إدريس الفينة: سباق دولي حول ثروات المعادن المغربية

1
إدريس الفينة: سباق دولي حول ثروات المعادن المغربية
إدريس الفينة: سباق دولي حول ثروات المعادن المغربية

آمنة جبران

أهم ما يجب معرفته

أشار إدريس الفينة، الخبير الاقتصادي المغربي، إلى وجود سباق دولي حول ثروات المغرب المعدنية، خاصة الفوسفات والمعادن الحرجة. وأوضح أن المغرب نجح في تعزيز قطاع المعادن، مما جعله وجهة جاذبة للاستثمارات الأجنبية، مع التركيز على أهمية الشراكات القانونية لحماية مصالح البلاد. كما تناول الفينة التحديات التي تواجه المغرب في تحويل التقارب السياسي إلى صفقات اقتصادية متوازنة.

أفريقيا برس – المغرب. أشار إدريس الفينة، الخبير الاقتصادي المغربي، في حواره مع “أفريقيا برس” إلى وجود سباق دولي محموم حول ثروات المغرب في قطاعي المعادن والطاقة، باعتبار أن البلد يملك الجزء الأكبر من احتياطيات الفوسفات العالمية، بالإضافة إلى معادن حرجة أصبحت استراتيجية للأمن الطاقي والتكنولوجي للدول الكبرى.

وكشف عن توجه واضح للولايات المتحدة نحو دعم استثمارات مرتبطة بالمعادن والمواد الاستراتيجية في دول شريكة، ومن بينها المغرب. وآخر مثال هو دعم مشروع مغربي لإنتاج “البوليسيليكون” عالي النقاء المستعمل في الرقائق الإلكترونية والألواح الشمسية، باستثمار يناهز 800–870 مليون دولار في منطقة طانطان.

ورأى أن هناك اهتمام أمريكي وإسرائيلي بالمغرب كمنصة للطاقات المتجددة والمعادن الاستراتيجية وسلاسل القيمة المرتبطة بها، لكن لا يعني ذلك “استيلاء” على القطاع المنجمي، بل عن مشاريع وشراكات تخضع للإطار القانوني المغربي.

وفي تقديره فإن دعم ترامب لمبادرة الحكم الذاتي ليس فقط تعبيراً سياسياً، بل أيضاً استثماراً في شراكة استراتيجية طويلة الأمد مع المغرب في مجالات الأمن، الطاقة والمعادن والتكنولوجيا. في حين يواجه المغرب تحدي تحويل هذا التقارب السياسي إلى صفقات اقتصادية متوازنة.

هل نجح المغرب في تعزيز قطاع المعادن في الاقتصاد؟ وهل فُتح الباب فعلاً أمام الاستثمار الأجنبي؟

نعم، يمكن القول إن المغرب نجح في ترقية قطاع المعادن من قطاع تقليدي إلى رافعة استراتيجية للاقتصاد. اليوم يساهم القطاع بما بين 6 و10% من الناتج الداخلي الخام، ويشكل حوالي 30% من الصادرات السلعية، بقيمة تناهز 14,5 مليار دولار من الصادرات المنجمية سنة 2023، ويوفر قرابة 40 ألف منصب شغل مباشر، إضافة لآلاف المناصب غير المباشرة في النقل والخدمات والصناعات التحويلية. الرهان لم يعد مقتصراً على الفوسفات فقط، رغم أن المغرب يتوفر على حوالي 70% من الاحتياطيات العالمية ويقود السوق عبر مجموعة OCP، بل تم توسيع القاعدة إلى معادن حرجة مثل الكوبالت، النحاس، المنغنيز، الفلور، والأتربة النادرة، في انسجام مع التحول العالمي نحو الطاقات المتجددة والاقتصاد الأخضر. ومن حيث الانفتاح على الاستثمار الأجنبي، فقد عُدّل القانون المنجمي خلال العقد الأخير لرفع القيود البيروقراطية، وتسهيل الرخص، وتحسين وضوح القواعد الجبائية، وهو ما جعل المغرب يُصنَّف حالياً أول وجهة منجمية في إفريقيا وضمن العشرين الأوائل عالمياً في جاذبية الاستثمار المنجمي حسب تقرير معهد “فريزر” لسنة 2024–2025. توجد اليوم شركات كندية، أسترالية، أوروبية وآسيوية نشطة في الاستكشاف والإنتاج، خصوصاً في النحاس والكوبالت والقصدير والمعادن الاستراتيجية، مع خطط لفتح مناجم جديدة بحلول 2025–2030.

هل يزيد قطاع المعادن من فرص المغرب في تعزيز وجوده واستثماراته في إفريقيا؟

بدون شك، قطاع المعادن أصبح إحدى أدوات القوة الاقتصادية الناعمة للمغرب في إفريقيا. المغرب لا يُصدِّر فقط الفوسفات والأسمدة إلى القارة، بل يوسع حضوره عبر ذراعين رئيسيين: OCP Africa التي تستثمر في وحدات خلط الأسمدة، ومخازن، وبرامج مواكبة الفلاحين في عدد من البلدان الإفريقية؛ ثانياً: المجموعات المنجمية المغربية التي بدأت تنتقل من منطق التصدير الخام إلى منطق الاستثمار المباشر، الشراكات الصناعية، والخدمات الهندسية المنجمية عبر القارة. وفي سياق السباق العالمي على المعادن الحرجة (الكوبالت، النيكل، المنغنيز، الأتربة النادرة…) تشكّل خبرة المغرب الصناعية، وبنيته التحتية المينائية واللوجستية، ووزنه في الفوسفات والكوبالت، مؤهلاً طبيعياً لأن يكون منصة إقليمية لمعالجة هذه المعادن وتصدير منتجات ذات قيمة مضافة نحو أوروبا وأمريكا وآسيا، مع شبكات امتداد في إفريقيا جنوب الصحراء. هذا يعطي المغرب أداة إضافية لتعميق حضوره الاقتصادي والدبلوماسي في إفريقيا، في تكامل مع قطاعات أخرى مثل البنوك، الاتصالات، والأسمدة والطاقة المتجددة.

هل يفتح مجال المعادن الباب لمطامع خارجية بسبب الثروات التي يتوفر عليها المغرب؟

من الطبيعي أن يثير موقع المغرب المنجمي أطماعاً وتنافساً دولياً، لأننا نتحدث عن بلد يملك الجزء الأكبر من احتياطيات الفوسفات العالمية، بالإضافة إلى معادن حرجة أصبحت استراتيجية للأمن الطاقي والتكنولوجي للدول الكبرى. اليوم نرى بوضوح سباقاً بين الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الصين وقوى أخرى لتأمين سلاسل التوريد في المعادن الحرجة. المغرب حاضر في هذا السباق بحكم موارده وموقعه الجغرافي واتفاقيات التبادل الحر التي يتوفر عليها. هنا تكمن المعادلة الدقيقة: من جهة، المغرب يحتاج إلى استثمارات خارجية وتقنيات متقدمة لتسريع الاستكشاف والتحويل الصناعي وخلق مناصب الشغل؛ ومن جهة أخرى، عليه أن يحمي سيادته الاقتصادية عبر:

– عقود متوازنة؛

– نسب معقولة من المكون المحلي؛

– نقل التكنولوجيا وبناء سلاسل قيمة داخلية؛

– واحترام المعايير البيئية والاجتماعية، خاصة في المناطق الهشة.

إذاً، الخطر ليس في انفتاح المغرب على العالم، بل في نوعية الصفقات: هل تخدم رؤية صناعية بعيدة المدى، أم تعيد إنتاج نمط “تصدير المواد الخام واستيراد المنتجات النهائية”؟.

سبق أن ذكرتم أن المغرب يجب أن يراهن مستقبلاً على الطاقة النووية لدعم نموه الاقتصادي. كيف ذلك؟

الرهان على الطاقة النووية بالنسبة للمغرب ليس ترفاً فكرياً، بل خياراً استراتيجياً إذا أراد البلد أن يحافظ على تنافسيته الصناعية ويحقق الحياد الكربوني على المدى المتوسط. وهناك أربع نقاط أساسية:

1. حاجة المغرب لطاقة كهربائية مستقرة ومنخفضة الكربون. المغرب التزم برفع حصة الطاقات المتجددة إلى 52% من القدرة المركبة في أفق 2030، وبدأ فعلاً مسار الخروج التدريجي من الفحم إلى حدود 2040. لكن الشمس والرياح، بطبيعتهما المتقطعة، تحتاجان إلى مصدر “قاعدة” (baseload) مستقر؛ هنا يمكن للطاقة النووية أن تلعب دوراً مكملاً، خاصة مع توسع الصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة (الهيدروجين الأخضر، المعادن، الأسمدة، البيانات).

2. تجربة نووية موجودة أصلاً فالمغرب يتوفر منذ عقود على مفاعل أبحاث في معهد الطاقة في معمورة، ويتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبدأ في السنوات الأخيرة دراسة جديّة لإدماج الطاقة النووية المدنية في مزيج الكهرباء بعد 2030، بما في ذلك تكنولوجيات المفاعلات الصغيرة المعيارية.

3. الربط بين الفوسفات والنووي، فالفوسفات المغربي يحتوي على اليورانيوم القابل للاستخراج، ما يفتح على المدى البعيد إمكانية استعمال جزء من سلسلة الفوسفات كمصدر لوقود نووي، وهو ما يمنح المغرب مستوى أعلى من السيادة في سلسلة القيمة الطاقية، إذا تم اختيار هذا المسار تقنياً ومالياً.

4. الاستعمالات المزدوجة: الكهرباء مع تحلية المياه في سياق الجفاف البنيوي الذي يعيشه المغرب، يمكن الربط بين الطاقة النووية ومشاريع تحلية مياه البحر والإنتاج الكبير للهيدروجين الأخضر، لخلق منظومة متكاملة تدعم الأمن المائي والغذائي والصناعي في نفس الوقت. إذا أراد المغرب الحفاظ على وتيرة نمو صناعي تفوق 5% في أفق 2035، مع احترام التزاماته المناخية وخفض كلفة الطاقة، فيجب أن يضع الطاقات المتجددة والغاز والطاقة النووية في نفس المعادلة الإستراتيجية، بدل الاكتفاء بثنائي الشمس–الرياح.

ما تعليقكم حول ما يُروَّج عن استثمارات أمريكية وإسرائيلية مهمة في قطاع المعادن والمناجم بالمغرب؟

بالنسبة للولايات المتحدة، نرى توجهاً واضحاً نحو دعم استثمارات مرتبطة بالمعادن والمواد الإستراتيجية في دول شريكة، ومن بينها المغرب. آخر مثال هو دعم مشروع مغربي لإنتاج “البوليسيليكون” عالي النقاء المستعمل في الرقائق الإلكترونية والألواح الشمسية، باستثمار يناهز 800–870 مليون دولار في منطقة طانطان، مع تمويل من مؤسسة تمويل التنمية الأمريكية (DFC). هذا نوع جديد من الاستثمار: ليس استغلالاً خاماً للمعادن، بل تصنيع مادة تكنولوجية ذات قيمة مضافة عالية مرتبطة بالتحول الطاقي والرقمي.

بالنسبة لإسرائيل، المعطيات المتوفرة تشير إلى أن حجم الاستثمارات الإجمالي في المغرب بلغ حوالي 600–700 مليون دولار خلال السنوات الأربع الأخيرة، موزعاً أساساً على الطاقات المتجددة، الفلاحة المتقدمة، الصناعات، والبنى التحتية، مع بعض الشراكات في مجال الهيدروكربورات والطاقة والماء، أكثر منه في المناجم بالمعنى الضيق للكلمة. إجمالاً يمكنك أن تقول:هناك اهتمام أمريكي وإسرائيلي بالمغرب كمنصة للطاقات المتجددة والمعادن الإستراتيجية وسلاسل القيمة المرتبطة بها، لكننا لا نتحدث إلى اليوم عن “استيلاء” على القطاع المنجمي، بل عن مشاريع وشراكات تخضع للإطار القانوني المغربي، ويبقى على الدولة أن تضبط الشروط حتى تضمن نقل التكنولوجيا، القيمة المضافة المحلية، وحماية المصلحة الوطنية.

هل يريد ترامب تعزيز العلاقات الاقتصادية مع المغرب، خاصة بعد دعمه لمبادرة الحكم الذاتي في قضية الصحراء؟

يجب وضع هذا السؤال في سياقين: سياق سياسي–دبلوماسي، وسياق اقتصادي–استراتيجي.

سياسياً: الولايات المتحدة اعترفت بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية منذ إعلان الرئيس ترامب في ديسمبر 2020، وهذا الموقف أُعيد تأكيده رسمياً في 2025 باعتبار مبادرة الحكم الذاتي “الحل الجدي والوحيد الواقعي” للنزاع، مع الدعوة إلى تسريع المسار السياسي تحت مظلة الأمم المتحدة.

اقتصادياً: “الإدارة الثانية لترامب”جعلت المعادن والطاقة من أولويات سياستها الإفريقية والعالمية، في إطار منافسة الصين وروسيا على الموارد. منذ بداية هذه الولاية تم الإعلان عن صفقات في الطاقة والمعادن في إفريقيا بقيمة تفوق 9 مليارات دولار، مع تركيز واضح على الدول التي تُعتبر حليفة للولايات المتحدة. في هذا السياق، المغرب بالنسبة لواشنطن شريك مثالي لعدة أسباب: استقرار سياسي ومؤسساتي؛ موقع جغرافي يربط إفريقيا بأوروبا وأمريكا؛ ثروات منجمية وطاقة متجددة وبنية تحتية متقدمة؛ واتفاق تبادل حر قائم مع الولايات المتحدة.

لذلك دعم ترامب لمبادرة الحكم الذاتي ليس فقط تعبيراً سياسياً، بل أيضاً استثمارا في شراكة إستراتيجية طويلة الأمد مع المغرب في مجالات الأمن، الطاقة والمعادن والتكنولوجيا. التحدي بالنسبة للمغرب هو أن يحوّل هذا التقارب السياسي إلى صفقات اقتصادية متوازنة، تحفظ مصالحه السيادية في الصحراء، وتمنحه في نفس الوقت موقعاً أفضل في سلاسل القيمة العالمية للمعادن والطاقات الجديدة.