الإجهاد المائي وإصلاحات الماء في دول إفريقية

1
الإجهاد المائي وإصلاحات الماء في دول إفريقية
الإجهاد المائي وإصلاحات الماء في دول إفريقية

أفريقيا برس – المغرب. رسم تقرير للبنك الدولي صورة قاتمة لإفريقيا. فالإجهاد المائي في القارة ليس احتمالا بعيدا، بل هو واقع ملموس يؤدي إلى تآكل احتياطيات المياه، وتدمير فرص الشغل، وتهديد الأمن الغذائي، وتفاقم المخاطر البيئية مثل حرائق الغابات.

وتعد إفريقيا مركز أزمة المياه العالمية. وفي هذا السياق، شدد البنك الدولي على الحاجة الملحة إلى ثورة تعريفية (تعريفة) واقتصادية في مجال تدبير الإجهاد المائي في إفريقيا، مسلطا الضوء على تكلفة التقاعس وضرورة العمل المنسق.

Freshwater is disappearing fast & no region is immune. Severe impacts affects jobs, livelihoods & ecosystems.

It’s not too late to turn the tide.

🆕flagship report presents new data on global freshwater loss & offers a comprehensive roadmap for action: https://t.co/GBRjx9yvUA pic.twitter.com/8xOLDTelDa

— World Bank Water (@WorldBankWater) November 6, 2025

في تقرير حديث، دق البنك الدولي ناقوس الخطر. وأكد أن إفريقيا تعاني من الجفاف القاري، وهو انخفاض طويل الأمد في احتياطياتها من المياه العذبة، مع عواقب اقتصادية واجتماعية وخيمة. نظرة على التحديات التي تواجه الفاعلين الاقتصاديين في القارة.

إن تقاطع المعطيات ملفت للنظر. فبينما يدرج تقرير البنك الدولي الدول الإفريقية التي يتجاوز فيها استهلاك المياه مواردها المتجددة -المغرب والجزائر وتونس والنيجر- يكشف تصنيف معهد الموارد العالمية (WRI) عن تفاوت في خطورة الوضع. لا يؤكد معهد الموارد العالمية تشخيص هذه الدول فحسب، بل يظهر أيضا أن تونس وليبيا ومصر وناميبيا وبوتسوانا وجنوب أفريقيا وإسواتيني تعاني من إجهاد مائي شديد، بينما يواجه المغرب والجزائر والنيجر وإريتريا ضغوطا شديدة. كما يشمل التقرير موريتانيا والسنغال وزيمبابوي، حيث تعاني من إجهاد مائي متوسط. الدول التي تعتبر جزءً من «مناطق الجفاف الكبرى» القارية الناشئة.

وكما أشار أكسل فان تروتسنبرغ، المدير العام الرئيسي للتنمية والسياسات في البنك الدولي، «الماء هو الحياة. ومع ذلك، فإن هذا المورد الحيوي آخذ في الاختفاء عبر القارات بمعدلات منذرة بالخطر. لم يعد هذا خطرا مستقبليا، بل أزمة صامتة تؤثر على الاقتصادات والنظم البيئية والحياة».

الفلاحة، التي تستهلك 98% من البصمة المائية العالمية، هي جوهر المشكلة. أشار التقرير إلى دول إفريقية حيث استهلاك المياه في الفلاحة غير فعال، ما يعني أنها تستهلك كميات من المياه لكل طن منتج تفوق ما يستهلكه نصف منتجي العالم في ظل ظروف مناخية وتكنولوجية مماثلة: الجزائر وتونس.

في هذه الدول، يعتمد جزء كبير من الإنتاج الفلاحي في المناطق القاحلة أصلا على استهلاك كثيف للمياه وغير فعال. وأشار التقرير إلى أن «أكثر من ثلثي الري غير الفعال في المناطق المتضررة من الجفاف يرتبط بمحاصيل مستهلكة للمياه بشكل مكثف مثل الأرز والقمح والقطن والذرة وقصب السكر». وتفاقم هذه الممارسات من نقص المياه.

أمام هذه الوضعية، شدد التقرير على إصلاح تعريفة المياه كعامل رئيسي. وحدد صراحة الدول الإفريقية التي ستستفيد من إصلاح تعريفة المياه. ويتعلق الأمر بالدول التي تروى فيها أكثر من 20% من أراضيها المزروعة، حيث يشجع التعريفة المخفضة للمياه المستعملة في الفلاحة على الإفراط في ضخها، مما يسهم في استنزاف الاحتياطيات. وإذا كان التقرير لا يقدم قائمة شاملة بهذه الدول الإفريقية، فإن تشخيص الجزائر وتونس (الإجهاد المقترن بعدم الكفاءة) يشير بقوة إلى أن مثل هذه الإصلاحات ستكون مفيدة فيهما.

ولحسن الحظ، توجد نماذج أخرى. وأشار التقرير إلى دول إفريقية نموذجية في ما يتعلق بإصلاح تعريفة المياه. وهذا ينطبق على غانا، حيث تمت الإشادة بنموذج التعريفة القروية. وحدد المدبرون المحليون التعريفات «بناءً على القدرة على تحمل التكاليف والاستدامة المالية». تدفع الفئات ذات الدخل المرتفع تعريفات أعلى، وتمول استرداد التكاليف والاستثمار في البنية التحتية. ويستفيد السكان ذوو الدخل المنخفض من التعريفات المدعومة. وقد مكن هذا النظام «من توسع سريع غير مسبوق في الولوج إلى المياه مع استقرار مالي للمرافق العامة».

Des femmes et enfants avec des bidons à la recherche d’eau à Nouakchott.. A. Seck/Le360 Afrique

المغرب هو البلد النموذجي الثاني المذكور. فالمغرب تطبق «تعريفات قائمة على الأداء» في المساحات المروية الشاسعة، حيث يربط الرسوم بحجم الاستهلاك وأداء البنية التحتية. وقد أدى هذا الإصلاح، إلى جانب اعتماد الري بالتنقيط، إلى «انخفاض استخدام المياه في الفلاحة بنسبة 30%».

وكما يظهر التحليل الاقتصادي للتقرير، فإن التعريفة المخفضة في قيمة المياه تشجع على الإفراط في الاستغلال وعدم الفعالية، مما يفاقم الجفاف القاري. وتعد التعريفات التي تعكس ندرة المياه وقيمتها أساسية لتحفيز اعتماد تقنيات توفير المياه (الري بالتنقيط).

وكشف تقرير البنك الدولي عن عجز كبير يبلغ 6.7 تريليون دولار بحلول عام 2030 للتدبير المستدام للمياه، مما يمثل فرصة استراتيجية رئيسية للمستثمرين من القطاع الخاص والمؤسسات المالية. وتبرز ثلاثة مجالات رئيسية كأولويات استثمارية. أولا، تقنيات فعالة لاستخدام المياه، بما في ذلك النشر واسع النطاق لأنظمة الري الدقيقة (الري بالتنقيط، الري المحوري)، وأجهزة الاستشعار الذكية للفلاحة، ومنصات تستفيد من معطيات أقمار «غريس» (Grace) الصناعية عالية الدقة للرصد الدقيق لاحتياطيات المياه الجوفية.

ثانيا، البنية التحتية غير التقليدية، مثل محطات إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، ومحطات تحلية المياه التي تعمل بالطاقة المتجددة، شريطة أن تكون مستدامة اقتصاديا وتخضع لتدبير دقيق للمحلول الملحي لتقليل الآثار البيئية.

ثالثا، الحد من خسائر المياه غير المحسوبة من خلال تحديث الشبكات، كما هو الحال في فيصل آباد بباكستان، حيث انخفضت التسربات بنسبة 30%. ولتعبئة هذه الرساميل، تبرز الشراكات بين القطاعين العام والخاص كنموذج مركزي، يتطلب قواعد واضحة، وأطرا قانونية متينة (كما هو مذكور في خارطة الطريق التي اقترحها البنك الدولي)، وآليات تعريفية تضمن عائدا على الاستثمار. وأكد التقرير أن الأدوات المبتكرة -السندات الخضراء/الزرقاء، والتمويل المختلط، وضمانات المخاطر- ضرورية لتحويل هذا العجز إلى محفظة من الفرص القابلة للتمويل.

مخاطر عملياتية، مسؤوليات وفرص

إن ندرة المياه تشكل خطرا عملياتيا ممنهجا على الشركات الصناعية وسلاسل القيمة غير الفلاحية، مما يهدد استقرار الإمدادات، ويعطل العمليات الصناعية المعتمدة على المياه (التبريد والمعالجة)، ويزعزع استقرار السياقات السوسيو-اقتصادية المحلية.

تتطلب هذه الهشاشة استجابة استراتيجية مندمجة. فمع تحول البصمة المائية إلى معيار تجاري رئيسي قائم على معايير الاستدامة في اتفاقيات مثل الشراكة الهندية-اليابانية ومنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، يتعين على الشركات تحديد اعتمادها المباشر واعتماد مورديها الفلاحيين (القطن ومدخلات الغذاء)، والاستثمار في التحسين الداخلي من خلال إعادة التدوير في حلقة مغلقة وعمليات تدقيق شاملة، والانتقال إلى سلاسل توريد إيجابية للمياه.

يسلط التقرير الضوء على الظهور الحتمي للتدابير غير الجمركية المتعلقة بالطلب، بما في ذلك وضع علامات إلزامية لكثافة المياه على الواردات وإصدار شهادات للمنتجات الموفرة للمياه، مما يحول تدبير موارد المياه إلى ضرورة تنافسية. وبالتالي، لم يعد دمج تثمين المياه في استراتيجيات المسؤولية الاجتماعية للشركات وسياسات المشتريات خيارا، بل شرطا أساسيا لتحقيق الصلابة العملياتية والولوج إلى الأسواق التي تفرض شروطا صارمة.

وماذا عن تقاسم المخاطر والتعاون العابر للحدود؟

بالنسبة للبنك الدولي، يجب أن يركز تدخل الشركاء الدوليين والمؤسسات المالية على ثلاثة محاور ذات أولوية محددة في خارطة طريق السياسات الواردة في التقرير. أولا، يجب أن يستهدف التمويل تعزيز مؤسسات أحواض الأنهار لتحقيق الحكامة المندمجة، والدعم التقني لإصلاحات التعريفات، بما في ذلك آليات الحماية الاجتماعية، ونشر أنظمة مراقبة عالية الدقة (عدادات ذكية، ومعطيات أقمار «غريس»)، ومشاريع هجينة تجمع بين الفعالية الفلاحية، واستعادة التخزين الطبيعي (المناطق الرطبة، وإعادة تغذية طبقات المياه الجوفية)، وبنية تحتية صلبة.

دورها في تخفيف المخاطر أساسي: من خلال هيكلة أدوات مالية مبتكرة، مثل السندات المرتبطة بنتائج ملموسة في مجال المياه، وتقديم ضمانات جزئية، وتعاضد المخاطر، فإنهم يحفزون تعبئة الرأسمال الخاص لسد العجز البالغ 6.7 تريليون دولار.

وأخيرا، يعد الدعم الدبلوماسي والتقني للشركاء الدوليين والمؤسسات المالية للتعاون العابر للحدود أمرا بالغ الأهمية لإنشاء أطر مؤسساتية واتفاقيات تدبير في الأحواض المشتركة -مثل نهر السنغال أو طبقات المياه الجوفية العابرة للحدود. وأشار التقرير إلى وجود عجز كبير في هذا المجال، إذ لا يزال أكثر من نصف المجاري المائية الدولية وجميع طبقات المياه الجوفية العابرة للحدود تقريبا يفتقر إلى آليات التنسيق، مما يهدد الأمن المائي الإقليمي.

وهكذا، يظهر تقرير البنك الدولي أن الوضع الحالي غير مستدام اقتصاديا. وبناء على ما سبق، فإن خارطة الطريق واضحة وتتطلب عملا منسقا من جميع الفاعلين. إن إصلاحات التعريفات، مثل تلك المطبقة في غانا (النموذج القروي المدمج) والمغرب (التعريفة القائمة على الأداء والحجم)، ليست خيارا بل ضرورة اقتصادية للإشارة إلى قيمة المياه وتمويل تدبيرها المستدام.

إن الاستثمار الضخم في الفعالية، المدفوع بشراكات مبتكرة بين القطاعين العام والخاص وتعبئة التمويل الأخضر/الأزرق، هو السبيل الوحيد لسد العجز الهائل في التمويل. يعد التنويع الاقتصادي، بعيدا عن القطاعات التي تعتمد بشكل كبير على المياه، استراتيجية حيوية لتعزيز صلابة الاقتصادات الوطنية وسبل العيش المحلية، مما يخفف من الضغط على الموارد.

إن تحذير أكسل فان تروتسنبرغ يلقي صدى قويا بشكل خاص في أفريقيا. وقال: « بفضل المعرفة الصحيحة والشراكات والإرادة السياسية، يمكننا عكس هذا الاتجاه ». لقد انتهى وقت التشخيص، وحان وقت التنفيذ العاجل والمتضافر لحلول تعد دعائمها الاقتصادية -التعريفة العادلة، والاستثمار الموجه، والتنويع- أساسية لضمان مستقبل مائي واقتصادي مستدام للقارة. ويزداد هذا الأمر أهمية نظرا لأن التقاعس عن العمل سيؤثر سلبا على فرض الشغل.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس