اجتماع النقب .. دوافعه وخلفياته ومؤشرات فشله

7
اجتماع النقب .. دوافعه وخلفياته ومؤشرات فشله
اجتماع النقب .. دوافعه وخلفياته ومؤشرات فشله

أفريقيا برس – المغرب. عقد وزراء خارجية “إسرائيل” والولايات المتحدة الأميركية ومصر والمغرب والإمارات والبحرين اجتماعًا في كيبوتس “سديه بوكير” في النقب، يومَي 27 – 28 آذار/ مارس 2021. وقد جاءت الدعوة لعقد الاجتماع من وزير خارجية “إسرائيل”، يئير لبيد، بهدف إنشاء تحالف “إسرائيل”ي – عربي برعاية أميركية، لمواجهة مشروع إيران النووي وسياساتها الإقليمية. وتهدف هذه الخطوة، بوضوح، إلى تحويل الصراع الرئيس في المنطقة من الصراع بين العرب و”إسرائيل” – الذي بدأ مع صعود المشروع القومي اليهودي منذ ما قبل عام 1948، والاستيلاء على فلسطين وأراض عربية أخرى – إلى صراع بين العرب و”إسرائيل” من جهة، وإيران من جهة أخرى.

أجندة الاجتماع
جرى إعداد اجتماع النقب على عجل، كما يبدو، وقرّرت مصر حضوره في اللحظة الأخيرة، في حين قرّر الأردن عدم الحضور، رغم توجيه دعوة إليه. ومع أن عقد الاجتماع، في حد ذاته، يمثّل إنجازًا ل”إسرائيل”، فإنه لم يصدر عن المؤتمر بيان مشترك؛ ما يشير إلى خلافاتٍ متعلقةٍ غالبًا بالصياغات بين الأطراف المشاركة فيه، لا سيما بين مصر و”إسرائيل”، وإلى عدم تمكّن “إسرائيل” من فرض أجندتها على الاجتماع، ومن إقناع مصر أن تكون طرفًا في تحالف عربي – “إسرائيل”ي ضد إيران. وقد ناقش المؤتمر، إضافة إلى الموضوع الإيراني، قضايا أخرى تهمّ خصوصًا مصر والمغرب، أهمها تداعيات حرب روسيا في أوكرانيا على أسعار النفط والقمح والمواد الاستهلاكية الأساسية الأخرى، التي يُتوقع أن تكون كبيرة في مصر، فضلًا عن قضية الصحراء الغربية التي عادت إلى الواجهة بقوة، منذ قرّرت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الاعتراف بسيادة المغرب عليها عام 2020، في مقابل تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”. ورغم إعلان وزير الخارجية ال”إسرائيل”ي عن اتفاق وزراء الخارجية على عقد اجتماع دوري، مرة في السنة على الأقل، فإن من المستبعد حصول ذلك؛ نظرًا إلى الأرضية الهشّة التي انعقد على أساسها الاجتماع، وحالة “السيولة” الكبيرة التي تشهدها المنطقة.

نحو تحالف أمني
في سياق معارضة “إسرائيل” إحياء الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة دول “5+1″، مارست ضغوطًا كبيرة على مدى العام الماضي، حتى لا تعود إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى الاتفاق النووي مع إيران، بيد أن هذا الجهد، على ما يبدو، باء بالفشل؛ فالمفاوضات بين إيران والدول الغربية تستمر، وتقترب من إعلان اتفاقٍ تعود بموجبه إيران إلى التزاماتها النووية، في مقابل رفع الجزء الأكبر من العقوبات الأميركية المفروضة عليها.

ومع اقتراب العودة إلى الاتفاق النووي، ضاعفت “إسرائيل” جهودها لتعزيز العلاقات مع عدد من الدول العربية، وخصوصًا التي وقّعت معها “اتفاقات أبراهام”، عام 2020، بهدف التوصل إلى أرضية مشتركة لإقامة تحالف سياسي وأمني بين “إسرائيل” وبعض الدول العربية ضد إيران. وقد قطعت “إسرائيل” شوطًا في هذا المسار؛ ليس فقط في إطار تطبيع علاقاتها مع الإمارات والبحرين والمغرب، بل من جهة الارتقاء بهذه العلاقات أيضًا إلى درجة التحالف. ويؤكّد ذلك تنامي عدد الزيارات التي قام بها مسؤولون أمنيّون “إسرائيل”يون إلى هذه الدول أخيرا، وقد جرى خلالها توقيع اتفاقات تعاون أمني وتنظيم مناورات عسكرية مشتركة.

وكان لافتًا، على نحو خاص، حماسة كل من الإمارات والبحرين اللتين تعمّقت علاقاتهما العلنية مع “إسرائيل” بوضوح خلال السنة الأخيرة، بعد أن كانت سرّية خلال سنوات طويلة. وقد استغلت “إسرائيل” خشية هاتين الدولتين من سياسات إيران في المنطقة وتبريرهما التحالف مع “إسرائيل” ضدها لتعزيز التعاون الأمني والعسكري، خصوصًا في مواجهتها. والحقيقة أن التفاهم ال”إسرائيل”ي – الإماراتي يتجاوز ذلك إلى العمل على منع تكرار الثورات العربية، وكذلك الوقوف معًا ضد محاولات الولايات المتحدة التدخل في ما تعتبرانه شؤونًا داخلية لحلفائها، مثل قضايا حقوق الإنسان. فقد زار رئيس الموساد ال”إسرائيل”ي السابق، يوسي كوهين، الإمارات، في 18 آب/ أغسطس 2020، والتقى في أثناء زيارته مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد، وناقشا “آفاق التعاون في المجالات الأمنية”. وفي آذار/ مارس 2021، وقّعت مجموعة التكنولوجيا المتقدّمة في قطاع الدفاع بالإمارات (إيدج)، مذكّرة تفاهم مع شركة الصناعات الجوية ال”إسرائيل”ية؛ لتطوير الإنتاج الأمني والعسكري المشترك بين البلدين، وبناء نظام متقدّم للدفاع ضد الطائرات من دون طيار. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، زار رئيس قسم تصدير الأسلحة في وزارة الدفاع ال”إسرائيل”ي، يئير كولاس، معرض دبي الدولي للطيران، بصحبة سبع شركات أمنية وعسكرية وسيبرانية “إسرائيل”ية؛ لتعزيز الإنتاج الأمني والعسكري المشترك بين البلدين، وتصميم وتصنيع سفنٍ غير مأهولة، تكون قادرةً على تنفيذ هجمات مضادّة للغواصات. وقد زار يوسي كوهين البحرين، أيضًا، في 6 أيار/ مايو 2021، لوضع أسس التعاون الأمني بين البلدين. وفي 2 شباط/ فبراير 2022، زار وزير الأمن ال”إسرائيل”ي، بيني غانتس، البحرين، ووقّع مذكرة تفاهم مشتركة مع قوة دفاع البحرين في مجال التعاون العسكري. وفي 12 شباط/ فبراير 2022، أكدت وزارة الخارجية البحرينية تعيين ضابط ارتباط “إسرائيل”ي في البحرين، في إطار ترتيبات متصلة بإنشاء تحالف دولي لـ “تأمين حرية الملاحة في المياه الإقليمية للمنطقة”. وفي 9 آذار/ مارس 2022، زار رئيس أركان الجيش ال”إسرائيل”ي، أفيف كوخافي، البحرين، وناقش خلال زيارته آليات التنسيق والتعاون الأمني بين البلدين.

وقد قام غانتس، في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، بأول زيارة علنية للمغرب، وقّع خلالها مع نظيره الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني، عبد اللطيف لوديي، أول اتفاقية أمنية بين البلدين؛ وذلك لفتح الطريق أمام بيع الجيش ال”إسرائيل”ي السلاحَ للمغرب، وجرى الاتفاق على إنشاء لجنة مشتركة من أجل تبادل المعلومات الاستخبارية والبحوث والتدريب العسكري المشترك.

وعلى صعيد التمارين العسكرية المشتركة، شاركت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، قوات إماراتية وبحرينية و”إسرائيل”ية، أول مرة، في تمرين متعدّد الأطراف على عمليات الأمن البحري في البحر الأحمر مع القيادة المركزية الأميركية (الأسطول الخامس). وفي شباط/ فبراير 2022، شاركت 60 دولة، من بينها “إسرائيل”، إلى جانب الإمارات والبحرين والمغرب، في مناورات بحرية في الخليج العربي والبحر الأحمر، بتنظيمٍ وإشراٍف للقيادة الوسطى في الجيش الأميركي.

وقد استثمرت “إسرائيل” في جملة من المتغيرات للتقارب مع بعض الدول العربية، الخليجية، خصوصًا في مواجهة إيران أبرزها: ما يلي:
أولًا، تزايد الحديث عن تراجع الاهتمام الأميركي بمنطقة الخليج والشرق الأوسط، وتوجّه الولايات المتحدة إلى الانسحاب التدريجي منها، في مقابل زيادة تركيزها على الصين، ومنطقة جنوب شرق آسيا. ورغم أنه لا يوجد ما يؤيد فرضية الانسحاب الأميركي من منطقة الخليج التي ما زالت تستأثر باهتمام أميركي كبير بسبب امتلاكها أهمّ مصادر الطاقة عالميًّا، فإن “إسرائيل” تستثمر في مخاوف الدول الخليجية، ما يبدو تناقصًا في التزام الولايات المتحدة بأمن المنطقة مع توجهها لرفع الحصار عن إيران.

ثانيًا، اقتراب العودة إلى الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة دول “5+1″، بما يترتب عليه من رفعٍ للعقوبات عن إيران، وهو ما يساهم في زيادة نفوذها ودورها في المنطقة، وزيادة قوتها أيضًا، خصوصا مع اقترابها من التحول إلى دولة “عتبة نووية”.

ثالثًا، تستغل “إسرائيل” تصاعد الهجمات التي يشنها حلفاء إيران، وخصوصا الحوثيين، على منشآت ومواقع استراتيجية في السعودية والإمارات؛ لدفع هذه الدول إلى الاقتراب من الموقف ال”إسرائيل”ي، وتشكيل تحالف معها ضد إيران.

توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها
جاءت قمة النقب في فترة تشهد فيها علاقات الولايات المتحدة توترًا مع عدد من حلفائها في الخليج – وخاصة السعودية والإمارات – على خلفية وقوفهما على الحياد في أزمة أوكرانيا، ورفضهما طلبًا أميركيًّا متمثّلًا في زيادة إنتاجها من النفط لزيادة الضغط على روسيا.

وقد خيّم الفتور على العلاقات الأميركية مع كل من السعودية والإمارات منذ وصول إدارة بايدن إلى السلطة في كانون الثاني/ يناير 2021، على خلفية امتناع الرئيس بايدن عن التواصل مع وليّ العهد السعودي، وسماحه بنشر ملخص استخباراتي أميركي يحمّله مسؤولية إصدار أوامر بقتل الصحافي جمال خاشقجي، فضلًا عن شطب الولايات المتحدة الحوثيين من قائمة الإرهاب، وسحب الدعم العسكري للسعودية في حربها ضد الحوثيين في اليمن، وعزم الإدارة الأميركية شطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب، في حال التوافق في إحياء الاتفاق النووي مع إيران، رغم قيامه بتزويد حلفاء إيران في المنطقة، وفي طليعتهم الحوثيون، بالمسيّرات والصواريخ البعيدة المدى التي تستعمل في قصف أهداف استراتيجية في السعودية والإمارات.

تردّد مصر
تردّدت مصر في المشاركة في اجتماع النقب، وكانت آخر دولة توافق على دعوتها إليه. وترى مصر أن هذا الاجتماع يمنح “إسرائيل” دورًا قياديًّا في المنطقة على حسابها. وهي تتحفّظ، على ما يبدو، عن أن تكون إيران محور الاجتماع. إضافة إلى ذلك، لا تُبدي مصر ارتياحًا لمقترح “إسرائيل”ي بشأن بناء منظومة دفاع جوي في دول عربية لمواجهة الطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية التي يمكن أن تستهدف “إسرائيل”، وكذلك إقامة نقاط ومكاتب لأجهزتها الأمنية في دول عربية عديدة، تحت غطاء التنسيق الأمني والاستخباري. ورغم معارضة مصر سياسات إيران في منطقة الخليج، وإدانتها الهجمات الحوثية على السعودية والإمارات، فإنها لا تشارك السعودية والإمارات النظرة نفسها إلى إيران. وبناءً على ذلك، لا تبدو مصر متحمّسة للانخراط في حلف عسكري “إسرائيل”ي – عربي ضد إيران. ويبدو أن عدة عوامل ساهمت في دفع مصر إلى المشاركة في اجتماع النقب، في مقدّمتها الضغط الذي تعرّضت له من الإمارات والولايات المتحدة، وسعيها للحصول على مساعدات مالية من دول الخليج العربية والولايات المتحدة؛ من أجل مواجهة الأزمة المالية التي تواجهها من جرّاء ارتفاع أسعار النفط والمواد الغذائية الأساسية، فضلًا عن الحصول على دعم من الإمارات و”إسرائيل” للضغط على إثيوبيا في قضية سد النهضة؛ من أجل التجاوب مع المقترحات المصرية بشأن هذه القضية.

خاتمة

لم تحقق “إسرائيل” هدفها الرئيس من اجتماع النقب، المتمثل في توسيع تحالفها مع الإمارات والبحرين (والمغرب، على نحو جزئي) ليشمل مصر أيضًا، نتيجة تحفّظ مصر عن تلك “الفكرة”. وعلى الرغم من ذلك، فإنها اعتبرت أن مجرّد عقد الاجتماع يمثّل إنجازًا سياسيًّا ودبلوماسيًّا كبيرًا بالنسبة إليها، خصوصا أنه عُقد في كيبوتس “سديه بوكير” الذي اتخذه ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء ل”إسرائيل”، ومؤسّس الجيش ال”إسرائيل”ي، والمسؤول الأكبر عن نكبة فلسطين، وعن طَرْد الفلسطينيين من أرضهم، وعن ارتكاب المجازر في حقهم. لكن يبدو واضحًا، من جهة أخرى، أنه، بالتوازي مع الجهود التي تقودها “إسرائيل” لحَرْف الصراع في المنطقة عن وجهته الحقيقية؛ عَبْر التطبيع مع بعض الحكومات العربية والانتظام معها في حلف على حساب القضية الفلسطينية، يزداد الإصرار الفلسطيني على مقاومة محاولات “إسرائيل” نزع الشرعية عن قضية فلسطين؛ ما قد يؤدي، في ظل انسداد الأفق أمام حل سياسي عادل للقضية الفلسطينية، إلى الدفع في اتجاه انتفاضة شاملة جديدة تغيّر كل الحسابات.

المصدر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس