بدر عريش: حراك “جيل زد” ناجح وعلى الحكومة التجاوب مع مطالبه

13
بدر عريش: حراك
بدر عريش: حراك "جيل زد" ناجح وعلى الحكومة التجاوب مع مطالبه

آمنة جبران

أفريقيا برس – المغرب. في حوار خصّ به موقع “أفريقيا برس”، أكد بدر عريش، الكاتب العام للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي التابعة للاتحاد المغربي للشغل، أن حراك “جيل زد” يُعدّ حراكًا ناجحًا، إذ استطاع إيصال صوت فئات واسعة من الشعب المغربي، التي تضررت من السياسات النيوليبرالية المتوحشة، مما يمنح مطالب الشباب مشروعية قوية.

وقال عريش إن الخروج من الأزمة الاجتماعية الراهنة يتطلب إرسال إشارات واضحة واتخاذ إجراءات ملموسة، مشددًا على أن إعادة الاعتبار للمدرسة والصحة العموميتين يُعد مفتاحًا لحل الأزمة، شرط أن يترافق ذلك مع انفراج سياسي يشمل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي وحراك الريف.

وأضاف أن الاحتجاجات الحالية تمثل فرصة حقيقية للحكومة لتدارك أخطائها، إذا توفرت لديها الإرادة السياسية، وتخلّت عن نهجها السابق الذي كان يراهن على مرور الوقت وخفوت الاحتجاجات، ومحاولات الالتفاف على المطالب المشروعة.

بدر عريش هو ناشط نقابي يشغل منصب الكاتب العام للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي التابعة للاتحاد المغربي للشغل. يُعرف بمواقفه المدافعة عن حقوق الفلاحين والكسابة، خاصة في ظل التحديات المناخية والاقتصادية التي تواجه القطاع الزراعي في المغرب.

في ديسمبر 2021، تم انتخابه كاتبًا وطنيًا لشبيبة القطاع الفلاحي، وهو التنظيم الموازي للجامعة الوطنية، ما يعكس حضوره القوي داخل الهياكل النقابية.

عريش يُعبر باستمرار عن مواقف نقدية تجاه السياسات النيوليبرالية التي يرى أنها أثرت سلبًا على الفئات الشعبية، ويدعو إلى دعم الفلاحين الصغار، خاصة بعد سنوات الجفاف وتقلص مساحات الرعي.

ويُعرف بدر عريش بمواقفه النقدية تجاه السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تنتهجها حكومة عزيز أخنوش، خصوصًا في ما يتعلق بتعاملها مع الحراك الاجتماعي الأخير الذي تقوده فئة الشباب، والمعروف باسم “جيل زد”.

ودعا إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، واعتبر ذلك خطوة ضرورية لخلق انفراج سياسي يُعيد الثقة بين الدولة والمجتمع.

كيف تقرأ الاحتجاجات الأخيرة التي يشهدها المغرب؟

الاحتجاجات الأخيرة التي تعرفها بلادنا في الآونة الأخيرة لها مبرراتها وأسسها الموضوعية المرتبطة أساسا بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، التي تعيشها الأغلبية الساحقة من الشعب المغربي، وفي طليعتها الشباب وعموم الطبقة العاملة المغربية، التي تكتوي بلهيب ارتفاع الأسعار والهجوم غير المسبوق للحكومة على ما تبقى من مكتسبات (تمرير القانون التنظيمي للإضراب، محاولات تمرير “إصلاح صناديق التقاعد، مراجعة مدونة الشغل…)، ويعتبر الشباب الفئة الأكثر تضررا من السياسات العمومية الليبرالية في مجالات التعليم والشغل والصحة والتي يطبعها التسليع والخصخصة.

كما أن الاحتجاجات التي تعرفها بلادنا الآن هي امتداد للاحتجاجات، التي عرفتها بلادنا على الأقل منذ بروز الحركة المجيدة 20 فبراير في سنة 2011، وما تلاها من حراكات وانتفاضات في مختلف مناطق البلاد وشملت مختلف الفئات (حراك الريف، نضالات الأساتذة المتعاقدين، نضالات ضحايا زلزال الحوز، مسيرات ساكنة البوادي والمداشر، النضالات الطلابية والتلاميذية، نضالات نقابية بقطاعات التعليم والصحة…،) وبالتالي فالحراك الشبابي “جيل زد” هو تعبير حقيقي عن أهم مطالب مختلف الفئات الشعبية ببلادنا خاصة فيما يتصل بالحق في تعليم وصحة عموميتين وذات جودة.

برأيك هل ستواصل الحكومة اعتماد المقاربة الأمنية لاحتواء الاحتقان أم ستفتح باب الحوار مع المحتجين للإصغاء إلى مطالبهم؟

لاحظنا في بداية احتجاجات شباب “جيل زد” كيف كان تعامل السلطات، حيث كانت لغة المنع والقمع والاعتقال والتقديم للمحاكمات هي الطاغية، لكن مع تطور الأحداث وما رافقها من انفلات، وكذلك اتساع رقعة احتجاجات الشباب في مجموعة من المناطق إضافة إلى التغطيات الإعلامية للصحافة الدولية والمحلية، جعلت السلطات تتراجع عن مقاربتها الأمنية مخافة تطور الأمور وفقدان السيطرة عليها.

أما فيما يخص فتح باب الحوار مع المحتجين؛ فتصريحات رئيس الحكومة وبعض المسؤولين في أحزاب الأغلبية الحكومية لمحت لهذا الأمر، وعبرت عن استعدادها لذلك عبر فتح باب الحوار عبر الفضاءات العمومية، لكن لحد الآن لم تنجح المسألة لعدة أسباب منها عدم ثقة المحتجين بتصريحات الحكومة ووعودها، ثانيا لغياب قيادة معروفة لهذا الحراك الشبابي، وثالثا لكون الحركة الشبابية “جيل زد” تعتبر الحكومة الحالية لم تعد طرفا ذا مصداقية أو شرعية سياسية لقيادة أي مسار تفاوضي جاد، وكذلك بروز مطلب إقالة الحكومة الحالية ضمن مطالب الحراك، لأنها تعيش سنتها الأخيرة من الولاية وأخلفت وعودها الانتخابية.

وفق تقديرك، ماهي أبرز إخفاقات وانجازات الحكومة المغربية مع دخول عامها السياسي الجديد والأخير؟

بشكل عام الحكومة الحالية وبسياساتها المتبعة لم تنجح في تحقيق حتى وعودها الانتخابية، ففي المجال الاجتماعي فالحصيلة واضحة منها ارتفاع نسبة البطالة وهشاشة الشغل، ضرب مجانية التعليم وما خلفه مشروع القانون 59.24 من احتجاجات ومواقف رافضة له، واقع الصحة العمومية يتحدث عن نفسه، وما الاحتجاجات التي اندلعت في مناطق أكادير (جنوب المغرب) خير دليل على ذلك.

قد تكون هنالك مجهودات واستثمارات مهمة في مجموعة من المجالات لكن انعكاسها على المعيش اليومي للمواطنين لا يشكل الفارق، كما أن الشباب اليوم يلاحظ السخاء الكبير في الإنفاق للدولة وحكومتها على المنشئات الرياضية والسرعة القياسية التي يتم إنشاءها مقابل بطء شديد في إنشاء وإنجاز المشاريع ذات الطابع الاجتماعي وتعقيد المساطر والبيروقراطية الإدارية في إنشاء وتجهيز المنشئات ذات الطابع الاجتماعي، وهو ما خلف سخطا واسعا وسط الشباب.

دون أن ننسى كذلك الهجوم غير المسبوق الذي تشنه الحكومة الحالية على حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة المغربية وفي طليعتها الشباب العامل، حيث قامت بتمرير قانون تنظيمي للإضراب منافي لروح الدستور المغربي ولكافة الاتفاقات الدولية ذات الصلة، حيث أصبحت الطبقة العاملة المغربية اليوم مكبلة بهذا القانون اللا شرعي واللا دستوري، ناهيك عن عزم نفس الحكومة لتمرير ما يسمى بإصلاح صناديق التقاعد وتحميل الشغيلة والشباب فاتورة التدبير السيء لتلك الصناديق، كما تريد هاته الحكومة مراجعة مدونة الشغل لصالح مصالح الباطرونا وأرباب العمل، كل هذا وهاته الحكومة تدعي بأنها حكومة اجتماعية وهي تسعى ليل نهار وبشتى الطرق الإجهاز على ما تبقى من مكتسبات للشباب وللطبقة العاملة المغربية.

كيف تقيم التعاطي الحكومي مع القطاع الفلاحي بالبلاد، وهل تشكل الاحتجاجات فرصة للحكومة لتجاوز أخطائها في كل القطاعات؟

تعاطي الحكومة مع القطاعي الفلاحي ببلادنا لا يختلف عن تعاطيها مع مختل القطاعات الإستراتيجية ببلادنا، سخاء كبير في دعم كبار الفلاحين وتهميش مستمر للفلاحين الصغار والعمال الزراعيين، وكذلك موظفي ومستخدمي وزارة الفلاحة والمؤسسات العمومية التابعة لها.

فالسياسات الفلاحية المتعاقبة خاصة مخطط المغرب الأخضر والجيل الأخضر وما التهمت من استثمارات ضخمة تقدر بملايين الدراهم ذهب كلها في اتجاه تشجيع الفلاحة التصديرية على حساب دعم الفلاحة المحلية، وهو ما جعل السيادة الغذائية للشعب المغربي مفقودة، حيث جل الحاجيات من المواد الغذائية والفلاحية يتم استيرادها بالعملة الصعبة، ناهيك عن واقع العمال الزراعيين الذين يعانون الأمرين نتيجة التمييز القانوني بين الحد الأدني للأجور بالقطاع الفلاحي ونظيره بالقطاع الصناعي، وهو ما يشكل وصمة عار على جبين الحكومات المتعاقبة، والتي لم تستطع توحيده رغم الاتفاقات الاجتماعية التي وقعت منذ 2011 إلى يومنا هذا، دون أن ننسى واقع موظفي ومستخدمي القطاع الفلاحي حيث لا زالت مطالبهم معلقة التنفيذ وراكمت من التماطل والعراقيل ما يكفي (تعديل وتحيين القوانين الأساسية لمجموعة من المؤسسات والمنشئات العمومية، الأعمال الاجتماعية، التقاعد التكميلي….).

أكيد أن الاحتجاجات الحالية تشكل فرصة للحكومة لتدارك أخطائها إن هي توافرت لديها الرغبة السياسية في ذلك، وتخلت عن سياساتها السابقة، التي كانت تراهن على الوقت وخفوت مستوى الاحتجاجات ومحاولات الالتفاف عن المطالب المشروعة.

ماهي مقترحاتكم للخروج من الأزمة الاجتماعية التي يعيشها المغرب؟

للخروج من الأزمة الاجتماعية الحالية لا بد من بعث إشارات وإجراءات واضحتين وعدم الاكتفاء بالكلام العام، وأن تكون هنالك استجابة سياسية واجتماعية تترجمها إجراءات ملموسة وشجاعة، خصوصا وأن ما يطرحه شباب “جيل زد” ليس بالمطالب الجديدة، فهي مطالب شكلت موضوع احتجاج يومي ببلادنا وانتفاضات وحراكات عارمة، وبالتالي فإعادة الاعتبار للمدرسة والصحة العموميتين مفتاح حل الأزمة مع ضرورة أن يواكب ذلك انفراج سياسي عبر إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي ومعتقلي حراك الريف، وكذلك التراجع وتجميد العمل بمجموعة من القوانين التنظيمية المكبلة للحق الدستوري في الإضراب ومباشرة إصلاحات اقتصادية جذرية لمنظومة الاستثمار وجعلها في خدمة الاقتصاد الوطني ورافعة لخلق فرص حقيقية للشغل.

وصفت الاحتجاجات الأخيرة بالاحتجاجات الشبابية حيث يقودها “جيل زد 212″، هل برأيك هذا الجيل الجديد قادر على إيصال صوته والدفاع عن الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمهمشة؟

بالفعل، فالاحتجاجات والمطالب التي رفعها “جيل زد 212” هي تعبير حقيقي عن تطلعات ليس فقط الشباب وإنما تطلعات ومطالب مختلف فئات الشعب المغربي، الذي اكتوى بنار السياسات النيوليبرالية المتوحشة المملاة من طرف الدوائر المالية العالمية، وهو ما يعطي مشروعية قوية لمطالب هؤلاء الشباب.

ولحدود اليوم فالحراك الشبابي ناجح جدا في إيصال صوته ومطالب شعبه، ويمتلك هذا الجيل الرائع إمكانيات هائلة في التواصل الرقمي جعلت رسائله تصل لكل من يهمه الأمر ويكسب تعاطفا شعبيا هاما رغم حملات تصويرهم كمراهقين مشاغبين في بداية الحراك.

المطلوب اليوم هو أن تقوم كل القوى الحية ببلادنا من أحزاب ديمقراطية واتحادات عمالية وجمعيات بدعم هاته الهبة الشبابية ودعم مطالبها، وكذلك المساهمة في تكثيف الضغط على صناع القرار في بلادنا للتجاوب مع مطالب الحراك.

برأيك من يقف وراء هذه الاحتجاجات وهل هناك جهات خارجية تقف وراءها خاصة وأن هناك اتهامات في الفضاء الرقمي موجهة للجزائر وأخرى ترى في إسرائيل وأمريكا المستفيد الأساسي من التغيير في المغرب؟

ما يقف وراء هذه الاحتجاجات هو تردي المعيش اليومي لمختلف فئات الشعب وفي مقدمتهم الشباب نتيجة للسياسات والاختيارات المتبعة، أما مسألة إلصاق تدخل جهات خارجية من أجل إحداث الفوضى أو تغيير يخدم أجندات دول بعينها فهو مبعث سخرية وهروب من الواقع، وهذا التكتيك غالبا ما تلجأ له السلطات الحاكمة في مواجهة المطالب المشروعة لكل الحراكات، التي عرفتها بلادنا وهو ما عشناه مع حركة 20 فبراير وحراك الريف وغيرها من الاحتجاجات والانتفاضات.

المستفيد من أي تغيير إيجابي ببلادنا هو الشعب المغربي وكسب المستقبل عبر إعطاء الحقوق الكاملة لشبابه وإعطاءه الفرصة لبناء وطنه بكفاءاته، خير جواب يمكن للمغرب اليوم إعطاءه حتى لمن يسميهم بخصومه هو التعاطي الإيجابي مع مطالب هذا الحراك الشبابي والكف عن المقاربات الأمنية والكف عن الترويج لمثل هكذا طروحات واتهامات تسعى للقفز عن الواقع والتملص من المسؤولية، والبحث عن شماعات وهمية عوض معالجة المشاكل الحقيقية.

ماهو تقييمك لموقف الأحزاب هل هو داعم للاحتجاجات أم متوجس منها خاصة وأنها تقاد بلا قيادة واضحة ومطالبها يمكن أن تتغير بتطور الاحتجاجات على الميدان؟

مواقف الأحزاب ببلادنا متفاوتة ومختلفة بحسب موقعا؛ فأحزاب الأغلبية الحكومية مترددة بين دفاعها عن حصيلة عملها من جهة وتفهما الحذر لمطالب الحراك والاستعداد المحتشم للحوار، أما أحزاب المعارضة فقد وجدت في الحراك فرصة لمعاودة التموقع في المشهد السياسي خاصة مع قرب موعد الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2026، فيما الأحزاب غير الممثلة في البرلمان أو تلكم الممثلة بأعداد صغيرة خاصة من طيف اليسار وكذلك الإسلامية فهي تظهر من موقع الداعم لمطالب حراك الشباب دون الانجرار وترك فرصة لمناوئي الحراك لشيطنته واتهام الأحزاب الراديكالية يسارية كانت أو إسلامية بمحاولات الركوب على الحراك ومطالبه.

المطلوب اليوم خاصة من طرف التنظيمات السياسية، التي لها مصلحة في التغيير وتتلاقى أهدافها مع أهداف ومطالب الحراك الشبابي أن تبادر لطرح مبادرات سياسية وديناميات نضالية داعمة لمطالب الحراك ومساندة له لتكثيف الضغط على مربع الحكم ببلادنا للتجاوب مع مطالب الحراك وخلق الانفراج السياسي المطلوب.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس