خولة الجعفري
أفريقيا برس – المغرب. رغم الشعارات الحكومية المتكررة بشأن “الدولة الاجتماعية” و”فرص التشغيل”، كشفت دراسة ميدانية حديثة أعدها مركز “أفروباروميتر” عن مفارقة صادمة في واقع الشباب المغربي، تُظهر أن فئة واسعة منهم باتت تتأرجح بين تفاؤل هش بمستقبل البلاد، ورغبة حثيثة في الهجرة.
ففي وقت تتحدث فيه حكومة عزيز أخنوش عن إصلاحات اقتصادية عميقة ووعود بالرفع من جودة التعليم وخلق مناصب الشغل، تشير الأرقام إلى أن 28 في المئة من الشباب يفكرون فعليا في مغادرة البلاد، بينما عبّر 86 في المئة عن عدم رضاهم عن جهود الحكومة في الحفاظ على استقرار الأسعار، وهي المؤشرات التي تضع علامات استفهام كبرى حول مدى نجاعة السياسات العمومية الحالية، وقدرتها على ملامسة الواقع المعاش، خاصة في ظل تراجع منسوب الثقة بين الدولة وأجيالها الصاعدة.
وتشير المعطيات إلى أن 73 في المئة من الشباب المغاربة يعتبرون أن البلاد تمضي في المسار الصحيح، وهي نسبة توحي بوجود شعور بالأمل والثقة في السياسات الوطنية أو على الأقل قناعة باستقرار الأوضاع العامة. كما أن 54 في المئة من الشباب يتوقعون تحسن الوضع الاقتصادي خلال السنة المقبلة، ما يعكس حالة من التفاؤل بالمستقبل القريب لدى أكثر من نصف الفئة المستجوبة.
لكن هذا التفاؤل لا يخفي مؤشرات مقلقة تتعلق بتزايد نوايا الهجرة لدى الشباب المغربي، إذ أفاد 28 في المئة من المشاركين في الدراسة بأنهم يفكرون في مغادرة البلاد، وتمثل هذه النسبة ارتفاعا واضحا مقارنة بسنة 2017، حين بلغت فقط 20 في المئة، مما يعكس تصاعدا تدريجيا في التوجه نحو الهجرة خلال السنوات الأخيرة ويؤكد هذا الاتجاه أيضا تصريح أكثر من شاب من كل أربعة بأنه “فكر كثيرًا” في الهجرة، وهي نسبة لم تتجاوز سابقًا واحدًا من كل خمسة.
وتتعدد الأسباب التي تدفع الشباب إلى التفكير في مغادرة البلاد، لكن البطالة تظل السبب الأبرز، فقد أوضحت الدراسة أن 54 في المئة من الشباب الذين فكروا في الهجرة، حتى ولو بشكل بسيط، صرحوا بأن دافعهم الأساسي هو البحث عن فرص عمل أفضل وهو ما ينسجم مع الوضع البنيوي لسوق الشغل في المغرب، حيث تستمر معدلات البطالة في التفاقم، خاصة في صفوف الشباب الحاصلين على الشهادات العليا.
في المقابل، عبّر 12 في المئة من الشباب عن رغبتهم في الهجرة بهدف تحسين آفاقهم التجارية أو متابعة دراستهم، في حين قال 10 في المئة إنهم يسعون للهجرة هربا من الفقر، بينما أشار 4 في المئة إلى أنهم يفكرون في السفر فقط، دون دوافع اقتصادية أو مهنية محددة، وهذه المعطيات تشير إلى أن الهجرة، لدى فئة واسعة من الشباب المغربي، لم تعد خيارا نخبويا أو استثنائيا، بل تحولت إلى مخرج محتمل من سياق يراه البعض مغلقا أو غير منصف.
من جهة أخرى، تكشف الدراسة عن وجود تحديات بنيوية تعمّق من أزمة التشغيل، وعلى رأسها فجوة التكوين المهني والتعليمي، فقد أكد 34 في المئة من المستجوبين وجود عدم توافق بين محتوى التكوين وسوق العمل، في حين يرى 18 في المئة أن نقص التجربة العملية يشكل عقبة أساسية في وجه الاندماج المهني، وفي ظل هذه التحديات، أفاد 21 في المئة من الشباب بأنهم في وضعية بحث عن عمل، وهي نسبة تجسد حالة من القلق واللاستقرار الاجتماعي في صفوف فئة من المفترض أن تكون ديناميكية ومنتجة.
ورغم حدة هذه المؤشرات، يبقى هناك هامش من التقدير لجهود الدولة، حيث صرح 20 في المئة من الشباب بأنهم يثمّنون ما تبذله الحكومة من جهود في مجال خلق مناصب الشغل وهو ما يدل على وجود فئة ترى في السياسات العمومية مسارا قابلا للتحسن، ولو بشكل تدريجي.
إلى جانب معضلة البطالة، فإن الارتفاع المستمر في تكلفة المعيشة يمثل عاملًا محفزا آخر على التفكير في الرحيل، فحسب الدراسة، فإن غلاء الأسعار، وتداعيات الجفاف، ووضعية النظام التعليمي، كلها أسباب دفعت عددا مهما من الشباب إلى التشكيك في قدرة السياسات الحالية على تحسين واقعهم. وقد صرح فقط 14 في المئة من المستجوبين بأنهم راضون عن جهود الحكومة في الحفاظ على استقرار الأسعار، ما يعكس درجة كبيرة من السخط إزاء الأداء العمومي في القضايا المرتبطة مباشرة بالحياة اليومية.
وعند تفصيل نسب التفكير في الهجرة بين الشباب، يتبين أن 15 في المئة منهم يفكرون في الهجرة “بعض الشيء”، بينما صرح 21 في المئة بأنهم يفكرون فيها “إلى حد ما”، فيما عبّر 34 في المئة عن عدم تفكيرهم في الهجرة مطلقا، وهي أرقام ترسم صورة فسيفسائية لمواقف الشباب، تتأرجح بين من يؤمن بإمكانية الإصلاح من الداخل، ومن يتأهب لركوب قوارب الرحيل، الرمزية أو الواقعية.
تكشف هذه الدراسة الميدانية في مجملها عن شباب يعيش تناقضا وجدانيا عميقا: ثقة نسبية في مستقبل الوطن من جهة، وإحساس بعدم الانتماء الفعلي إلى هذا المستقبل من جهة أخرى. وبين من يتمسك بالأمل ويؤمن بالقدرة على النجاح داخل الوطن، ومن يبحث عن فرصة في ضفة أخرى، يظل الرهان على السياسات العمومية أن تبني أسباب البقاء، وأن تستجيب للحاجات الحقيقية للشباب، سواء في التعليم، أو التشغيل، أو تكافؤ الفرص.
ولعل أبرز ما تنبه إليه هذه الدراسة هو أن الهجرة لم تعد رد فعل على الفقر فحسب، بل تحولت إلى نتيجة مباشرة لتراكمات خيبة الأمل من السياسات العمومية، وضعف العدالة الاجتماعية، واختلال العلاقة بين التكوين وسوق الشغل، ما يستدعي إعادة صياغة شاملة للعلاقة بين الشباب والدولة، قائمة على الإنصات والتمكين والكرامة.
المصدر: الصحيفة
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس