أي مستقبل لأنبوب نقل الغاز “المغرب العربي-أوروبا”؟

39
أي مستقبل لأنبوب نقل الغاز
أي مستقبل لأنبوب نقل الغاز "المغرب العربي-أوروبا"؟

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. أياما قبل إقدام الجزائر على إغلاق أنبوب المغرب العربي-أوروبا، نقلت وكالة رويترز للأنباء في 19 أكتوبر 2021، عن مسؤول مغربي بارز قوله إن “المملكة لن تترك الأنبوب يصدأ”، وأن بلاده تهيئ خطة لإعادة استخدامه. وأضاف ذات المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه للوكالة بأنه “بالنسبة للمغرب، فإن خط الأنابيب هذا يعد بدرجة كبيرة أداة للتعاون الإقليمي… لن نتركه يصدأ”.

وأثبتت الأيام أن الرباط كانت قد أعدت بالفعل خططا جديدة، لإعادة تشغيل خط الأنابيب على المدى القصير، والمتوسط والبعيد… لكن هل يصمد استعمال الأنبوب المغاربي لنقل الغاز مستقبلا، في مواجهة رياح الانتقال الطاقي الذي أطلقت له أوروبا العد العكسي في أفق 2030؟

على المدى القصير

لقد شملت مخططات المغرب لإعادة تشغيل خط الأنابيب على المدى القصير، عكس مسار تدفق أنبوب الغاز الرابط بين الجزائر وأوروبا عبر المغرب. وفي 28 يونيو/حزيران 2022، أعيد فتح خط أنابيب الغاز بين المغرب العربي وأوروبا في الاتجاه المعاكس. في البداية، كانت كميات الغاز المنقولة من إسبانيا إلى المغرب قليلة جدا (بمعدل 12,8 جيجاوات/ساعة يوميا)، لترتفع تدريجيا وبسرعة كبيرة. وهكذا، فبالمقارنة مع شهر يونيو/حزيران (60 جيغاواط ساعة)، ويوليو/تموز (172 جيغاواط ساعة)، وسبتمبر/أيلول (123 جيغاواط ساعة)، بدأت الشحنات اعتبارا من أكتوبر/تشرين الاول في التضاعف ثلاث مرات (بلغت في أكتوبر328 جيغاواط ساعة)، لتصل في نوفمبر/تشرين الثاني 553 جيغاواط ساعة، وديسمبر/كانون الأول 527 جيغاواط ساعة؛ أي ما يمثل خمسة أضعاف الكميات المسجلة من قبل؛ وفقا لأرقام شركة إيناغاز Enagás، المشغلة لنظام الغاز الإسباني الذي يدير شبكة أنابيب الغاز الرئيسية.

وبالمعنى الدقيق للكلمة، فإن إسبانيا لا تبيع الغاز للمغرب. بل يقتصر دورها على استقبال السفن التي تنقل الغاز المسال الذي يستورده المغرب، لتعيد تحويله في مصانع إعادة تحويل الغاز إلى غاز، وترسله إلى المغرب عبر خط أنابيب غاز طريفة (قادس).

وينتج الغاز الذي يشتريه المغرب من الأسواق الدولية، الكهرباء في المحطتين الوحيدتين اللتين تعملان بالدورة المركبة في البلاد: عين بني مطهر، بالقرب من الحدود الجزائرية، وتاهدرات بالقرب من طنجة. وهذه الأخيرة تمتلك شركة إنديسا الإسبانية نسبة 32% فيها، بينما تمتلك شركة Siemens الألمانية 20%، والباقي (48%) تابع للمكتب الوطني للكهرباء (ONE)، المشغل الوحيد لإمداد الكهرباء في المغرب. وتنتج المحطتان، اللتان ظلتا متوقفتين عن العمل إلى غاية الصيف الماضي، بعد قطعت عنهما الجزائر إمدادات الغاز، 10% من مجموع الكهرباء في المغرب.

ولم تعلق الجزائر بعد على هذه المرحلة الجديدة من تبادل الطاقة، بين عدوها الغربي المغرب وخصمها الشمالي إسبانيا. لكن المرحلة الأولى من إعادة تشغيل خط أنابيب الغاز المغرب العربي-أوروبا لا تعدو أن تكون إجراء مؤقتا، لتأمين حاجيات المغرب العاجلة من الغاز الطبيعي، في أفق توفير إمكانية لتحويل الغاز المسال وتخزينه محليا في موانئ المملكة قريبا.

على المدى المتوسط

ترتبط المرحلة الثانية من إعادة تشغيل خط أنابيب نقل الغاز المغرب العربي-أوروبا، بالاكتشافات الغازية الواعدة التي تم العثور عليها في بر وسواحل المغرب، خلال السنوات القليلة الأخيرة. وكان مقررا أن تبدأ عمليا مع نهاية العام 2022، لكنها تأخرت لأسباب فنية وأخرى تتعلق بالتمويل، على ما يبدو.

بحسب الرئيس المدير العام لشركة ساوند إينيرجي البريطانية غراهام ليون، “تزيد احتياطيات المغرب من الغاز الطبيعي عن 20 تريليون قدم مكعب، ما يمثل رقما قياسيا”. ويضيف ليون في مقابلة أجراها معه قبل أسبوعين موقع “بتروليوم إيكونوميست” المتخصص في اقتصاد الطاقة، بأن “المغرب يمتلك احتياطيات هامة من الغاز الطبيعي، من شأنها أن تحقق له لا فحسب الاكتفاء الذاتي، بل وأن ينتقل إلى التصدير نحو الأسواق الخارجية”.

وتمتلك شركة غراهام ليون برؤوس أموال مغربية، لتطوير حقل تندرارة للغاز بشرق المغرب الذي اكتشفته في 2016، وتملك ثلاثة أرباع أسهمه. وكانت قد وقعت في 29 يوليو/تموز 2021، لبيع حصصها من الغاز بعد استخراجه ومعالجته ونقله لشركة “أفريقيا غاز” (التي يمتلكها رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش). وتقضي الاتفاقية ببيع إلزامي لـ 350 مليون متر مكعب سنويا من الغاز إلى المكتب الوطني المغربي للكهرباء، ونقله عبر الجزء من خط أنابيب نقل الغاز بالقرب من الحدود الجزائرية، لمدة لا تقل عن 10 سنوات. وكان مقررا الشروع في عملية الإنتاج والبيع مع نهاية العام 2022.

إلى جانب “ساوند إينرجي”، كانت شركة بريطانية أخرى للطاقة هي “شاريوت للنفط والغاز”، قد أعلنت في سبتمبر/أيلول الماضي، عن قرب ربط حقل أنشوا، الذي تمتلك فيه نسبة 75% (المغرب يمتلك 25%) بخط أنابيب الغاز بين المغرب العربي-أوروبا (الشطر الرابط بين إقليم العرائش وساحل طنجة على مشارف إسبانيا). ويقع حقل غاز أنشوا Anchois في منطقة ليكسوس البحرية، قبالة ساحل إقليم العرائش بالشمال الغربي للمغرب، وتبلغ مساحتها 1794 كيلومترا مربعا. ويبعد حوالي خمسين كيلومترا عن الجزء من أنبوب الغاز “المغرب العربي-أوروبا، الذي يمر عبر بر إقليم العرائش للوصول إلى طنجة.

وفقا للمحلل الباحث الفرنسي في جامعة غرونوبل-ألب فرانسيس بيران، سبق أن قدرت الشركة الأمريكية Netherland Sewell & Associates في يوليو 2022، الاحتياطيات المحتملة (الطارئة) من الغاز بحقل أنشوا العرائش، بأزيد من 637 مليار قدم مكعب. وسيدخل حقل أنشوا مرحلة الإنتاج في عام 2024. وهذه التقديرات، التي وصفها البعض بأنها متفائلة للغاية، يدافع عنها فرانسيس بيران بكونها “الأفضل”. ويضيف بأن “هذه الموارد القابلة للاسترداد، تمثل الإنتاج السنوي لدولة مثل الأرجنتين أو سلطنة عمان (حوالي 40 مليار متر مكعب سنويا لكل منهما)”، بسحب ما يؤكد بيران في مقال نشره في موقع “مركز السياسات للجنوب الجديد”.

وبحسب الباحث الفرنسي بيران، فإن قرب حقل أنشوا من خط أنبوب نقل الغاز المغاربي، ورغبة المساهمين في تسريع عملية الإنتاج، قد يعيد خط الأنابيب الذي أوقفته الجزائر إلى العمل من جديد، لنقل غاز حقل أنشوا نحو السوق الأوروبية.

على المدى البعيد

وفق تصور يمتد زمنيا على حوالي 25 عاما، يخطط المغرب للاستفادة من البنية التحتية لخط أنابيب نقل الغاز المغرب العربي-أوروبا، لجعله بوابة العبور النهائية لأنبوب الغاز نيجيريا-المغرب إلى أوروبا.

من حيث المبدأ، يعتبر هذا المشروع تجسيدا على الأرض للتوجه الاستراتيجي للمغرب نحو عمقه الأفريقي. من حيث الغاية، يتوخى المشروع تحقيق اندماج إقتصادي أفضل بين دول مجموعة غرب أفريقيا، من خلال البوابة الطاقية.

لنتصورأنبوبا يناهز قطره مترا يمتد مثل أفعى أسطورية، على طول يقارب الـ 6000 كيلومتر، أغلبه يمر في المحيط الأطلسي بسواحل بلدان غرب أفريقيا، على عمق يصل إلى 200 متر، حتى يجانب العوائق الطبيعية أو “السياسية” التي يُحتَمل أن تعترض مساره، ليضخ بقوة ضغط هائلة الغاز السائل من أحواض إنتاجه في نيجيريا إلى أوروبا، مرورا بـ 13 من دول غرب إفريقيا والمغرب.

ومن المقرر أن يبلغ طول خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي نحو 6000 كيلومتر، ليكون بذلك أكبر خط أنابيب بحري في العالم، بمجرد اكتماله، ينقل 3 مليارات قدم مكعب من الغاز يوميا. وسيكون المشروع المقترح امتدادا لخط أنابيب الغاز الحالي في غرب أفريقيا، الذي يمتد من نيجيريا إلى بنين وتوغو وغانا، المنجز في 2010، قبل ربطه بالمغرب. ويعني هذا أن أنبوب الغاز النيجيري المغربي سيمر عبر 13 دولة أفريقية، قبل أن يتصل بأنبوب غاز المغرب العربي وأوروبا، الذي أوقفته الجزائر من جانبها، في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2021؛ ليكون محورا للعبور النهائي للغاز النيجيري إلى أوروبا.

أما بخصوص آثاره المتوقعة، فإن المشروع سوف يحقق تنمية اقتصادية يستفيد منها أكثر من 350 مليون نسمة من سكان غرب القارة السمراء. وهو منذ الإعلان عنه قبل ست سنوات؛ أي حتى قبل أن ينطلق تنفيذه، حرك أسواق المحروقات والكهرباء وغيرها في المنطقة التي سيشملها.

وفي الشق السياسي، يتوقع المغرب أن ينبثق عن خط أنابيب لنقل الغاز من نيجيريا إلى أوروبا، وضع سياسي وديبلوماسي جديد لقضية الصحراء. وبالمجمل سوف يخلق المشروع اختلالا في موازين القوى في القارة وفي الإقليم المغاربي لفائدة المغرب. خصوصا أن جزءا مهما من الأنبوب سوف يعبر إقليم الصحراء الغربية.

لكن نقاط ضعف المشروع كثيرة، منها اثنتان تشكلان حجتين حاسمتين بالنسبة إلى المشككين في جدواه وقابليته للتحقق، وهما تكلفته “الخرافية” وطول مدة إنجازه. فبالنسبة إلى تكلفة إنجازه، تفيد التقديرات الأولية إلى أنها لن تقل عن 25 إلى 30 مليار دولار، ما يزيد من صعوبة العثور على ممولين يقبلون بضخ رؤوس أموال طويلة الأمد.

أما آجال تنفيذ مشروع خط أنابيب نقل الغاز نيجيريا-أوروبا عبر المغرب، فالتقديرات الأولية تذهب إلى أنها سوف تشييد الأنبوب سيتم على عدة مراحل تمتد على ربع قرن، وربما أكثر من ذلك. فثمة توقعات أكثر تشاؤما، بأن يستغرق إنشاء أنبوب الغاز النيجيري المغربي عدة عقود. ويستدلون على ذلك، بأنه بعد مرور ست سنوات على الإعلان عن المشروع، ما يزال يبارح مرحلة الدراسات التقنية والهندسية التفصيلية.

المستقبل للطاقات المتجددة!

ليست قضيتا التمويل وطول مدة الإنجاز هما الوحيدتان اللتان من شأنهما أن تدفعا المسؤولين المغاربة إلى إعادة التفكير في البحث عن استعمالات جديدة لأنبوبي نقل الغاز بين المغرب العربي وأوروبا، وبين نيجيريا والمغرب. فأوروبا التي تعد من أكبر مستوردي الغاز في العالم، باتت على عتبة انتقال طاقي تاريخي.

فقد حملت زيارة بوريل للمغرب يومي 5 و6 يناير الماضيين، مفاجأة غير سارة للمغرب ولنيجيريا وللدول الـ 11 الأخرى المنخرطة معهما في مشروع خط أنابيب نقل الغاز من نيجيريا إلى أوروبا. فقد عبر بوريل صراحة عن رفض الاتحاد الأوروبي تمويل مشروع خط نقل الغاز المذكور. وبحسب وسائل إعلام أوروبية، فإن الاتحاد الأوروبي يعتبر المشروع غير عملي وبدون فائدة، وبالتالي يعتبر ذلك ردا على الدعوات التي سبق أن وجهها رئيس نيجيريا إلى الاتحاد والمملكة المتحدة، للمساهمة في تمويل المشروع.

وبهذا الصدد كان المسؤول الأوروبي السامي جوزيب بوريل أثناء زيارته المذكورة للمغرب، واضحا في التعبير عن الموقف الأوروبي النهائي والحاسم، بخصوص مستقبل مشروع أنبوب نقل الغاز النيجيري المثير للجدل. فعلى هامش زيارته للمغرب، استضافت الجامعة الأوروبية-المتوسطية بفاس بوريلي يوم الجمعة 6 يناير/كانون الثاني الماضي. وردا على سؤال حول مشروع خط أنابيب الغاز نيجيريا-المغرب، أكد المسؤول الأوروبي بأن “المغرب (لا زال) لم يطلب دعما ماليا من الاتحاد الأوروبي (لإنجاز المشروع)”، مذكّرا بأن “تنفيذه يتطلب وقتا”، وبأن “أوروبا لا تبحث فحسب عن تعويض الغاز الروسي، بل عن التخلص بشكل نهائي من تبعيتها للغاز وللمحروقات بصفة عامة. وحرص ذات المسؤول الأوروبي السامي على توضيح الفكرة بشكل أوضح بالقول: “صحيح، نرغب في الحصول على مصدر آخر للغاز الطبيعي (بدل روسيا)، لكن في مخططاتنا أنه بعد ست أو سبع سنوات من اليوم، لن نكون في حاجة إلى الغاز (مهما كان مصدره)”.

ودعا بوريل بدل ذلك أصحاب مشروع خط أنابيب الغاز (المغرب ودول غرب أفريقيا)، إلى أن يراعوا عند تشييدهم المشروع أن يكون مناسبا أيضا لنقل الهيدروجين الأخضر نحو أوروبا. مشددا في السياق على أن أوروبا تتطلع مستقبلا إلى تعويض وارداتها من الغاز بالهيدروجين الأخضر.

وقد كان موضوع إنتاج المغرب للهيدروجين الأخضر وتصديره إلى أوروبا، في صلب مباحثات بوريلي مع رئيس الحكومة المغربية خلال زيارته الأخيرة. في وقت شرع المغرب فعليا في إطلاق مشاريع عملاقة بمليارات الدولارات، بشراكة ومع فرنسا وبريطانيا وأستراليا والسعودية، لإنتاج الطاقات المتجددة الريحية والشمسية والهيدروجين الأخضر.

ورغم أن الغاز الطبيعي يعد مصدرا للطاقة أقل تلويثا للبيئة من المصادر الأخرى الأحفورية، إلا أنه في مواجهة التحول المناخي المتفاقم سنة بعد أخرى، بات مفروضا حتى على الدول المنتجة للغاز والنفط، الانتقال نحو مصادر نظيفة للطاقة.

من حسن الحظ أن المغرب يهتم أيضا —إلى جانب أنابيب نقل الغاز الطبيعي—بالطاقة المتجددة، منذ أكثر من عقد، مستفيدا من مستويات أشعة الشمس والرياح، التي تعد بالمغرب من بين أعلى المستويات في أي بلد آخر في العالم، وفقا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة. وربما يحمله مستقبلا على التخطيط لإعادة تطوير أنبوب الغاز المغرب العربي-أوروبا، لنقل الهيدروجين الأخضر نحو الاتحاد الأوروبي، على المدى البعيد.

خطُّ أنابيبٍ لنقلِ الغاز في قلب توترات سياسية

يستهلك المغرب نحو مليار متر مكعب من الغاز كل عام. وقبل توقيف الجزائر لأنبوب المغرب العربي-أوروبا في 31 أكتوبر 2021، كانت توفر ما بين 60% إلى 80% من حاجة محطتين مغربيتين لتوليد الكهرباء عبر خط الأنابيب إياه.

لقد اشتد التوتر في ربيع العام الماضي، عقب إعلان مدريد قرارها بإعادة تشغيل أنبوب غاز المغرب العربي وأوروبا في الاتجاه العكسي، بشأن إمكان وصول الغاز الجزائري إلى المغرب عبر إسبانيا، وسط تهديدات شديدة اللهجة من جانب الجزائر التي حذرت من أن “تعيد إسبانيا توجيه جزيء واحد من الغاز الذي تستورده من الجزائر إلى المغرب. وهددت الجزائر بوقف تصدير الغاز إلى إسبانيا، إذا لم تلتزم ببنود الاتفاقات والعقود وقامت بإعادة تصدير الغاز إلى المغرب.

من جهتها، نفت إسبانيا أنها ستبيع الغاز الجزائري إلى المغرب، وهو وضع قد يؤدي إلى إلغاء العقد المبرم مع الجزائر لاستيراد الغاز. ومع ذلك، أشارت مصادر حكومية إسبانية إلى أن بلادها حرة في الاستفادة من أي جزء، من أنبوب الغاز الذي يعبر أراضيها وفقا للاتفاقية الثلاثية حول أنبوب الغاز المغرب العربي-أوروبا التي أبرمت في التسعينيات بين الجزائر والمغرب وإسبانيا.

والواقع أنه في مواجهة الحصار الطاقوي الذي فرضتها الجزائر بشكل مفاجئ، لجأ المغرب إلى جارته الشمالية إسبانيا، التي تمتلك ما يقرب من ثلث قدرة إعادة تحويل الغاز الطبيعي المسال الأوروبية إلى غاز، ويربطها بالمغرب خط الأنابيب المذكور. وهو خيار منطقي وبراغماتي. وكشفت وزارة التحول البيئي الإسبانية، إن ” المغرب طلب المساعدة لضمان أمن طاقته على أساس العلاقات التجارية بين البلدين، واستجابت إسبانيا بشكل إيجابي للطلب”.

وأوضحت وزيرة الانتقال الطاقي المغربية ليلى بنعلي، من جانبها بهذا الصدد، أن بلادها تعتزم الحصول على إمدادات غازية من قطر، مضيفة أن “هذه هي المرة الأولى التي يدخل فيها المغرب سوق الغاز الخليجية”. مضيفة أن المغرب دعا مجموعة مختارة من تجار الغاز الطبيعي المسال لتقديم عروض للحصول على عقود في بداية يناير 2022. وكشفت أن الحكومة المغربية تريد توقيع صفقات لا تقل عن خمس سنوات.

وقالت وزيرة الانتقال الطاقي المغربية ليلى بنعلي، إنها أخبرت الموردين للغاز أنه “يمكنكم تسليم الحمولات في أسرع وقت ممكن، إما في فبراير أو مارس 2022، لميناء دولة مجاورة (ميناء طريفة الإسباني) حيث يمكننا نقله منه هناك إلى المغرب”. لكن بنعلي اعترفت مع ذلك أن واردات الغاز الطبيعي المسال، ستكون أغلى من الغاز الجزائري الذي كان يصل إلى المغرب عبر الأنبوب.

وردا على غضب الجزائر التي هددت باتخاذ إجراءات انتقامية ضد إسبانيا، أوضحت الوزيرة أن بلادها “لا تشتري الغاز من الدول الأوروبية، بل من السوق الدولية”. وأضافت بنعلي بأن مفاوضات بدأت مع الدول المصدّرة للغاز، بما في ذلك قطر، أياما قليلة فقط بعد إغلاق الجزائر للأنبوب (في نوفمبر/تشرين الثاني 2021)، وأنه جرى التوصل إلى اتفاق مع إسبانيا ودول أوروبية لتشغيل بنيتها التحتية الخاصة بتحويل الغاز”.

لقد خطط المغرب منذ حوالي 9 سنوات لإقامة منشئات، لتخزين وتحويل الغاز المسال. لكنه تخلى عن هذا المشروع لتقديره حينها بأن لا حاجة تفرضه في وقت كان الحصول على حاجياته من الغاز متوفرا وبأسعار عادية. بعد الموقف الجزائري الغادر، وأزمة الغاز التي فاقمتها الأزمة الروسية الأوكرانية، عاد إلى خططه القديمة لتفعيلها. وهكذا شرع منذ مطلع العام الماضي، في إنشاء أول محطة (عائمة) لتخزين الغاز وتحويله بميناء المحمدية (قرب الدار البيضاء)، في انتظار إقامة محطتين أخريين بشمال وجنوب المملكة مستقبلا.

وكانت مصادر إعلامية إسبانية كشفت النقاب الشهر الماضي، عن وجود وساطة قادها العاهل الأردني عبد الله الثاني بين الجزائر ومدريد، ثم بين الجزائر والرباط، بهدف إذابة الجليد بين هذه العواصم الثلاث. ونقلت صحف إسبانية عن مصدر جزائري، دعم بلاده للوساطة الأردنية، من أجل إعادة تشغيل الأنبوب المغاربي. وأنه خلال لقائه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، توصل الملك الأردني إلى اتفاق مبدئي يقضي بـ “إعادة فتح خط أنابيب نقل الغاز المغارب العربي -أوروبا في أقرب وقت ممكن، ما سيساعد في تقليل التوتر السياسي بين إسبانيا والجزائر”.

لكن الجزائر تراجعت لاحقا على ما يبدو، لسبب ظاهر، يتمثل في أن إعادة تشغيل أنبوب الغاز كسابق عهده، كجزء من صفقة تطبيع علاقاتها التجارية المتوقفة مع مدريد، تمر بالضرورة بتطبيع علاقاتها مع الرباط. وهو أمر بات من سابع المستحيلات بالنسبة إلى النظام الجزائري القائم.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس