أفريقيا برس – المغرب. يوم السبت 22 نونبر، ستعود مريم بلكيحل أخيرًا إلى الدار البيضاء، منهيةً مغامرتها الإفريقية التي امتدت لما يقارب ثلاث سنوات. الشابة البالغة من العمر 30 عامًا قضت السنوات الأخيرة في الترحال منفردة عبر القارة، معتمدة فقط على دراجتها، في رحلة انطلقت من الدار البيضاء في يناير 2023 ووصلت بها إلى مدغشقر.
«أتطلع بشوق للقاء عائلتي وأصدقائي»، تقول لموقع يابلادي من إثيوبيا، حيث تستعد لركوب الطائرة نحو المغرب في غضون أقل من ثلاثة أيام. وخلال رحلتها الملحمية، قطعت آلاف الكيلومترات عبر الوحل والمطر والطرقات الوعرة، متنقلة من غرب إفريقيا إلى جنوبها، ثم عبر وسط القارة وشرقها ومدغشقر، زائرةً ما مجموعه 33 دولة.
رحلة وُلدت من حلم
ومع ذلك، لم يكن مقدّرًا لرحلتها أن تمتد كل هذا الزمن أو أن تعبر كل هذه الحدود. فكل شيء بدأ من شغف عميق بالطبيعة. تقول مريم: «لطالما كنت مولعة بإفريقيا وكل ما يرتبط بالمغامرة: تسلّق الجبال، المشي لمسافات طويلة، الرحلات الطويلة».
كانت مريم قد جابت المغرب بالدراجة ووثّقت مغامراتها، وكانت تعلم أن رحلتها الكبرى التالية ستكون حتمًا إفريقية. «في البداية، كانت الفكرة بسيطة: أردت تسلّق جبل كليمنجارو. تخيّلت نفسي أتنقّل بالدراجة نحو تنزانيا لأصل إلى أعلى قمّة في إفريقيا، ومن خلال هذه الرحلة، إلهام نساء أخريات — المغربيات والإفريقيات — لتحقيق أحلام كبيرة. كان الأمر أشبه بتمكينٍ من خلال المغامرة»، كما توضح.
توسّعت الخطة تدريجيًا. ورغم أن أصدقاءها لم يكونوا «مندهشين» من طموحاتها، فإن والديها كانا يثقان في روحها المغامِرة والخبرة التي راكمتها خلال أسفارها عبر المغرب.
استعدّت مريم للرحلة اعتمادًا على تجاربها السابقة لتحديد ما يجب حمله بدقة، كما حصلت على راعٍ لدعم مشروعها. وتقول بفخر: «خلال رحلتي، تمكنت من تسلّق أعلى ثلاث قمم في إفريقيا: كليمنجارو، في يوم عيد ميلادي الثلاثين، ثم جبل كينيا، وجبل ستانلي في حديقة روانزوري الوطنية بأوغندا».
مواجهة الملاريا وصعوبات أخرى
كان تسلّق القمم «القطعة المميّزة» في التجربة، كما تقول مريم، التي كانت في جاهزية بدنية عالية بعد ثلاث سنوات من ركوب الدراجة يوميًا. لكن تحديات أخرى كانت أصعب بكثير. إذ أصيبت بالملاريا أربع مرّات. «أخذت الدواء واستريحت، لكن عندما تأتي من بلد لا توجد فيه الملاريا، تكون الإصابة مختلفة تمامًا. في المرة الرابعة، لم أعد حتى أستوعب مدى صعوبة الوضع»، تعترف.
عانت مريم أيضًا من حمى التيفوئيد وعدة التهابات في الأسنان. وتقول مازحة: «أتذكر أنني سافرت بخراج في أسناني من السنغال إلى جنوب إفريقيا، حيث تمكنت أخيرًا من علاجه».
ولعيش التجربة بكل تفاصيلها، تجنّبت عمداً الطرق السريعة، مفضّلةً الطرق الثانوية والمسارات الضيقة، وغالبًا خلال مواسم الأمطار. «الوحل والعواصف جعلا كل شيء أكثر صعوبة… ومع المطر يأتي البعوض والملاريا»، تضيف.
أما الحصول على التأشيرات فكان معركة متكررة. ففي بعض البلدان، كان عليها التقديم ثم مواجهة الرفض قبل إعادة المحاولة والانتظار من جديد. وبشكل عام، قضت ابنة الدار البيضاء ما لا يقل عن شهر في كل دولة.
وفي ما يتعلق بالأمان، ظلت الرحّالة الحذِرة ملتزمة باحتياطات بسيطة، رغم أنها «لم تشعر يومًا بعدم الأمان». تقول: «لم أخرج ليلاً، ولم أخبر أشخاصًا لا أثق بهم عن وجهتي التالية. عبرت مناطق تعرف أزمات، وشهدت مظاهرات في السنغال وغينيا، وانتخابات في موزمبيق، ووصلت إلى مدغشقر خلال الانقلاب، ومع ذلك لم أشعر أبدًا بأنني مهددة».
كانت مريم تركب دراجتها نهارًا وتستريح ليلاً، معتمدة أساسًا على التخييم خلال عبورها لغرب إفريقيا. تقول: «كنت أصل إلى قرية، أطلب الإذن من زعيمها، وأخيم هناك». أما في شرق القارة، فكان السكن «رخيصًا وسهل العثور عليه»، ما جعلها تتنقل بين استئجار الغرف والتخييم بحسب الحاجة. وتؤكد: «لم أشعر يومًا بالرغبة في الاستسلام. حتى عندما كنت مريضة أو اشتقت للوطن، لم أفكر أبدًا في التوقف والعودة».
الاتصال البشري
ما أبقاها في حركة مستمرة كان «الاتصال البشري». تضيف: «رؤية الاختلافات والتشابهات، ومشاركة ثقافتي في المقابل… هذا واحد من أكبر دوافعي». وكان الطعام جزءًا من هذا الاكتشاف أيضًا: من الإنجيرا والإنجيرا فيرفير في إثيوبيا إلى الشواء الجنوب إفريقي، وهي أطباق عدّتها من مفضلاتها. أما على المستوى الثقافي، فكانت إثيوبيا الأكثر جذبًا لها. تقول: «الثقافة، التاريخ، الفخر… إنه بلد لم يُستعمر قط، وقد شعرت بذلك في كل مكان».
الشيء الذي ستتذكره مريم «إلى الأبد» هو كرم الضيافة الإفريقية. تقول: «في كل مكان ذهبت إليه، كان الناس مستعدين للمساعدة، لتقديم الطعام أو إرشادي». وتضيف: «وفي كل مرة يعلم الناس أنني مغربية، كان الحديث يتجه مباشرة إلى كرة القدم. غالبية الرجال يعرفون المغرب من خلال لاعبي كرة القدم».
وبعد عودتها إلى المغرب، تخطط مريم لتحويل شغفها بالمغامرة إلى مسار مهني. فبعد أن تركت وظيفتها المكتبية في شركة دولية قبل بدء الرحلة، لم تعد ترى نفسها تعود إلى هذا النمط من العمل. تقول: «أريد مساعدة الناس على السفر، وتنظيم رحلات في المغرب أو عبر إفريقيا. لم أعد أرى نفسي خلف مكتب».
أما التحدي المقبل، فهو حاضر في ذهنها. فبمجرد وصولها إلى المغرب، تعتزم مريم البدء في التحضير لمغامرتها التالية: ركوب الدراجة من المغرب إلى كيب نورد في النرويج. وتختم: «سأحتاج إلى تأشيرة طويلة وراعٍ، لكن هذا هو الحلم التالي».





