بلد يفكر في دخول نادي الدول النووية، ينبغي عليه أن يوفر الموارد المالية الضرورية لطموحه، وهي بكل تأكيد باهظة.

تحديات الأمان النووي

تحديات الأمان النووي - المغرب

تشير الدراسات إلى أن من أهم العوامل التي من شأنها أن تعيق منشآت نووية بالمنطقة المغاربية، وليس في المغرب وحده، وجود مخاطر حقيقية للزلازل وأمواج المد البحري العملاقة (التسونامي). ويطرح ذلك مشاكل الأمان النووي أمام أي مشروع يتم التخطيط له. ولهذا السبب كان إلحاح خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية على المغرب، في أن ينشئ هيئة خاصة بمتابعة وتدبير قضايا الأمن والسلامة النوويين، ووضع ترسانة قانونية خاصة بالموضوع، قبل البدء في تنفيذ أي مشروعات نووية كبيرة. وقد تمت تلبية هذا الشرط منذ سنوات. فقد أنشأ المغرب وكالة خاصة بالأمن والسلامة في المجالين النووي والإشعاعي في 2016، باعتبارها سلطة وطنية تقع على مسؤوليتها السهر على توفير الأمن النووي، والتعامل مع كل الأزمات المفترض حصولها. فالمعروف أنه على الرغم من كون استعمالات التكنولوجيا النووية تخضع لضوابط ومعايير دولية خاصة بالأمن، إلا أن ذلك لا يمنع تعرضها للسرقة والنقل بعيدا عن منشآتها، والتخريب، وغيرها من العمليات غير القانونية.

ويقول الخبراء إنه ينبغي توقع حصول انزلاقات في شكل حوادث أو اعتداءات على منشآت نووية في أي وقت. وبالتالي تعرض الأمن العام وسلامة الناس لخطر كبير، ما يستوجب وضع الإطار القانوني اللازم للتعامل مع كل حالاته المحتملة. ولذلك وضعت الوكالة الوطنية للأمن والسلامة في المجالين النووي والإشعاعي مخططا استراتيجيا (2017-2021)، تضمن برامج تنفيذية لتطبيق الإطار القانوني الوطني، تنفيذا لمقتضيات القانون 142-12 الخاص بالأمن والسلامة في المجالين النووي والإشعاعي.

فيتو من الجيران“!

لقد مر بنا القول إنه سبق للمغرب أن أنجز دراسة جدوى لإقامة محطة لتحلية ماء البحر في طانطان، اعتمادا على التكنولوجيا النووية الصينية منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي. ومن عاش أجواء الحماس الذي رافق بدايات عهد حكومة التناوب الأولى (1998)، سيكون دون شك قد شعر بالإحباط بسبب “الاعتراض”  غير المفهوم للجيران الإسبان على إنشاء المحطة، التي كانت قد قطعت أشواطا طويلة وقاربت مرحلة الشروع في التنفيذ مع شركاء صينيين. والواقع أن المغرب كان قد أجل المشروع ولم ينته إلى إلغائه تماما من مخططاته. فقد عادت السلطات المغربية قبل سنوات لتنفض الغبار عن المشروع، وشرعت في الاعداد لإخراجه إلى حيز التنفيذ، لتواجه مرة أخرى بمعارضة “الجيران” الإسبان بالمبرر الغريب نفسه، وهو أن مدينة طانطان تقع قبالة أرخبيل الكناري!

وبحسب الإعلام الاسباني، فإن الرباط قد تلقت “فيتو” في 2007 مرة أخرى، عندما كانت تستعد لبناء مفاعل نووي في سيدي بولبرة الذي اختير موقعه منذ عقود وحصلت بلادنا، كما سبقت الإشارة، على موافقة في شأن بنائه من الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 2005. وبحسب ما نشرت يومية “البايس” الاسبانية حينها، فإن الإعلان عن قرب إقامة هذه المحطة النووية، التي سبق أن قدم الروس مشروعا متكاملا لتنفيذها إلى الملك محمد السادس، أثار ردود فعل رافضة في جزر الكناري. وللتوضيح، نشير إلى أن موقع سيدي بولبرة يبعد بحريا مسافة 400 كلم عن تلك الجزر التابعة لإسبانيا.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس